ستأخذك قدمك إلى ميدان الأربعة عشر مسجدا بالإسكندرية، لتجد عالما آخر روحانى بما تحمله الكلمة من معنى، ستقف أمام الطقوس المعلنة وأصحاب الجلباب الأبيض والوشاح الأخضر، بالتأكيد ستصاب بالرهبة وسيدور في ذهنك ألف سؤال. من هم أصحاب الكرامات عند دخولك لأى مسجد؟.. لترى الأضرحة ستتذكر الجدل الدائر بين الحلال والحرام، وهل بالفعل هذه المقامات تفيد وتنفع؟.. بالتأكيد ستلاحظ الأداء الموسيقى والحركى وستسمع مشكلات العنوسة، وفك الربط، وبعضهم يتكلم عن الغيب المستمد من الله، والآخر يتحدث عن الأعمال السفلية. في رحلة عادية، استضافنا عامل مسجد سيدى أبو الفتح، كما يلقب (محمد مروان)، قال عن مقام أبو الفتح إنه كان أحد الصالحين العارفين بالله جاء إلى مصر منذ 800 عام، وهو خال الشيخ الجليل إبراهيم الدسوقى، أحد أولياء الله الصالحين. وروى لنا قصة عندما يسمعها المريدون يذكرون الله بكلمات مختلفة (الله حى.. ومدد يا سيدى أبو الفتح.. وعمار عمار يا أبو الفتح جيتلك وقصدتك وانت الدوا والطبيب ) فيقول: "سيدى إبراهيم الدسوقى الذي يعتبر أبو الفتح خاله سميت دسوق بكفر الشيخ على اسمه لأن البحر انحصر عن الجامع الذي بناه بعد تضرعه إلى الله ثم وصل أبو الفتح إلى الإسكندرية لنشر الطريقة الرفاعية بمصر، فأرسله الشيخ الرفاعى من العراق إلى القاهرة ودفن في مسجده الذي يقع بالجهة الجنوبية بمسجد أبو العباس المرسي". ويقول هنا الشيخ جابر قاسم، وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية بالإسكندرية إن مسجد سيدى أبو الفتح يعتبر ضريحا نموذجيا ومحاطا بسور من البغدادلى وهو ذو شكل مستطيل يغطى الضريح، وهو خال من الزخارف وبجواره ضريح السيدة فاطمة والدة سيدى إبراهيم الدسوقى، وبجوارها خادمهما بركات الذي عرف عنه ورعه واعتبر من أولياء الله الصالحين، وأطلق على السيدة فاطمة اسم آخر وهو السيدة رقية أو السيدة ليلى.. ويقال بين المتصوفة إنه أطلق عليها رقية لأنها مبروكة وتشبه الرقية الشرعية، أما ليلى لأن هناك ليالى بها نفحات وبركة ويضيف قاسم أن سيدى أبو الفتح من الأقطاب الأربعة في ساحة المرسي أبو العباس. يقول محمد مصطفى، أحد الصوفيين إن سيدى أبو الفتح توالت كرماته بعد سيدى إبراهيم الدسوقى وتطايرت جثته بعد وفاته في الهواء.. ومريديه يصلوا إلى 4 ملايين شخص وتكون ليلة الاحتفال في شهر رمضان من كل عام، وسيدى أبو الفتح هو من أسس لفكرة الطريقة الرفاعية ويوجد حارة باسمه متفرعة من إحدى شوارع حى الجمرك يقال إنه كان يسكن بها. ومن ضمن الطقوس المتبعة في الاحتفالات الصوفية الروحانية "العزف على عدة آلات"، فيقول أحمد جابر عبد الله، أحد اتباع الطريقة الرفاعية إن هناك آلة القانون وكانت تستخدم قبل بعث النبى هذا بخلاف ارتداء الجلاليب البيضاء والمطرزة بصدف البحر والوشاح الأخضر والخرزة الزرقاء والسلاسل وجوجع البحر وسلسلة كف مريم، منعًا للعكوسات أما الأوشحة الخضراء مكتوب عليها اسم الطريقة وكل طريقة لها جوها الروحانى الخاص بها. أضاف: عن سيدى أبو الفتح وحكايته مع النزور فتقدم له ليلة الاحتفال طيورا حية وبعض لحوم الماشية ولا يتعامل مريديه من نقود، ويقومون بتوزيع المياه المطعمة بالمورد على زواره ثم تجد الزرح وعلامة الخمس أصابع في إشارة للكف وتعليق لافتات تعبر عن الوئام مع صاحب المقام، وتجد أيضًا مجموعة من الكلمات يتم ترديدها بطريقة لا يفهمها إلا أصحابها. وعودة إلى الشيخ جابر قاسم الذي قال إن ميدان المساجد بالإسكندرية له أهمية كبيرة فهو يعبر عن الطابع الإسلامي للمدينة، وكثير من السياح يقصدون الميدان والمساجد الأربعة عشر التي توجد به ويعتبر من أهم الميادين في العصر العثمانى، وكان يسمى بالمدينة التركية (الهبتا ستديم) بين الميناء الشرقى والغربى. أضاف: كانت هذه المنطقة تستخدم مدافن للأموات في عهد محمد على باشا الذي كان يدرك أهمية مدينة الإسكندرية فأنشأ مجلس الأورناطو الذي اهتم بتنمية وتطوير المدينة التركية، لاحتوائها على مبانى تاريخية وإسلامية هامة. تابع الشيخ جابر: مسجد سيدى أبو الفتح إذا قرأت داخله الفاتحة وسورة يس وسورة الواقعة وخرج الشخص على الفور سيخرج ناسيًا همه وكربه وسيساعده الله على تخطى ما به من أزمات، ويأتى إلى المسجد نساء كثيرات لهن طلبات مثل سرعة الإنجاب وسرعة الزواج وفى النهاية فإن من يرى هذه الساحات التي اختلط فيها الفقهاء والعلماء وأهل الصوفية والمريدين ومن يسبحون في ملكوت الله بعيدًا عن الدنيا لن يسعه الا أن ينظر لكل هؤلاء بشغف ورهبة وانبهار. واستكمل: المكان له طابع إنسانى غير عادى اختلط فيه أهل الذكر ومراجيح الموالد وألعاب الأطفال وحمص الشام وحب العزيز والفول السوادنى والبخور والعنبر والمسك كل هذا تحت رعاية لفظ واحد فقط الله جل جلاله.