الشيخ جابر قاسم: نرفض هدم الأضرحة «الطرطوشى» أقدمهم و«المرسى أبو العباس» أشهرهم ضريح «سيدى أبو بكر الطرطوشى»، بالإسكندرية أقيم فى القرن الخامس الهجرى، بمنطقة السكة الجديدة أو الباب الأخضر بالإسكندرية 75 ضريحًا لأولياء مصريين ومغاربة أو أندلسيين, يقصدها الملايين من جميع ربوع مصر لتتربع على عرش الأولياء والصالحين, وهى مقصد للطرق الصوفية بجميع مسمياتها, ولعل الوضع الذى تتميز به المدينة الساحلية هو ما جعلها محطًّا للكثير من القبائل, وبذلك ظهر منهم الصالحون الذين تم تخليد ذكراهم بالمقامات والأضرحة. وبعيدًا عن الأعداد, فعلى الرغم من كثرتها إلا أن منها ما هو معروف وله شهرة كبيرة، مثل «المرسى أبو العباس» الذى يقترن اسمه باسم المدينة«الإسكندرية بلد المرسى أبو العباس», و«سيدى بشر», و«سيدى جابر» و»أبو الدرداء», إلا أن هناك العديد من هذه الأضرحة غير معلومة ولا تحظى بشهرة واسعة, منها ضريح «سيدى أبو بكر الطرطوشى»، وهو أقدم الأضرحة بالإسكندرية منذ القرن الخامس الهجرى، بمنطقة السكة الجديدة أو الباب الأخضر, وهو أحد فقهاء الأندلس, جاء من مدينة طرطوش, ويتم الاحتفال به فى 18 رمضان من كل عام. وأمام حدائق الشلالات يوجد ضريح «سيدى أحمد المتيم» بشارع السلطان حسين, وفى نفس المكان دفن إخوته الثلاثة، وهم من نسل «على زين العابدين بن الحسين»، رضى الله عنه, ومن الروايات حول هذه الضريح حينما تم نقل رفاتهم لتوسيع الحديقة ونقلهم إلى منطقة ال14 ضريحًا فى «بحرى». وفى بحر المعمورة يوجد ضريح سيدى «محمد رحال», وفى شارع «النبى دانيال» يوجد ضريح العارف بالله «محمد دانيال الموصلى»، الذى جاء إلى الإسكندرية فى نهاية القرن الثامن الهجرى, وتتضارب الروايات، فهناك من يرى أنه كان معبدًا لنبى الله دانيال -أحد أنبياء اليهود- وتغير المكان ليصبح مسجدًا يحمل نفس الاسم، وتقام الاحتفالية سنويًّا بعد عيد الأضحى, ويشارك فيها مريدوه من خارج مصر بشكل أكبر, وخاصة من مشايخ البهرة وأتباعهم بدولة الهند.. وفى الشارع نفسه يوجد ضريح «سيدى عبد الرازق الوفائى», ويعتقد البعض أن أسفل هذا الضريح بشارع النبى دانيال قبر الإسكندر الأكبر؛ نظراً لما تحتويه من آثار رومانية ويونانية قديمة. ويشتهر مقام «محمد سابق بن شيحة» وسط الصوفية بالكرامات, وحسب الروايات فإنه كان يوقد قنديلًا ينير الطريق للمسافرين, وذكره المقريزى: «إن من كان يقف بكوم الناضورة يرى قنديل الشيخ «سابق» وخلوته الموجودة على ربوة مرتفعة عن الأرض أمام البحر، التى يقع موضعها الآن أمام باب 18 للميناء بمنطقة سوق الجمعة، ودفن بخلوته، ومسجده وساحته أسفل الخلوة، ومما يعرف عنه من كرامات وجود نبع بئر لا ينضب من الماء فيه شفاء للمرضى. أما أحدث الأضرحة الموجودة فعمره يقترب من 30 عامًا للشيخ «محمد مصطفى جاد», أحد علماء الأزهر الشريف, ويتبع طريقة المرازقة الأحمدية وأطلق اسمه على المعهد الأزهرى بمنطقة الورديان. وفى ميدان الأربعة عشر مسجدًا تجد عالَمًا آخر روحانيًّا أمام طقوس المريدين أصحاب الجلباب الأبيض والوشاح الأخضر, ومن بين هذه الأضرحة «سيدى أبو الفتح», وهو أحد الصالحين العارفين بالله, جاء إلى مصر منذ 800 عام، وهو خال الشيخ الجليل «إبراهيم الدسوقى» أحد اولياء الله الصالحين. ويقول الشيخ جابر قاسم، وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية بالإسكندرية: إن المدينة بطبيعتها الساحلية كانت موضعًا ومقرًّا للعديد من القادمين فى الفتح الإسلامى, لذلك ظهر منهم الأولياء والصالحون, مشيرًا إلى أن الإسكندرية واحدة من أهم البلدان فى مصر التى يقصدها ملايين المواطنين من مصر والملايين من خارجها لزيارة أولياء الله الصالحين، والتبرك بهم. وأضاف الشيخ «جابر قاسم»: إن ميدان المساجد بالإسكندرية له أهمية كبرى, فهو يعبر عن الطابع الإسلامى للمدينة, وكثير من السائحين يقصدون الميدان والمساجد الأربعة عشر التى توجد به, ويعتبر من أهم الميادين فى العصر العثمانى, وكان يسمى بالمدينة التركية (الهبتا ستديم) بين الميناء الشرقى والغربى, وكانت هذه المنطقة تستخدم كمدافن فى عهد محمد على باشا الذى كان يدرك أهمية مدينة الإسكندرية, فأنشأ مجلس «الأرناءوط» الذى اهتم بتنمية وتطوير المدينة التركية لاحتوائها على مبانٍ تاريخية وإسلامية مهمة, ومن ينظر إلى ميدان المساجد وإلى مسجد «أبى الفتح» بشكل خاص سيجد نفسه مرتاحًا نفسيًّا؛ لأن المكان تحفه الملائكة. وعن مسجد «سيدى أبو الفتح» الموجود بمنطقة الأربعة عشر مسجدًا قال وكيل مشايخ الطرق الصوفية بالإسكندرية: يعتبر ضريحًا نموذجيًّا، وهو محاط بسور من البغدادلى، وهو ذو شكل مستطيل يغطى الضريح، وهو خالٍ من الزخارف، وبجواره ضريح «السيدة فاطمة» والدة «سيدى إبراهيم الدسوقى»، وبجوارها خادمهما «بركات» الذى عرف عنه ورعه, واعتبر من أولياء الله الصالحين, وأطلق على السيدة «فاطمة» اسم آخر، وهو السيدة «رقية» أو السيدة «ليلى», ويقال بين المتصوفة إنه أطلق عليها «رقية»؛ لأنها مبروكة وتشبه الرقية الشرعية, أما «ليلى» فلأن هناك ليالى بها نفحات وبركة. ويضيف «قاسم»: إن «سيدى أبو الفتح» من الأقطاب الأربعة فى ساحة المرسى أبو العباس, وإذا قرأت داخله الفاتحة وسورة يس وسورة الواقعة، وخرج الشخص على الفور سيخرج ناسيًا همّه وكربه, وسيساعده الله على تخطى ما به من أزمات, ويأتى إلى المسجد نساء كثيرات لهن طلبات مثل سرعة الإنجاب وسرعة الزواج, وفى النهاية فإن من يرى هذه الساحات التى اختلط فيها الفقهاء والعلماء وأهل الصوفية والمريدون، ومن يسبحون فى ملكوت الله بعيدًا عن الدنيا لن يسعه إلا أن ينظر لكل هؤلاء بشغف ورهبة وانبهار, فالمكان له طابع إنسانى غير عادى، اختلط فيه أهل الذكر ومراجيح الموالد وألعاب الأطفال، وحمص الشام وحَبّ العزيز والفول السودانى، والبخور والعنبر والمسك، كل هذا تحت رعاية لفظ واحد فقط «الله» جل جلاله. ورفض «قاسم» كل الدعاوى التى تطالب بهدم الأضرحة بحجة أنها شرك بالله, مؤكدًا أنها من بين دعاوى التعصب التى من الواجب مناهضتها ومواجهتها؛ لأن الأضرحة فى كل محافظات مصر وتحديدًا مدينة الإسكندرية من بين الشواهد التاريخية, وهذه الأضرحة لزهاد وعبّاد وأولياء الله الصالحين، وليست لأناس فاسقين أو فاسدين, والأولياء قدوة حسنة وطيبة للجميع، ولا يوجد فيها شرك بالله, مستشهدًا بفتوى الدكتور على جمعة - مفتى الديار المصرية السابق- الذى أفتى بجواز الصلاة فى المساجد التى يوجد بها أضرحة لأولياء الله الصالحين، ولا يوجد تعارض فى ذلك، لقول الحق فى قصة أهل الكهف «لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا».