الخيانة خلق مذموم بلا ريب في الأديان السماوية والتشريعات الوضعية؛ لأن الخيانة هي نقيض الأمانة، وهي فعل ينطوي على الغدر والجحود، ينطوي على نقض للعهد بمخالفة الحق سرا؛ حيث يقوم الخائن بأداء ما أؤتمن على أدائه بعكس ما أؤتمن لأجله دون علم صاحب الأمانة، ولا خلاف بين أهل الأرض على أنها خلق مذموم. وتتعدد صور الخيانة بتعدد المفعول به - أي بتعدد من وقع عليه فعل الخيانة - وأخس صور الخيانة هي خيانة الوطن؛ لأن من وقع عليه الفعل هنا هو الوطن، فعندما تكون الخيانة بحجم الوطن تكون الضعة والحطة والدناءة واللؤم والخسة التي تنطوي عليها نفس الخائن، ومن هنا كانت خيانة الوطن خيانة عظمى. والخائن فيه ورم سرطاني لا علاج له سوى الاستئصال، وإحدى صور الخيانة العظمى هي التخابر، والتخابر هو تبادل الأخبار بين طرفين، وهي هنا تعني إمداد دولة أجنبية بمعلومات عن بلد المتخابر بقصد الإضرار بها ودون علمها، وإحدى صورها الاستعانة بالأجنبي في أعمال عدائية ضد الوطن. فكيف تصبح الخيانة دينًا؟ عندما ينطمس معنى الوطن والوطنية في الأنفس والقلوب والعقول والوجدان فلا غرابة عندما تقع الخيانة، والوطن والوطنية والمواطنة كلمات لا معنى لها في خلق الإخوان؛ لأن الوطن عندهم ليس الأرض والمجتمع والدولة وإنما الوطن عندهم العقيدة، فلا ولاء ولا انتماء لأرض أو وطن أو مجتمع أو دولة وإنما مطلق الولاء والانتماء للعقيدة والدين دون غيرهما من مظاهر الوثنية الحديثة، وليس الانتماء والولاء للعقيدة خطأ أو خطيئة، ولكن وضع الدين في مواجهة الوطن خطأ قد يصل إلى حد الخطيئة؛ لأنه في هذه الحالة يمكن أن يعد الانتماء والولاء لأحدهما خيانة للآخر بالضرورة. وتلك كانت خطيئة الإخوان، فهم حين يتخابرون مع دولة أو جهة أجنبية لا يشعرون بالخيانة لغياب معنى الوطن، وحين يساعدون دولة أو جهة على دولتهم فهم لا يشعرون بالخيانة لغياب معنى الدولة لديهم، وحين يتنازلون عن قطعة من أرض الوطن فلا محل في ذلك للخيانة لديهم، ومن هنا كان الاتصال بحماس وحزب الله والتنسيق معهما لاختراق الحدود المصرية واقتحام السجون وحرق الأقسام ومقار أمن الدولة والمحاكم وإطلاق المساجين الذين روعوا المجتمع ليس بخيانة، وإنما استنصار بالأهل والعشيرة في سبيل نصرة العقيدة والدين والاستعانة بكتائب القسام في قنص متظاهري التحرير بهدف سكب البنزين على النار فتزداد الثورة توهجًا واشتعالًا، فتسرع من خطى سقوط النظام وتهاويه كي تسنح لهم الفرصة في إقامة قاعدة الخلافة الإسلامية، فذلك ليس بخيانة، وإنما نصرة للدين وجهاد في سبيل العقيدة. وهكذا تحولت الخيانة إلى دين يجري اعتناقه في سبيل نصرة الدين والعقيدة، وعندما يجري الرئيس المخلوع محمد مرسي أربع مكالمات تليفونية قبل خلعه بسويعات قليلة تنضح بالخيانة التي قد تصل إلى حد الفجور والعهر السياسي فإنه لم يشعر بوخزة الخيانة في ضميره إن كان له ضمير؛ لأنه يتصور أن ما يقوم به فيه إنقاذ للدين والعقيدة، حينما يطلب من مرشده إشاعة العنف والفوضى، ويطلب من الأمريكان التدخل المسلح لحماية حكمه، ويطلب من حماس المساعدة في سيناء على الإرهاب والترويع والقتل، فإنه يفعل ذلك باعتباره تقربًا إلى الله وجهادا في سبيله من أجل حماية الشريعة والمشروع الإسلامي ودولة الخلافة وليس بقصد الخيانة. فهل أصبحت الخيانة دينًا؟!. إن الخيانة هي نوع من الانحطاط الأخلاقي حتي ولو كانت لخدمة الدين، ولا مبرر لها من خلق أو دين أو عرف. وما زالت خيانة الوطن هي الخيانة العظمى التي تستوجب أشد العقاب في عدل الله وعرف الناس.