جرت العادة أن يتواجد رجل أو شاب، في الأسواق للتعامل مع الزبائن، لا سيما أسواق بيع الأسماك، لكن في محل «ملك الفسفور للمأكولات البحرية» في أحد أحياء محافظة الجيزة الأمر يختلف تمامًا، ففور وصولك إلى المكان تستقبلك فتاة في بداية عقدها الثاني مهندمة الهيئة، وتتحدث إليك بعبارات لائقة، إنها تغريد إبراهيم، الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية الخدمة الاجتماعية في جامعة حلوان، وأصغر معلمة سمك في السوق كما يطلق الباعة عليها. معاش مبكر للأب يدفعها لسوق السمك لم تكن «تغريد»، الطالبة بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان، والتي احترفت لعبة «الكيك بوكسينج» منذ عدة سنوات، تتوقع في يوم من الأيام أن تقف في هذا المكان، خلف طاولة بيع السمك، ليس هذا فقط ولكنها تنظفه بنفسها للزبائن وتطهيه بالطرق المختلفة، ولكن القدر رتب لها هذا الأمر بدون إنذار، فقد تقاعد الأب عن عمله في سن مبكر وقرر أن يفتح محلًا لبيع الأسماك، «لقيت نفسي عايزة أقف في محل والدي لبيع السمك لما فتحه وقت تقاعده بمعاش مبكر، قررت أنزل وأتعلم كل حاجة عشان أساعده في الشغل، وأكون معاه». وجه غير مألوف على سوق السمك في الأيام الأولى التي نزلت فيها تغريد إلى المحل لبيع السمك مع والدها، أو الذهاب للتجار لشراء البضاعة للمحل إذا تعذر على الأب القيام بذلك، لم تكن تعتاد بعد المشهد ولم يكن أحد أيضًا يعتاد وجودها، فكيف لطالبة جامعية وفتاة صغيرة مثلها أن تقف وتفعل ما يفعله الرجال!. تقول «تغريد» ل«فيتو»: «الناس في الأول مكنتش متقبلة وجودي، والناس تستنصح والناس ترمي كلام مش لطيف وتريقة لكن مع الوقت ده كله خف كتير وأنا اتعودت». تحملت «تغريد» الكثير من عبارات السخرية والتقليل منها والتي توحي بأن السوق والمتواجدين بل والمارة والزبائن لا يحبون أن يتعاملوا مع فتاة، حتى بعض الزبائن السيدات كن يتغامزن ويسخرن منها في بعض الأحيان. لا تزال تتذكر «تغريد» المرة الأولى التي تعرضت فيها إلى كلام لاذع أو سخرية من أحد الزبائن، لأن الكلام كان مُوجه حينها من سيدة وليس رجلا، «الستات بتتريق عليا؛ أتذكر أول مرة حد علق عليا وأنا في محل السمك كان فيه مشادة بيني وبين ست قالت لي إيه اللي مشغلك شغلة رجالة، إنتي لو كنتي قعدتي في البيت كان أي رجل عاطل لقى شغلانة مكانك». الأمر كان صعبًا في البداية ليس بسبب تعليقات المحيطين بها فقط ولكن العمل في المكان أيضًا، لكن ظلت تعليقات من حولها هي المشكلة الرئيسية حتى وقت قريب، «الموضوع في الأول كان رخم وصعب وبعد كده اتعودت عليه وبقيت أعرف أرد بطريقة كويسة». حلم تغريد.. سلسلة محال في عدد من دول الوطن العربي لم يتوقف طموح تغريد على الوقوف في هذا المحل في أحد أحياء محافظة الجيزة فحسب، ولكنها تطمح إلى أن تتوسع لتصبح مالكة لسلسلة محال لبيع الأسماك والمأكولات البحرية، ليس في مصر فقط ولكن في عدد من الدول العربية المختلفة: «طموحي أننا نوصل ويكون عندي شركة بتدير المحل ده ويكون عدد كبير من المحلات ونتوسع في الدول العربية، إحنا من دلوقتي بدأنا نسوق لمنتج جديد هينزل في السوق وعاملين مسابقات على البيدج بتاعتنا كل حد يتوقع المنتج ده هيكون إيه».
