على إيقاعات تراثية قديمة وأنغام الموسيقى الصوفية، احتشد العشرات من أبناء الصويرة المغربية لمتابعة الاحتفال الكرنفالي الصاخب الذي جاب أزقة المدينة العتيقة في احتفالية فلكلورية. وخلال المهرجان الذي انطلق الخميس الماضي واستمر 3 أيام، أدت إحدى الفرق الموسيقية الصوفية المحلية مقاطع من ألحان تراثية مغربية، ورقصت دمى عملاقة بلباس إفريقي كناوي (نسبة إلى موسيقى كناوة) على إيقاعاتها، لتضفي على أجواء المدينة طابعًا ساحرًا أعاد الجمهور إلى أجواء الحكايات والأساطير الأفريقية القديمة، فضلا عن عروض لفرق أخرى عالمية. وموسيقى كناوة، هي موسيقى دينية روحية اشتهر بها الزنوج المغاربة الذين استقدموا ألحانها وآلات العزف عليها من الموروث الشعبي الإفريقي، وكثير من إيقاعاتها تشبه موسيقى القبائل الأفريقية في مناطق جنوب الصحراء، لكنها تؤدى بكلمات عربية تدور أغلبها حول تيمات روحية ودينية. ومنذ 16 عامًا، تشهد الصويرة سنويًّا مهرجان كناوة الموسيقى الذي يعد - إلى جانب "مهرجان موازين" المقام بالعاصمة الرباط - أحد أشهر المهرجانات الموسيقية في البلاد. وقد ساهم مهرجان كناوة بشكل واسع في التعريف بمدينة الصويرة وجعلها قبلة سياحية عالمية. ويعرف المهرجان ب"موسيقى كناوة" التي يقول عشاقها إنها ظلت لعقود تعاني التهميش، وذات انتشار محلي ضيق ارتبطت بليالي التصوف التي كانت تحيا في بعض المناسبات، بل إن أهل هذا الفن كانوا يعيشون على هامش المجتمع يعانون الفقر والحاجة، رغم كون "كناوة" موسيقى تعبر عن رسالة إنسانية، إذ تروي قصة المهاجر الإفريقي ومعاناته وتعكس جزءًا من الموروث الإفريقي في الثقافة المغربية. وبينما كانت فضاءات مدينة موكادور (الاسم التاريخي لمدينة الصويرة) التاريخية تستعد لإحياء آخر سهرات المهرجان الموسيقي العالمي، تجول الكرنفال الراقص على أنغام اللحن الكناوي والموسيقى العيساوية الصوفية (موسيقى إحدى الطرق الصوفية بالمغرب)، مساء أمس الأول، في أزقة الصويرة القديمة، حيث ارتدى العازفون - وأغلبهم من مريدي إحدى الزوايا الصوفية بالمدينة - لباسا تقليديا مغربيا، وحملوا طبولهم و"البندير" (آلة موسيقية شعبية) ومزاميرهم. بينما رفع قائد الفرق الإعلام التي ترمز إلى الطريقة الصوفية، ليبدأ الجميع في دق البنادير وقرع الطبول، ليرتفع إيقاع العزف وترديد الابتهالات الصوفية، فيما تهادت الدمى العملاقة التي صنعت على شكل الراقص والمعلم الكناوي بزيه المزركش وقبعته الدائرية وآلة القراقب (آلة أفريقية شعبية) التي لا تفارق يديه. وكانت عدة فرق موسيقية للفن الكناوي قد أحيت، طوال أيام المهرجان الثلاثة، سهرات في أكثر من فضاء بمدينة الصويرة، شارك فيها إلى جانب فرق كناوة المحلية موسيقيون عالميون قدموا عروضًا حاولوا خلالها الخروج عن المألوف من خلال مزج إيقاعات الموسيقى الكناوية الأفريقية مع موسيقى الجاز، عبر العزف على آلتي "السكسفون" و"البيانو" وغيرهما من آلات الموسيقى الغربية. ويقول المشرفون على المهرجان إن إدخال هذه الأنماط الموسيقية الحديثة على موسيقى كناوة الروحية يهدف إلى تجديدها وتأكيد انفتاحها على مختلف الثقافات والأنواع الموسيقية الأخرى؛ لأن الموسيقى لا تتحدث بلغة واحدة، بل "بلغة الإنسان على اختلاف هوياته وثقافاته". ومع بداية فصل الصيف في المغرب، ينطلق عدد من المهرجانات الفنية والثقافية بمختلف المدن، تهتم في أغلبها بالموسيقى المحلية أو العالمية، وتستقطب اهتمام المغاربة، كما تثير في أحيان أخرى انتقادًا واسعًا في أوساط المواطنين، بسبب طرق تدبير تمويلها، في وقت تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة وتتزايد البطالة بين الشباب، بحسب المنتقدين لها.