" لقد كذبنا حتى صارت أعيينا دون جفون " الشاعر / كمال عمار أن نكذب بصدق، هذه هي الكارثة؟ أن تكذب وتكذب وتكذب حتى تصدق نفسك وتخلع ماضيك، وتتقمص كذبك حتى يخترق جلدك، تلك هي الدراما الإغريقية السوداء التي نعيش فيها ومعها. لقد قالوا في علم الاجتماع: أن تكرار الكذبة ألف مرة يجعلها حقيقة؟ لماذا نكذب حتى نصدق أنفسنا؟ دون افتعال أي معارك جانبية لا ضرورة لها، ولكن فكرة الكذب فوجئت بها تحاصرنى فعليًا عند قراءة أحد الكتب الأخيرة حول الصحافة الحرام، المؤلف في أول صفحة يستدل بآية كريمة من القرآن الكريم وبيت شعر ومقولة مميزة عن أن الكلمة أمانة ومن لا يحترمها فهو ينتمى إلى القبيلة السرية للقوادين، وفى الصفحة الثانية وجدت ما جعلنى أضحك لمدة ساعة كاملة، فالرجل يقول إنه تعرض إلى قطع لقمة العيش، وكانت هناك محاولات للإيقاع به عن طريق فتيات الليل، والطريف والمبكى في نفس الوقت، هو إننى أعرف هذا الرجل جيدًا وقابلته مرة واحدة ومن ثم حصلت مشكلة كبيرة للغاية لأنه تحرش بزميلة صحفية في أول مقابلة تجمعهم على انفراد، إذن الرجل " زير نساء "؟ السؤال الباكى والطريف، طالما أنت ضعيف أمام نزواتك وتلك ليست قضيتنا كيف تكتب وتصدق إنك رجل شريف، بل وتدعى العكس؟ لا يهمنا بالطبع حياته الخاصة أو صفاته الشخصية مثله مثل وزير الثقافة الجديد، ولكن يهمنا أكثر انعاكس سلوكياته السيئة في الحياة العامة، ولكن بصفة شخصية يهمنى فكرة "صناعة وإدمان وتصديق الكذب ".. إذا كان قلمك وكتابك يتحدث عن الشرف والمهنية والحق وأنت نقيض ذلك؟ فمن أين تأتى القوة الداخلية لديك للإدعاء بمنتهى القوة.. في يقينى إننا أصبحنا نكذب بصدق، ليس أكثر. ونصدق ذلك حتمًا. على نفس النمط ودون شخصنة الأمور، تجد صحفيا أو محررا لغويا في جريدة ضد مبادئه ويقينه، كيف أسهر على مراجعة الأخبار والتحقيقات التي أوقن من كذبها من وجهة نظرى وأظل محافظًا على مكانى في الجريدة وعلى معارفى لزملاء في أقصى الطرف الآخر من رؤيتى السياسية وإيمانى الخاص؟ اعرف أن لقمة العيش صعبة، وأن الأمور لا تحسب هكذا، وأن هناك اعتبارات وموائمات ولكن هناك أيضاَ حدود ومبادئ وقيم الفكرة الحائرة هنا، هي مزج الكذب بالكلمة وتلك هي كارثة الكوارث، فالكلمة أمانة سوف تحاسب عليها أمام الله، وإذا كنت تُحاسب بكل كلمة وتقبض عليها جنيهًا مصريًا أو دولارًا أمريكيًا فسوف تاخذ عليها حسنة أو سيئة في الآخرة مع كل عين تقرأ لك ومع كل عقل يقتنع بك، وهنا عبقرية الكتابة وحجم الضرر أو النفع، وحتى لا نقع في فخ من ننتقدهم، دعونا من شخصنة الأمور، وعلينا التركيز على مغزى الرسالة وأهمية الصدق في حياتنا، وبدون مواعظ مدرسية، صدقونى لا سعادة ولا نعيم مع الكذب بكافة صوره اللا متنهاية. وفى النهاية نتفق أن "تجار الكلمة " هم رؤساء القبيلة العلنية للقوادين.