من عمكم أبو طقة كبير فشارى مصر والشرق الأوسط.. أحب أقول لكم يا شعب مصر إن هناك أطرافا تعبث بالوطن وتريد تفتيتنا والانتقام منا، وكأننا لسنا منهم وكأنهم ليسوا منا، فأنا سأبلغكم يا شعبنا العزيز بما رأت عيناى أثناء إحدى جولاتى فى الصحراء التى أقوم فيها بممارسة هوايتى المفضلة وهى صيد الحيوانات المفترسة كما هو معروف عنى، فقد رأيت ما دعانى لكتابة هذا البيان مهم لكم، وسأحكى ما حدث دون كذب أو تضليل، وهذا ماعهدتمونى عليه بالتأكيد، فاسمعوا وعوا: بالأمس كنت أسير بسيارتى الجيب فى الصحراء فلمحت عينى أرنبا جبليا يأكل الأعشاب، فتوقفت بسيارتى وأمسكت ببندقية الصيد وأطلقت رصاصة واحدة أسقطته صريعا، فقمت بسلخه ولأننى كنت جوعانا جمعت بعض الحطب وأخرجت أدوات الشى من شنطة السيارة وجلست استمتع برائحة الأرنب الجبلى الضخم.. وعلى أنغام أغنية "خدنى فى حنانك خدنى" للست أم كلثوم صاحبة الصوت الصحراوى الشجى جلست ألتهم الأرنب واستمتع بصيدى الثمين.. وبينما كان طعم الشواء يسرقنى حتى عن شدو أم كلثوم سمعت فجأة صوت ذئب يغزو نغمات الموسيقى ويوقف اللحم الشهى فى "حلقى".. بسرعة قفزت إلى سيارتى والتقطت البندقية وانتظرت ظهور الصيد الثمين.. إلا أنه أخذ يرسل لى صوته وكأنه ينذر السامعين بقدوم ملك الصحراء ليأخذوا حذرهم. لا يعرف هذا الذئب اللعين أن "أبو طقة" هو ملك الصحراء والمعمورة معا.. أكثر من ربع ساعة مضت حتى لاح لى الذئب قادما من هناك.. ثم توقف فجأة ليعلن عن وجوده بالعواء الرهيب الذى يشتهر به.. وأخذ ينظر يمينا ويسارا وكأنه يبحث عن صيد يتناوله فى وجبة الغداء.. كانت الشمس تعلن عن غروبها لكنها تضئ الصحراء ببقايا أشعتها التى كانت تجعل أعين الذئب أكثر لمعانا وتحجب عنه رؤية السيارة. فجأة انطلق الذئب يهرول يمينا ويسارا ثم توقف فجأة مصوبا نظره تجاهى.. فما كان منى إلا أن صوبت بندقيتى نحوه وأطلقت رصاصة تعلن عن العد التنازلى لحياته إذا تجرأ وهجم على سيده أبو طقة.. يبدو أن الرسالة قد وصلت للذئب الضخم.. فتفادى الرصاصة بالقفز مسرعا داخل الصحراء.. خرجت من السيارة مصطحبا بندقيتى هذه المرة.. وجلست لأتناول باقى الأرنب اللذيذ.. لكن دون صوت أم كلثوم تحسبا لعودة الذئب.. فقد اعتدت على لؤم الذئاب الذى لا يجدى معى دائما. انتهيت من وجبتى اللذيذة ثم أشعلت سيجارة وترجلت ناحية السيارة كى أكمل رحلة الصيد.. وبينما كنت أفتح باب السيارة فإذا بى أسمع عواء الذئب الذى ظهر خلسة من خلف التلال معلنا الهجوم ومسرعا نحوى.. وبسرعة ألقيت بنفسى داخل السيارة وأغلقت بابها قبل أن يقفز عليه ويتشبث به.. انطلقت بالسيارة لأسقطه ثم استدرت نحوه لأدهسه بعجلاتها إلا أنه أراد استعراض سرعته أمام السيارة.. وكلما اقتربت من اللحاق به يغير اتجاهه.. تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار.. ولم يعطنى فرصة لالتقاط البندقية كى أقضى عليه.. وطالت المطاردة أملا فى أن أدهسه بعجلات سيارتى وأقدم فراءه هدية ثمينة لزميلتى "سطوطة الفنجرى" فى عيد ميلادها إلا أنه قد أخذنى بعيدا حتى أدركت أنه يعبر طريقا مرصوفا يقتسم الصحراء.. أدركت أنه طريق "القاهرة – أسوان" الصحراوى.. فتوقفت وجذبت بندقيتى وترجلت أشعل سيجارتى وأرقبه من بعيد.. يبدو أن الذئب كان أكثر عنادا منى فقرر العودة لينتقم من الإنسان الذى جعله يهرول أمامه كما تهرول الأغنام أمام ذئب أقل منه ضراوة وإقداما وبنيانا.. لكن يبدو أنه قال لنفسه إن هذا الرجل لا يساوى شيئا طالما أنه قد ترك السيارة وأصبح مترجلا.. وبالفعل هرول الذئب نحوى بسرعة شديدة لكنها لم تكن أسرع من رصاصتى التى أطلقتها نحوه فأردته أرضا.. ثم وقف مرة أخرى يترنح وكأنه يقول لى ليس بهذه السهولة ستنتهى معركتك مع ملك الصحراء.. لكننى ظللت انظر إليه وكأننى أقرأ ما تقوله نظراته.. وفى نفس الوقت أتشفى فيه واستمتع بمشاهدة آثار انتصارى فى عينيه.. توقف الذئب فجأة على بعد أمتار منى ليعلن انكساره.. فقررت أن أطلق عليه رصاصة الرحمة.. ثم أخرجت مجموعة السكاكين وبدأت سلخ الفراء لأقدمه للزميلة "سطوطة الفنجرى" فى عيد ميلادها.. ركبت سيارتى لأعود مكتفيا بالصيد الثمين.. وقبل أن أستدير لاحظت سيارة تنحدر عن الطريق المرصوف وتدخل رويدا رويدا باتجاه الصحراء.. وعلى بعد كيلومتر عن طريق "القاهرة – أسوان" المرصوف تتوقف لينزل منها رجلان يبدءان فى حفر الرمال ويضعان فيها شيئا ما.. ثم يعودا إلى سيارتهما ويرحلان.. انتظرت حتى عادت السيارة للطريق المرصوف وأخذت اتجاهها نحو القاهرة.. ونظرت للافتة على الطريق.. فعرفت أن الذئب اللعين قد أخذنى حتى صحراء بنى سويف.. وأننى قطعت مسافة كبيرة داخل الصحراء.. المهم أن فضولى لم يتركنى أعود إلا بعد أن اقتربت من المكان الذى كان يقف فيه الرجلان.. وعند آثار الحفرة توقفت وبدأت أزيح الرمال رويدا رويد حتى رأيت ما أدهشنى.. ماذا رأيت؟! رأيت كميات من تذاكر القطارات المتجهة من محافظات الصعيد للقاهرة والعكس تصل للآلاف قد قام الرجلان بدفنها.. ظننت أنها تذاكر منتهية الصلاحية.. إلا أننى اكتشفت عكس ذلك عندما تفحصت العديد منها.. فكلها بتواريخ 27 و28 و29 و30 يونيو الجارى، وكأن الفاعل أراد أن يعطل السفر من وإلى القاهرة خلال هذه الأيام.. لملمت العديد من تلك التذاكر واحتفظت بها داخل سيارتى ثم انطلقت عائدا إلى حيث مكتبى بدرب الفشارين.. طلبت فنجان القهوة وطلبت من الساعى إغلاق الباب وعدم إدخال أى أحد.. وبدأت أتفحص التذاكر من جديد وعقلى يعمل بشدة ليصل إلى تحليل مناسب لتلك الواقعة.. إلا أنه لم يجد تبريرا سوى أن من قام بهذا الفعل يريد أن يخفى التذاكر حتى لا يتمكن الناس من السفر فى تلك الأيام بالذات.. وخاصة عندما قمت بربط الواقعة بأحداث مظاهرات حملة "تمرد" المنتظرة.. لكن يتردد سؤال آخر وهو الأهم من وجهة نظرى.. من هو صاحب المصلحة فى ذلك؟! وهل دفع ثمن هذه التذاكر لهيئة السكة الحديد أم أن الهيئة قد تواطأت معه لوجود مصلحة مشتركة؟! طلبت فنجانا آخر من القهوة وظلت رأسى تدور حتى آخر رشفة من الفنجان.. فوجدتنى أطلب خيرت الشاطر هاتفيا، وأقول له: على فكرة الأمانة وصلت يا عم خيرت! قال: أمانة إيه يا عم أبو طقة؟! قلت: التى تم دفنها فى الصحراء يا عمنا! قال: هات من الآخر يا أبو طقة بيه علشان أنا اليومين دول مش طايق مرسى!! قلت: مرسى دا حبيبك والإستبن بتاعك يا باشمهندس! قال: مرسى هو غلطة عمرى يا عم أبو طقة! قلت: طب ارمى عليه يمين الطلاق واخلص! قال: يا ريت ينفع يا عمنا.. خلاص الفاس وقعت فى الرأس ولازم نطلع من أم المأزق اللى حطنا فيه.. وبعد ذلك يكون فى الأمور أمور! قلت: طبعا تقصد مأزق تمرد يا هندسة.. والله أنا خايف العيال يجيبوكم مربوطين بالحبال يوم 30! قال: هو إنت معانا ولا علينا يا أبو طقة؟! قلت: أنا مع الكسبان يا هندسة.. وانتم ليس لكم كلمة ولا عهد كى أخوض من أجلكم حربا! قال: إذن كن على الحياد.. ويا نحلة لا تقرصينى ولا عايز عسل منك! قلت: لكنك لم تجب على سؤالى يا هندسة! قال: أنت لم تسأل عن شيء يا عمنا! قلت: إيه حكاية التذاكر المدفونة فى الصحراء دى يا هندسة؟! قال: تذاكر إيه يا راجل يا مجنون إنت؟! قلت: تذاكر قطارات سكة حديد من القاهرة للصعيد والعكس! قال: هاقفل فى وشك السكة لو لم تكف عن هذا الهذيان! قلت: بدون تفاصيل هاخد مليون جنيه وألم الليلة أفضل من الفضايح.. قال: نص مليون ما فيش غيره.. لكن بعدما تحكى لى كيف عرفت هذا؟! رويت له ما حدث.. فقال لى: غدا سيكون عندك المبلغ عقب صلاة المغرب.. بشرط أن تعتبر نفسك لم تر شيئا قط! قلت: اتفقنا.. لكن أريد أن أعرف ما هو السر وراء دفن كل تلك التذاكر؟! قال: اشترينا كل تذاكر القطارات القادمة للقاهرة كى نحد من عدد الشباب النازح من المحافظات، واشترينا كل تذاكر العودة للمحافظات حتى يظل شباب الإسلاميين الذين جاءوا لجمعة "نبذ العنف" الماضية هنا.. ولا يتركوا القاهرة لنستعين بهم فى الحشد ضد تمرد! قلت: لكن هذه كمية كبيرة من التذاكر.. فمن الذى دفع ثمنها أم أن هيئة السكة الحديد تتعاون مع الإخوان ضد الشعب؟! قال: سأنتظرك غدا كى تحصل على النصف مليون.. ياللا باى! فرحت بالمبلغ.. وظللت ساهرا طوال الليل.. وفى اليوم التالى ذهبت لمكتب الشاطر ليقولوا لى أنه غير موجود لكنه ترك لك رسالة كى نبلغها لك! قلت: وما هى تلك الرسالة؟! فقال لى أحدهم: الباشمهندس يقول لك "أمك فى العش واللا طارت؟" وهنا فهمت أن الشاطر باعنى كالعادة.. فانطلقت بسيارتى إلى مكان التذاكر فلم أجدها فرجعت مكتبى لأكتب لكم هذا البيان المهم.. الشاطر اشترى تذاكر القطارات المتجهة للقاهرة بملايين الجنيهات كى يخذل "تمرد" ويظهرها ضعيفة أمام العالم، ويهجم عليهم أتباعه من الإسلاميين الذين شاركوا فى جمعة نبذ العنف فاحذروهم!