الحرب في سوريا، بدأت من قبل السكان المحليين، والآن تحولت إلى صراع إقليمي.. على أحد الجانبين، تقف الكتلة الشيعية الراديكالية بقيادة إيران، التي تخترق العراق لدعم بشار الأسد ويرسل حزب الله للقتال معه.. وتقف وراءهم روسيا، التي تتمركز سفنها البحرية، وزودت النظام بأطنان من الأسلحة وأعلنت أن سوريا تحت الوصاية الروسية. وعلى الجانب الآخر دول الخليج السنية المرعوبة من الهيمنة الإيرانية (الإقليمية وقريبا النووية)؛ وتركيا غير العربية التي تنتفض الآن بسبب الانتفاضة الداخلية؛ والأردن الهش، تورطوا جميعها في الحرب السورية بحكم مواقعهم الجغرافية. ومن يقف وراءهم؟ لا أحد. إنها الحرب الأهلية الإسبانية باستثناء أن طرفا واحدا فقط "الفاشيين" قد حضر.. كان الحليف الطبيعي لما بدأ كانتفاضة عفوية علمانية تحررية في سوريا هو الولاياتالمتحدة.. ولمدة عامين، لم تفعل شيئا. وكانت حجة الرئيس أوباما الأسلحة الكيميائية أو الخط الأحمر.. في الصراع تطلب "فن الحكم" الخطير، اختار أوباما ممارسة الطب الشرعي بدلا من ذلك. أوباما تحدث عن "الإجراءات القانونية" في حين أن إيرانوروسيا وصلتا إلى حد الهيمنة الإقليمية – ورسخ آيات الله "الهلال الشيعي"، وفلاديمير بوتين اغتنم الفرصة لطرد أمريكا باعتبارها القوة المهيمنة الإقليمية، وهو موقع حققته الولاياتالمتحدة قبل أربعة عقود في عهد هنري كيسنجر. وعندما اضطر في النهاية للاعتراف بأن خطه الأحمر قد تم تجاوزه، أوباما الشجاع أطلق تحذيرات شديدة - فماذا فعل؟ وعد المتمردين بالأسلحة الصغيرة والذخيرة. أهذا كل شيء؟ إنه كلام فارغ، إن المتمردين يتلقون بالفعل الأسلحة الصغيرة من دول الخليج. ومما يزيد من الفتور، أحال أوباما حساباته إلى نائب مستشار الأمن القومي.. وتذكروا أنه "نائب".. أعطى أوباما عشرات الخطب عن إصلاح الرعاية الصحية.. فكم خطاب كان على الحرب في سوريا، والتي قد تتورط فيها الآن الولاياتالمتحدة رغم عدم جدوى ذلك؟ صفر. إن السياسات الخطيرة تملي علينا إما أن نفعل شيئا من شأنه تغيير مجرى الحرب، أو لا نفعل شيئا.. بدلا من ذلك، اختار أوباما أن يفعل ما يكفي ليظهر وكأنه يفعل شيئا. ولكن الوضع يزداد سوءا.. على الرغم من حرصه على التقاعس عن العمل الصامد، اضطر أوباما نظرا للظروف إلى إرسال طائرات إف 16 وصواريخ باتريوت والفرقة المدرعة 1 بوحدة المقر (ما يشير إلى احتمال إعداد "قوة أكبر" حسب ما أوضحت صحيفة واشنطن بوست) - إلى الأردن، أكثر حلفاء أمريكا قربا بحاجة إلى حماية.. إنه مهدد ليس فقط من خلال طوفان من اللاجئين ولكن أيضا من صعود الكتلة الشيعية الراديكالية الإيرانية في ظل طموحات أبعد من سوريا، لتشمل الأردن ولبنان وحتى اليمن حيث تسلح إيران وتدرب الانفصاليين. وهكذا أجبر أوباما للعودة مرة أخرى إلى فراغ خلقه بنفسه - ولكن في وضع غير متميز.. نحن نتدافع الآن لنحقق معا نوعا من التواجد في الأردن كثقل دفاعي لكتلة إيران وحزب الله وروسيا. المأساة هي أنه كان لدينا بالفعل ثقل وأوباما رمى به بعيدا.. لا يزال أوباما يعتقد أن الانسحاب الكلي من العراق هو انتصار للسياسة الخارجية.. في الواقع، هذا ينم عن عجز أو عدم رغبة للتفاوض على اتفاقية للإبقاء على قوات من شأنها أن تخلف وراءها قوة صغيرة ولكنها قوية في العراق هو بالضبط ما يدفعه اليوم لإعادة إنشاء تواجد باهت في الأردن. مهما كانت الحكمة من وراء حرب العراق، عندما جاء أوباما إلى السلطة في يناير 2009 تم الانتصار في الحرب.. وكان تنظيم القاعدة في العراق تم إخراجها.. وكانت حكومة نوري المالكي -الشيعية - هزمت الصدريين الشيعة المتطرفين من البصرة وعلى طول الطريق من الشمال إلى بغداد.. وكانت الخسائر في زمن الحرب منخفضة والحرب الأهلية كانت قد انتهت. كانت لدينا فرصة ذهبية لجني ثمار هذه الحرب الدموية من خلال إنشاء علاقة استراتيجية مع العراق التي كانت لا تزال تحت سيطرة الأمريكية.. الأجواء العراقية، على سبيل المثال، كانت تحت سيطرة الولاياتالمتحدة ونحن على استعداد لتقديم المشورة وإعادة بناء القوات الجوية العراقية غير الموجودة. مع انسحابنا فإن اليوم الأجواء العراقية أصبحت تتبع فعليا إيران حيث فوقها يتم نقل الأسلحة والجنود والمستشارين لتحويل دفة الأمور في سوريا.. تم التخلي عن جميع القواعد الجوية الأمريكية، والمعدات العسكرية الهائلة ومصادر المعلومات الاستخبارية المتوفرة في العراق دون مقابل.. والآن نحن نحاول الاستمرار من خلال خط الأردن. أوباما يستوعب الدرس متأخرا، بالنسبة لدولة عظمى، التقاعس هو شكل من أشكال الفعل.. يمكنك التنازل عن الحكم، ولكن لا يمكنك حقا الاختباء.. التاريخ سوف يجدك وقد وجدك الآن أوباما. نقلا عن "واشنطن بوست".