سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عدم فرض حظر جوي يطيح بمكاسب المعارضة السورية.. واشنطن لا تريد الدخول في مواجهة مع روسيا وإيران لصالح السوريين.. ومؤشرات النصر لصالح قوات "الأسد" وميليشيات حزب الله
أطاح التراجع الأمريكى - الأوربي عن خيار فرض منطقة حظر جوي على سوريا، بمكاسب كان يمكن أن تغير المعادلة على الأرض بعد قرار إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتسليح المعارضة السورية، وذلك في ظل تصاعد حدة المعارك بين جيش بشار الرئيس السورى المدعوم بميليشيات حزب الله وقوات المعارضة. وعلى الرغم من أهمية قرار تسليح المعارضة السورية، إلا أن عدم التحديد الذي شاب القرار الأمريكى، يعنى عدم التأكيد على تأمين تسليح كاف لقوات مشتتة لا تحظى بالتدريب الكافى في وقت تواجه أشد عمليات القصف بالأسلحة الثقيلة، ناهيك عن العمليات التدميرية التي تبدو في غالبها انتقامية بعد أن دخلت الطائفية على خط الأزمة بشكل صريح. وتستعد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) لنقل أسلحة للمجموعات المسلحة السورية من خلال قواعد سرية في تركيا والأردن بعد أن جرى خلال العام الماضي توسيع هذه القواعد في مسعى لإقامة طرق إمدادات جيدة إلى سوريا للمواد غير القتالية. ومن المتوقع أن تبدأ القواعد في نقل شحنات محدودة من الأسلحة والذخيرة في غضون أسابيع، مما يشير إلى تكثيف التدخل الأمريكي في حرب أهلية شهدت مؤخرا تحولا في الزخم لصالح قوات بشار الأسد. ومن خلال مراقبة الوقائع على الأرض وموازين القوى بين النظام السورى ومعارضية يمكن أن ندرك صعوبة تحقيق أي نصر حقيقى لقوى المعارضة المسلحة، أو حتى الإحتفاظ بالأرض التي يسيطرون عليها دون وجود غطاء جوي. فقد عمدت قوات الأسد خلال الفترة الماضية على ترك مساحات من المدن والبلدات غير محمية، لتتمكن قوات المعارضة من دخولها والسيطرة عليها بسهولة، إلا أنه سرعان ما تنفذ المدفعية والطائرات عمليات قصف عنيفة تطيح بمكاسب المعارضة وتفقدها الأراضى التي سيطرت عليها لبعض الوقت. إلا أن ما جرى في معركة القصير أدى إلى دق أجراس الإنذار للقوى الدولية التي تقف في صف المعارضة، بأن قوات الأسد التي تدعمها ميليشيا حزب الله ومجموعات مسلحة عراقية وإيرانية يمكنها السيطرة على مفاصل إستراتيجية تتيح تغيير المعادلة برمتها، وذلك بعد أن تمكنت قوات المعارضة من كسب الكثير من الأرض والسيطرة على عدد كبير من المعابر والمدن والبلدات السورية. وفيما يبدو لجوء الإدارة الأمريكية إلى تسليح المعارضة السورية مجرد ذر للرماد في العيون، إلا أن هذا القرار ربما يدعو الإدارة الروسية إلى تقديم المزيد من الدعم العسكري لحليفها في سوريا، خاصة مع إصرار وزير الخارجية سيرجي لافروف على إبلاغ نظيره الأمريكي جون كيري بأن زيادة الدعم العسكري الأمريكي للقوات المعارضة لبشار الأسد قد تؤدي إلى تصاعد حدة العنف في الشرق الأوسط. ويبدو أن الوقت المناسب لم يأت بعد ليدرك الرئيس الأمريكي أن الحرب في سوريا تهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة من معاركها ضد تنظيم القاعدة وحتى أمن إسرائيل، لذا فالتدخل الأمريكي غير الحاسم من شأنه أن يزيد من تكلفة تحقيق الهدف النهائي كما حدث من خلال التأخير في تسليح المعارضة. ووفقا لتقديرات عسكرية فإنه مهما بلغت قوة تسليح المعارضة السورية، فإن عدم فرض حظر جوى مثل الذي نفذته أمريكا إبان أزمة العراق واستمر أكثر من 10 سنوات، فإنه لا طائل من تكثيف نشر الأسلحة بيد قوات المعارضة، خاصة في ظل وجود مجموعات منفلتة تعمل على الأرض السورية. ويطرح السؤال نفسه حول أسباب عدم إمكانية إعادة إنتاج السيناريو العراقى في حقبة التسعينات، والذي أمكن من خلاله فرض حظر جوي على مناطق الأكراد في الشمال ومناطق الشيعة بالجنوب، حيث أكد نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي بن رودس أن إقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا سيكون أمرا صعبا ومكلفا. وبرر المسئول الأمريكى ذلك قائلا "إن قوات النظام وقوات المعارضة متشابكة وفي بعض الحالات تتقاتل من منزل إلى منزل في المدن.. وهذه ليست مشكلة يمكن حلها من الجو". وتبدو الأوضاع مختلفة كثيرا في سوريا عنها في العراق إبان فترة التسعينات وما تلاها من غزو أمريكى عام 2003 أطاح بنظام صدام حسين، حيث يمكننا القول أن الجيش الأمريكي إذا كان قد وضع بالفعل خطة للتدخل العسكري في سوريا، فإن أسباب تنفيذها غير متوافرة، كما أن هذه الخطة التي يجب أن تبدأ بفرض حظر جوي لن تتم لأن هذا الحظر يتطلب جملة من المعطيات لا تزال شروطها معدومة حتى الآن. كما أن الظروف الدولية المحيطة تدعم خيارات بقاء نظام بشار الأسد، خاصة في ظل عدم القدرة الأمريكية على خوض حرب جديدة بعد تجربتها القاسية بالعراق، كما أن وجود إيرانوروسيا في المعسكر المناصر لبشار الأسد يحول دون إعادة ترتيب أوراق المنطقة بدون رضا الدولتين القويتين. فروسيا بوتين ليست روسيا التي تركت أمريكا تمارس كل أساليب القهر ضد نظام صدام حسين، فالدب الروسى إستعاد قوته وأصبح له أنياب أتاحت نشر السفن والبوارج العسكرية في المنطقة وقبالة الساحل السوري. فيما تملك إيران كل أوراق اللعب التي إكتوت أمريكا بنيرانها في العراق، ولهذا تقف أمريكا في موقع المناور، حيث تحاول الإيهام بقدرتها على تغيير أرقام معادلة القوة على الأرض لإيجاد نوع من التوازن الاستراتيجي لاستخدامه في حلقات التفاوض الحالية أو المستقبلية حول ترتيب أوضاع المنطقة. وفى ظل ازدياد تشابك أوراق اللعبة السورية، وارتفاع سقف المطالب لأصحاب المصالح من القوى الكبرى المتحكمة في الأرض يبقى سيناريو الأحداث مفتوحا على كافة الإحتمالات التي تصب كلها في خانة إشعال المنطقة، ويبقى فقط استخدام الفتيل المناسب لهذا الاشتعال.