سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"4 خيارات ومجموعة أفكار محورية.. رؤية الباحث أشرف كشك لمعالجة أزمة المياه".. البعد عن الإثارة مطلوب والخيار العسكري يعرض الجميع للظمأ.. تشكيل لجنة مشتركة لإدارة سد النهضة مقرها أديس أبابا
باتت قضية مياه النيل من أهم القضايا الاستراتيجية والأمنية التي لا تشغل فقط المسئولين الرسميين، بل تشغل بالقدر ذاته الرأي العام المصري خاصة والعربي على وجه العموم. ولذا تتدافع وتتسابق الرؤى والأفكار والأطروحات من قبل الأفراد والمؤسسات المصرية الرسمية وغير الرسمية والشعبية من أجل التوصل إلى حلول واقعية وفعلية لأزمة مياه النيل على خلفية سد النهضة الأثيوبي وما أثُير من تداعيات وآثار سلبية على مستقبل الأمن المائي المصري. وفي هذا السياق يمكن طرح رؤية مصرية من مستويين للتعامل مع الأزمة، المستوى الأول ويتضمن الخيارات المصرية المطروحة للتعامل ليس مع إثيوبيا فحسب، بل مع دول حوض النيل، أما المستوى الثاني فيتمثل في الخيارات الوطنية الداخلية الخالصة للتعامل مع الأزمة/المشكلة على الأمد البعيد مع قضية المياه بشكل عام. وفي هذا السياق تتعدد الدراسات الأكاديمية التي تناولت قضية الأمن المائي المصري، ومن هذه الدراسات تلك التي أعدها الباحث أشرف كشك والتي قدم لها الأستاذ الدكتور محمود أبوزيد وزير الموارد المائية والري الأسبق، والتي جاءت بعنوان: السياسة المائية المصرية تجاه دول حوض النيل.، حيث عالجت هذه الدراسة القضية/الأزمة من منطلق واقعي ومنهجي. "4 خيارات" وبالنسبة للخيارات المصرية المطروحة إزاء التعامل مع دول حوض النيل بصفة عامة، ومع إثيوبيا ومشروعاتها المائية على مجرى نهر النيل بصفة خاصة، طرحت الدراسة الخيارات الأربعة التالية:
أولًا: الخيار القانوني: ارتكزت الساسة المصرية في تعاملها مع قضية مياه النيل على الاتفاقيات القانونية التي تحدد نصيبها من المياه والتي تقدر سنويًا ب 55.5 مليار متر مكعب من المياه، فضلًا عن تحديد الأطر التي يجري من خلالها الوصول إلى اتفاق على أي مشاريع مستقبلية بشأن تطوير النهر في أي من الدول، بحيث لا يتم تنفيذ هذه المشاريع دون موافقتها الصريحة. وثمة أمثلة واضحة في هذا الطرح، منها تشاور إثيوبيا مع دولتي المصب (مصر والسودان) عام 1996 قبل بناء عدد من السدود الإثيوبية بتمويل البنك الدولي، وهو ما اعترضت عليه مصر حينذاك. وفي حالة سد النهضة الإثيوبي فقد اتضح أنه لم يتم التشاور مع مصر والسودان هذه المرة، ومن هنا فمن حق مصر اللجوء إلى هذا الخيار، خاصة أن هناك اتفاقيات ل 300 نهر مشترك في أنحاء العالم عقدت جميعها في القرنين التاسع عشر والعشرين ومعظمها تم توقيعه إبان فترات الاستعمار مثلما حدث بالنسبة لنهر النيل. ثانيًا: الخيار التعاوني: وفي هذا الشأن أبدت القيادة السياسية المصرية انحيازها الواضح لذلك الخيار، مستندة في ذلك إلى أن موافقة إثيوبيا على إنشاء وحدة للإشراف على الدراسات الخاصة بمشروعات النيل الشرقي ضمن مبادرة حوض النيل يكون مقرها أديس أبابا ويتناوب رئاستها مصر والسودان وإثيوبيا، فضلًا عن الاتفاق مع إثيوبيا عام 1993 الذي يعتبر ضمن اتفاقيات مياه النيل ويدعم الموقف المصري في الحفاظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل. بيد أن المشكلة التي تراكمت على مدى السنين خلال الفترة السابقة هي ضعف الإرادة السياسية اللازمة لتحويل خطط التعاون الفني إلى واقع ملموس، وذلك لوجود الصراعات الإقليمية والداخلية وحالة عدم الاستقرار السياسي التي شهدتها القارة الأفريقية. ويتضمن هذا الخيار رؤية فحواها أن التعاون بين مصر ودول حوض النيل هو سلاح ذو حدين بالنسبة لمصر، فمن ناحية يتيح لمصر أن تستفيد من المشاريع المشتركة، ومن ناحية أخرى تعترف بمطالب الدول الأخرى، وثمة عوامل تجعل من حل الصراع بين دول حوض النيل على المياه أمرًا ممكنًا بصورة تعاونية وهي: إمكانية زيادة إجمالي واردات المياه، الوعي بأهمية الاعتماد المتبادل، تنويع مصادر الطاقة التي يمكن أن توازن بعضها البعض، الميراث الممتد من المبادرات القائمة على حل النزاع وبناء الثقة، المعايير الدولية التي تنظم صراعات المياه، وتعترف بكل المطالب الجوهرية لكل الدول المتشاطئة وإن لم تكن غير ملزمة بعد، والفاعلون الخارجيون المهتمون بحل الصراع بصورة بناءة. وتوفير الحوافز للتعاون بين الدول المتشاطئة. ثالثًا: خيار البعد عن الإثارة: نظرًا لتشابك ملف المياه وأهميته بالنسبة لمصر، فإن التصعيد ربما يؤدي إلى تشدد الطرف الآخر، ولعل هذا الخيار بدا واضحًا في الرؤية المصرية في التعامل مع أزمة سد النهضة الإثيوبي. رابعًا: الخيار العسكري: على الرغم من إقرار فقهاء القانون الدولي العديد من القواعد القانونية لإدارة الموارد المائية الدولية، إبان وقت السلم، فإن حماية تلك الموارد خلال النزاعات المسلحة أمر لم يحظ بأهمية مماثلة، وبالتالي فإن حدوث نزاعات مسلحة حول المياه من شأنها أن تعرض الشعوب إلى نوع من الظمأ يكون أشد فتكًا من الأسلحة التقليدية. وبالنسبة لسد النهضة الإثيوبي، فإنه يعد محاولة من جانب إثيوبيا لتهديد نصيب مصر السنوي من المياه، وهو ما يمثل عملًا يمس الأمن القومي المصري مسًا مباشرًا ويعرضه للخطر، ومن ثم فإن البديل العسكري سوف يكون ضمن خيارات التعامل مع السد الأزمة، إن لم يكن في مقدمتها، وعبرت تصريحات المسئولين المصريين عن هذا صراحة. ناهيك عن ممارسة السياسة المصرية لكل أنواع الضغوط الدبلوماسية على الدول الممولة لبناء هذا السد الأزمة. "أفكار محورية" أما المستوى الثاني من التعامل مع السد الأزمة، يتمثل في عدة مقترحات أو الخيارات الوطنية الداخلية الخالصة للتعامل مع قضية المياه بشكل عام على الأمد البعيد، وذلك من خلال الأطروحات التالية: أولًا: ضرورة تشكيل لجنة عليا لأزمة السد: مع التسليم بأهمية مؤسسات صنع وإدارة المياه، كما أنه لا تزال هناك حاجة ملحة لمؤسسة عليا تضم في عضويتها خبراء مصر في مجالات الموارد المائية والري، والسدود، والكهرباء والطاقة، والتحكيم الدولي، إلى جانب ممثلين لأجهزة الدولة المعنية بالأزمة بشكل مباشر وهي وزارتا الموارد المائية والخارجية وجهازا المخابرات العامة والمخابرات الحربية. ومن هنا تكمن أهمية إنشاء مجلس أعلى للسياسات المائية على غرار المجلس الوطني للإعلام المزمع إنشاؤه، يكون هذا المجلس مسئولًا عن ملف الأزمة بكامله ومخول بوضع الخطط اللازمة لحماية حقوق مصر ومصالحها على أسس موضوعية وعلمية وليست سياسية، وأنه لا جدوى من لجنة يكون دورها استشاريًا بالأساس. ثانيًا: ضرورة إيجاد ثقافة مائية في المجتمع المصري وذلك بهدف المزيد من ترشيد المياه، والتأكيد على أن مصر سوف تدخل دائرة الفقر المائي، إذا ماستمرت الأوضاع الراهنة من تزايد الإفراط في استخدام المياه، وأن الأمن المائي المصري بات مهددًا بالخطر. ثالثًا: أهمية البعد عن الإثارة الإعلامية في معالجة قضايا المياه، فالأمثل أن يتم بحث الخلافات من خلال اللجان المشتركة سواء الثنائية أو الجماعية بين دول حوض النيل. رابعًا: ضرورة وحتمية إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول حوض النيل، سواء من خلال تفعيل الآليات القائمة، أو استحداث آليات جديدة. خامسًا: إعادة النظر في سياسة مصر الخارجية تجاه الدائرة الأفريقية، بحيث تصبح أولًا في مقدمة دوائر السياسة الخارجية المصرية لارتباطها الوثيق بأمن مصر القومي، فضلًا عن التمييز داخل هذه الدائرة فتكون الأولوية لدول حوض النيل أو الدول المتشاطئة فيه. سادسًا: أهمية قيام مصر بدور فعال في المرحلة القادمة في حل النزاعات السياسية في دول حوض النيل، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي داخل المنظمات المعنية، والوقوف في صف قضايا دول حوض النيل في المحافل الدولية. سابعًا: ضرورة تفعيل العلاقات الإعلامية والتعليمية والثقافية بين مصر ودول حوض النيل ومن ذلك زيادة عدد المنح للطلاب الأفارقة في مصر فضلًا عن إمكانية إنشاء (كلية لمياه النيل) داخل الأراضي المصرية، وقد بدا ذلك واضحًا كذلك في تصريحات المسئولين بمصر مؤخرًا. ثامنًا: ضرورة إنشاء وزارة خاصة بمياه النيل، تكون مهمتها متابعة دقيقة لكل ما يصدر من دراسات وتقارير حول المشروعات الآنية والمستقبلية لدول حوض النيل على ممر نهر النيل من المنبع حتى المصب، ووضع استراتيجية للوجود المصري الفعال في هذه الدول على المستويات الاقتصادية والإعلامية. تاسعًا: ضرورة متابعة والاطلاع على كل ما يصدره البنك الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى بشأن مفاهيم خصخصة وتسعير المياه وبورصات المياه، حتى يتم التحسب لأي تطورات بشأن مستقبل الأمن المائي في مصر.