في روايته "نساء الكرنتينا"، الصادرة حديثا عن دار "ميريت"، يعيد الروائي والقاص نائل الطوخي إنتاج "أسطورة" ريا وسكينة عبر أجيال عدة لأسرتين تعيشان في الإسكندرية وتعيثان في الأرض قتلا بطريقة المافيا القائمة على أنه ما من حل أفضل من البتر، حتى عند مواجهة خصومات تافهة، سواء كانت بين أفراد تلك المافيا أنفسهم، أو بينهم وبين أشخاص وضعتهم الأقدار في محيطهم الملتهب، وفي النهاية يتبادلون لعبة البتر نفسها مع السلطة الحاكمة ممثلة في الشرطة، قفزا فوق اعتبارات التحضر والمدنية، وانتصارا لقوانين الغابة وما قبل نشوء الدول. هذه زاوية نظر صالحة لقراءة تلك الرواية التي تضم 364 صفحة وتدور أحداثها في نحو نصف قرن بعد ثورة 25 يناير 2011، وساحتها هي مدينة الإسكندرية التي شهدت واحدة من أهم شرارات تلك الثورة، وهي مقتل الناشط خالد سعيد على يد عناصر من الشرطة بعد تعذيبه بوحشية، وبما يؤكد آلية البتر السلطوية، التي يريد أن يقول نائل الطوخي، إنها لم تتغير ولن تتغير عبر النهاية المفجعة للرواية، والمفتوحة في آن على احتمالات التكرر إلى ما لا نهاية. يسرد نائل الطوخي روايته التي لا تصلح زاوية النظر تلك وحدها للتعامل معها، على طريقة الأفلام الكرتونية التي تزخر بكم هائل من اللا معقول، أو المبالغ فيه، ولكن بقليل من التأمل، نجد أن هذا هو الواقع للأسف.. واقع الأوضاع التي تزداد تردياً حتى بعد ثورة عارمة قدمت شهداء بالآلاف من دون أن يترتب عليها تحسن يذكر في أحوال "الغلابة" الذين تناصبهم السلطة العداء ومعها حلفاؤها من رموز الرأسمالية الجشعة. تبدأ الرواية وتنتهي عند حدثها المركزي، وهو تدمير "الكرنتينا" وشبيهتها "الكربنتينا"، في 28 مارس 2064 بعدما آلت الزعامة فيهما إلى حفنة من النساء كن يمارسن القتل والدعارة وتجارة المخدرات والسلاح، بمساعدة رجال أفاقين، على غرار ما شهدته الإسكندرية من قبل في زمن غابر، وصنع أسطورة "ريا وسكينة"، وعلى غرار ما وقع أيضاً حديثاً في فضاء "عشوائي" على أطراف المدينة نفسها كان يسمى كذلك "الكرنتينا". ونائل الطوخي المولود في 1978 صدر له من قبل مجموعة قصصية بعنوان "تغيرات فنية" عن المجلس العلى للثقافة عام 2004، وروايتان عن دار "ميريت"، الأولى "ليلى أنطون" عام 2006 والثانية "بابل مفتاح العالم" عام 2009.