سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الجهاديون يتصدون لصعود السلفيين.. كارنيجي: الانقسامات الداخلية وسيطرة الجهاد على سيناء تهدد شعبية التيار السلفي.. السلفية الجهادية تسير على خطى الإخوان البراجماتية
قال تقرير لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن السلفيين في مصر برزوا في موقع اللاعبين السياسيين الأقوياء عندما فازوا بأكثر من 25% من المقاعد في مجلس النواب المصري في العام 2012. واليوم يواجه التيار السلفي المصري، الذي أصبح خطابه أكثر ليونة إلى حدّ كبير، تحدّيات عدّة منها الانقسامات الداخلية وصعود مجموعات جهادية جديدة في سيناء وحتى في القاهرة. وأضاف: يتألّف هذا التيار الفضفاض في تركيبته، من السلفيين التقليديين الذين لايؤمنون بالضرورة بالجهاد، والجهاديين السلفيين الذين علّقوا مؤقتًا تطلعاتهم الجهادية فيما يختبرون الانخراط في السياسة الوطنية، والجهاديين الناشطين الذين يرفضون المشاركة السياسية ويدعمون أعمال الإرهاب في سيناء. وقاد الجهاديون ثورة التيار السلفي ضد نظام الرئيس السابق حسني مبارك في العام 2011، في حين اتّخذ السلفيون غير الجهاديين موقفًا فلسفيًا مناهضًا للديمقراطية التي يعتبرونها مناقضة للإسلام. يقول الشيخ مجدي سالم، وهو جهادي سلفي حارب في أفغانستان وسُجِن في عهد مبارك: "كان الجهاديون السلفيون في طليعة الثورة والتحركات في ميدان التحرير". ويشرح النائب السلفي نزار غراب أن السلفيين التقليديين -الذين لايؤمنون بالجهاد- في حزب "الدعوة السلفية"، لم ينضموا إلى النضال من أجل الديمقراطية إلا قبيل انتخابات 2011، عبر تأسيس الذراع السياسي للتنظيم المعروف ب"حزب النور"؛ وتبيّن أن الكتلة الناخبة السلفية كبيرة، إذ حقّق المرشحون السلفيون نجاحًا غير متوقَّع في الانتخابات النيابية في العام 2012. لكن منذ ذلك الوقت، تعرّض التيار السلفي لانتكاسات عدة؛ ففي مطلع هذا العام، استقال رئيس "حزب النور"، عماد عبد الغفور، وشكّل حزبه الخاص الذي أطلق عليه اسم "حزب الوطن"؛ ربما يؤثّر الانقسام سلبًا في حظوظ السلفيين في الانتخابات المقبلة، إلا أن بعض المراقبين يتوقّعون ألا يدوم طويلًا. لكن على الرغم من التصدّع الداخلي، يتمثّل التحدّي الأساسي الذي يواجهه التيار السلفي في المجموعات الجهادية المتشدّدة التي تعارض البراغماتية المستجدّة لدى الحركة السلفية؛ موضحة أن عدد كبير من الجهاديين السلفيين في مصر استلهم من نجاح "الإخوان المسلمين"، الذين تعلّموا منهم أن يكونوا أكثر براجماتية ويدعموا المشاركة السياسية. وأوضح التقرير أنه تكوّن لدي التيار الجهادى السلفي عقدية بضرورة التخلّى عن الإرهاب في الوقت الحالي، والعمل على إنشاء دولة إسلامية بالطرق السلمية. يقول الشيخ سالم: "يدرك السلفيون أن البلاد بحاجة إلى الاستقرار، الذي لايمكن ضمانة إلا من خلال التسويات السياسية؛ وينطبق هذا أيضًا على الاتفاق بشأن الدستور الجديد، وهو أفضل ما يمكننا أن نصبو إليه في الوقت الحالي". وأكد تقرير كارنيجي أنه لم يختار جميع الجهاديين السلفيين المشاركة السياسية بعد الثورة؛ مثالٌ على ذلك "خلية مدينة نصر الإرهابية" التي أُحيل أعضاؤها الستة والعشرون على المحاكمة الجنائية في فبراير 2013، على خلفية قيامها بالتخطيط لأعمال عنف تستهدف الشرطة والقوات المسلحة والبعثات الدبلوماسية الأجنبية والكنائس القبطية. وكان المشتبه بهم (من بينهم محمد جمال وطارق أبو العظم وكريم عزام) مسجونين في عهد مبارك، لكن أُفرِج عنهم خلال الثورة، ليعودوا إلى السجن من جديد بتهمة شراء أسلحة؛ ويُعتقَد أيضًا أن مجموعتهم متورّطة في الهجوم الأخير على السفارة الأمريكية في ليبيا؛ وجرى تفكيك خلية أخرى في مايو الماضي، وتوجيه التهمة إلى ثلاثة من أعضائها بالارتباط بتنظيم "القاعدة". وأشارت المعلومات إلى أنهم اتّصلوا بتنظيم "القاعدة" في الجزائر، وسافروا إلى إيران وباكستان للحصول على التدريب. بيد أن الشيخ سالم يقول إن "أجهزة الاستخبارات لفّقت هذه التهم بهدف القضاء على التيار". على الرغم من حجم هذه الاتهامات، لايزال الخبراء يعتقدون أن هذه الخلايا تبقى على هامش التيار السلفي الأوسع؛ حيث يقول الشيخ خالد زعفراني، وهو من الجهاديين السلفيين الذين عدلوا عن مواقفهم المتشدّدة: "كانت الخلايا التي تم الكشف عنها صغيرة جدًا في حجمها. لقد واجه الجهاديون السلفيون الذين رفضوا الانخراط في العملية السياسية صعوبات في استقطاب أعضاء جدد.؛ فالغالبية تشعر أن مقاربتهم للأمور لاتقود إلى التغيير"؛ إلا أن هذه المجموعات تُعرِّض مستقبل التيار السلفي للخطر؛ ويظهر هذا جليًا في شكل خاص في أماكن مثل سيناء، حيث تقف شبكة من المتطرفين الإسلاميين وراء العديد من أعمال العنف، بما في ذلك الهجمات التي شُنَّت على مركز الشرطة في مدينة العريش في يونيو ويوليو 2011، والهجوم على فرع بنك الإسكندرية في شمال سيناء، والاعتداء على مركز للشرطة عند الحدود الإسرائيلية-المصرية في أغسطس 2012، والذي أسفر عن مقتل 15 شرطيًا مصريًا. ويؤكد التقرير أن الجهاديين في سيناء خطّطوا لتنفيذ عمليات بالتنسيق مع المجموعات السلفية في غزة، الأمر الذي أدّى إلى ظهور شبكة سلفية جهادية عابرة للأوطان قد تلحق ضررًا كبيرًا بشرعية التيار السلفي في مصر وسواها من البلدان؛ ويزداد المشهد في سيناء تعقيدًا بسبب تشعّب الانتماءات (السياسية، القبلية، إلخ.) لدى المجموعات المختلفة. يقول غراب إن الموجة الأخيرة من أعمال العنف تزيد من حدّة العداوة بين الدولة المصرية والجهاديين، والتي اندلعت شرارتها مع تفجيرات طابا ونويبع في العام 2004 وما أسفرت عنه من اعتقال آلاف الأشخاص من بينهم نساء وأطفال. ويضيف: "كانت لحملة القمع الشديد وماتعرّض له السكان من تعذيب وإذلال عواقب كارثية". بينما تتسبّب الهجمات الجهادية في سيناء وأماكن أخرى بزعزعة الاستقرار في البلاد، تؤدّي أيضًا إلى تقويض شعبية السلفيين، وبالتالي إلى القضاء على الجزء الأكبر من المكتسبات التي تحقّقت خلال انتخابات 2012. إذا لم تُكبَح أعمال العنف، فسوف تزداد حدّةً وتتّسع رقعتها أكثر فتمتدّ إلى مناطق أخرى في مصر. وطالب التقرير الحكومة المصرية بأن تعمل على إيجاد حلّ للأزمة الحالية في سيناء، إلا أن المسألة قد ترتدي طابعًا أكثر إلحاحًا بالنسبة إلى التيار السلفي؛ وربما تقع المسئولية بالكامل على التيار الأساسي داخل الحركة السلفية؛ فمن خلال السعي إلى تهدئة الفصيل الجهادي، عن طريق الحوار أو الإكراه، قد يحصل السلفيون على فرصة ذهبية لاكتساب الشرعية وتأدية دور أكبر في السياسة الوطنية.