يبدو أن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر عقب ثورة 25 يناير، ألقى بظلاله على القضايا الشائكة التي تمس الأمن القومى، على رأسها قضية الأمن المائي، وسط تناحر للقوى السياسية بكل طوائفها على تقسيم السلطات فيما بينها، وصرفت الأنظار عن مشكلة دول حوض النيل مع مصر واتفاقية عنتيبي، مما جعل إثيوبيا تفجر قنبلة من العيار الثقيل، بإعلانها تحويل مجرى النيل. ومن منظور تاريخي، فإنه يمكن بالعودة إلى مواقف الرؤساء السابقين أن يتعلم النظام الحالي كيف تدار هذه الأزمة، فعندما أعلنت حركة تحرير إريتريا الاستقلال عن إثيوبيا قرر الرئيس جمال عبد الناصر التريث، ولم يقدم أي نوع من المساعدات العسكرية لثوار إريتريا، وكان موقفه ينبع من احترام وتأييد قرار الأممالمتحدة الصادر في ديسمبر 1950 والخاص بضم إريتريا إلى إثيوبيا في اتحاد فيدرالي، وحرصًا على العلاقات مع إثيوبيا التي كانت في أوج قوتها في عهد الإمبراطور الإثيوبي هيلا سلاسي. واستغل عبد الناصر التركيز على الجانب الديني في التعامل مع إثيوبيا في هذا التوقيت، حيث كانت الكنيسة الإثيوبية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية بالإضافة إلى التركيز على الدعم التجاري والثقافي، وانتقال الخبراء المصريين في مختلف المجالات إلى إثيوبيا، وقد عبر "عبد الناصر" عن علاقات الود القائمة بين مصر والحبشة، حيث تضمن كتاب أضواء على الحبشة بعضا من الإشارات.. لذلك؛ "هذه العلاقات لم تقض على أزمة بناء السدود بين البلدين، فلقد أصر عبد الناصر على بناء السد العالي على الرغم من معارضة الدول الكبرى لهذا المشروع؛ لأن اتجاهاتهم كانت تهدف إلى بناء سد في إثيوبيا، إلا أن عبد الناصر قرر تأمين المياه داخل الحدود المصرية وهذا الإصرار قوبل برفض البنك الدولي لتمويل هذا المشروع وهو ما دفع عبد الناصر إلى تأميم قناة السويس مما جعل الدول الكبرى تشن العدوان الثلاثي على مصر، بالإضافة إلى تقدم إثيوبيا بشكوى رسمية للأمم المتحدة ضد مصر لإلغاء اتفاقية عام 1959 وقطع العلاقات الكنسية المصرية الإثيوبية التي استمرت لما يقرب من 1623 عاما". وتصاعدت الأزمة بين القاهرةوأديس أبابا أيضًا في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فعندما لوحت إثيوبيا ببناء سدود هدد السادات بتوجيه ضربة عسكرية لهدم هذه السدود وزادت شدة المعارك الكلامية بين الطرفين. وفي عهد السادات أيضًا بدأ التوتر بشكل كبير في العلاقات المصرية الإثيوبية بسبب إريتريا بعد دعم الخرطوم لحركة تحرير إريتريا ومساندة إثيوبيا لحركة جنوب السودان أنيانا، مما أثر سلبيا على العلاقات المصرية الإثيوبية بعد إعلان السادات وقوفه إلى جانب السودان، وتوقيعه لمعاهدة الدفاع المشترك مع الخرطوم عام 1976 وازداد الأمر سوءا عندما رفض السادات الحوار مع الوفد الإثيوبي الذي زار مصر في فبراير 1976، مؤكدًا ضرورة استقلال الشعب الإرتيري وتصاعدت الأمور بتهديد الرئيس الإثيوبي "منجستو" بإمكان تحويل مجرى نهر النيل. أما في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، بدأت مرحلة جديدة من العلاقات المصرية الإثيوبية وخفت حدة الخطاب السياسي بين البلدين إلا أن محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995 كانت سببًا في تحول العلاقة بين البلدين مرة أخرى، وتوقفت على أثرها أعمال المجلس المصري الإثيوبي 17 عامًا كاملة وتدهورت العلاقات بين مصر وإثيوبيا، وهو ما ظهر في الخلاف بين دول المنبع ودول المصب لحوض نهر النيل، حيث قادت إثيوبيا وشجعت توجه دول المنبع إلى التوقيع منفردة على اتفاق لإعادة تقسيم مياه النيل، رغم اعتراض مصر والسودان، في اتفاق سمى باتفاق "عنتيبي "في 4 مايو 2010. حينها اتهم رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي في عام 2010 مصر باحتمال لجوئها إلى العمل العسكري ضد بلاده بسبب الخلاف على مياه النيل، وأن مصر لا يمكنها أن تكسب حربًا مع إثيوبيا على مياه نهر النيل، وأنها تدعم جماعات متمردة في محاولة لزعزعة استقرار البلاد، وهو الأمر الذي أثار دهشة القاهرة التي اعتبرت تلك الاتهامات عارية عن الصحة. أما الرئيس الحالي محمد مرسي فزار إثيوبيا مرتين، إحداهما في يوليو 2012 والأخرى في مايو 2013 لكن الزيارة أتت بكارثة، فقد أعلنت إثيوبيا عن تحويلها لمجري النيل. يذكر أن نسبة الاستثمارات المصرية الإثيوبية استمرت على الرغم من توتر العلاقات بين البلدين، حيث بلغ عدد الاستثمارات المصرية في إثيوبيا 72 مشروعا استثماريا برأسمال مصري بالكامل وبشراكة من الإثيوبيين وتنوعت مجالات الاستثمارات في إثيوبيا للمصريين في المجالات الزراعية والإنتاج الحيواني والصناعية والسياحية والعقارية. أما في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني، تستورد مصر من إثيوبيا الفول والعدس والسمسم، بينما تحظى اللحوم الإثيوبية بسوق رائجة في مختلف المحافظات باعتبار أنها تعد من أجود أنواع اللحوم في العالم، فيما تصدر مصر لإثيوبيا الزيوت والشحوم والمواد البترولية. وتقدم مصر دورات تدريبية عن طريق الصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا قرابة ال25 دورة تدريبية في مجالات مختلفة مثل الطب، والهندسة، والتمريض، ومكافحة الجريمة، والقضاء، فضلا عن بعض الدورات التدريبية التي تقدمها جهات مصرية بشكل مستقل مثل وزارة الكهرباء والطاقة المصرية في مجالات الطاقة المتجددة والكهرباء وغيرها، ووزارة الإعلام لتدريب الإذاعيين الأفارقة.