اختلطت الأهداف السياسية بالمطالب الاجتماعية فى شعار الثورة (عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية)، فالحرية هدف سياسى، وهو يعنى أن يتحرر المجتمع من كل القيود والأغلال التى وضعها المستبدون الذين عوقوا مسيرة البلاد وتسببوا فى تخلفها وإفقارها، والعيش والعدالة الاجتماعية مطلب اجتماعى، يعنى أن يجد كل فرد فى المجتمع كفايته وقوته من خلال منظومة مدنية تتسم بالعدل والإنصاف. وفى الوقت الذى تَقَدَّمَ فيه (العيش) كمطلب اجتماعى على واقع (الحرية) كاستحقاق سياسى فى شعار الثورة المصرية، نجد أن تحقيق الحرية كمطلب سياسى قد تقدم على المطالب الاجتماعية فى الثورة الفرنسية، فكان شعارها (حرية..عدالة.. مساواة)، فقدمت قيمة الحرية وجعلت لها أولوية مطلقة، حتى يمكن أن تتحق بعدها قيم العدالة والمساواة ، لأن اتزان المنظومة الاجتماعية لايمكن أن يُفَعَّل إلا فى مناخ سياسى صحى، يؤسس أولاً لمفاهيم الحرية بكل معانيها، ويفرض منظومة الحكم الوطنى الراشد من خلاله. الثورة المصرية تاهت بين مفاهيم الشعارات ولم تعرف أولوياتها، حتى أن الثوار قد استجابوا من قبل لشعار (الجيش والشعب إيد واحدة)، مع أن الحكم العسكرى لمصر طوال ستة عقود هو الذى أفقد البلاد حريتها السياسية، وكانت الثورة فى حقيقة أمرها انتفاضة مباشرة ضد حكم العسكريين، ورفضاً لواقع تحكمهم السياسى والمجتمعى، وقد أظهرت الأحداث بعدها كيف أن المجلس العسكرى قد عمل على وأد الثورة وطمس أهدافها وتغييبها. وحتى تنتبه القوى الثورية من غفلتها وأخطائها الإستراتيجية فى تحديد أولوياتها عليها أن تركز أولاً على الهدف الثورى السياسى دون غيره من المطالب الاجتماعية، ويكون شعارها (الحرية ثم الحرية فالحرية)، فلا طعم لعيش مع عبودية، ولا موضع لعدالة اجتماعية مع معاناة سياسية. مفتاح النجاح هو تحقيق الحرية بكل مفاهيمها، ولا عجب أن كان تمثال الحرية أول ما يقابل المسافر إلى البلاد التى سادت العالم بعد أن حققت معانيها.!..