لم يكن "كارم أحمد" تجاوز العشر سنوات عندما كان يجلس هو ووالده لممارسة هوايته المفضلة "الرسم"، جلس بجانب والده وأحضرا الألوان وطالبه والده بأن يناوله اللون الأحمر من أجل التلوين إلا أنه اخطأ ومنحه البني، نظر له الأب وأبلغه أنه يريد الأحمر شعر كارم بالارتباك وأبلغ والده أنه منحه للتو اللون الأحمر! كارم أحمد، خريج كلية الآداب قسم اللغة العربية، ويعمل مصمم جرافيك، مصاب بعمى الألوان ولم يكتشف المرض سوى بالصدفة، يروي كيف أثر عليه المرض في اختيار ألوان ملابسه وكيف أبعده عن حلمه بدخول الكلية الحربية، وكيف فرق بينه وبين حبيبته، ومتى أدرك أن المحنة من الممكن أن تتحول لمنحة، وكيف تعامل مع المرض وعمل مصمم جرافيك؟. "بعد هذا الموقف بدأت أسرتي تؤهلني نفسيا أن لدى عمى ألوان دون الذهاب إلى طبيب، فقط بالتجربة ومطالبتي بتحديد الألوان من حولي والتي كنت دائما أفشل في تحديدها، فلم أكن أرى سوى الأصفر والأزرق والأحمر" يقول كارم. أن تغيب ألوان الحياة عن عينيك، أن تمضي الحياة أمامك في ثلاثة ألوان فقط، ألا ترى ألوان قوس قزح، من الممكن أن تعيش دون ألوان لكن أن تختار مهنة تعتمد في الأساس على فن اختيار الألوان كالرسم والجرافيك تجربة جديدة وفريدة من نوعها: "لم أعط للأمر أهمية كبيرة عند بداية اكتشافي له، كنت متعايشا دون الإحساس أن هناك شيئا ما غائب عني، لكن في المرحلة الثانوية كنت أنوي الالتحاق بكلية الفنون الجميلة لولعي بالرسم، فكنت أعتمد على الرسم بالفحم والرصاص لاقتناعي إن اختياري للألوان غير جيد". لم يقف المرض عائقا أمام "كارم" في متابعة شغفه بالرسم فالتحق بمدرسة للرسم ولم يخبر أحدا أن لديه عمى ألوان: "اهتمت المدرسة في بادئ الأمر بتعليمي الأساسسيات ومن ثم بدأت مرحلة تنفيذ لوحات عن طريق النقل والاستنساخ، وكانت المشرفة على الأعمال تتفاجأ بالألوان التي أضعها على الرسمة، في البداية تعاملت معي أن الأمر يحتاج توجيه، وأعدت لي اختبارا خاصا ووضعت لي 3 ألوان "الأوكر والبرتقالي والأصفر"، ودعتني للتعرف عليهم وهنا فشلت في تحديدهم وأدركت المشرفة أن لدى عمى ألوان بشكل قاطع". لم يكن الأمر عائقا كبيرا أمام كارم خاصة أنه تعلم طريقة للتعايش مع المرض دون الشعور بالنقص أو الغرابة: "تعلمت تكنيكا يدعى "الميكسد ميديا" وهو يعتمد على تلوين الأرضية بألوان غامقة ومن ثم إضافة الألوان الأساسية التي أراها بوضوح أو أحيانا الجأ لصديق يخبرني اللون". التأقلم على الأمر يحتاج لنظرة خاصة وطريقة تمكنك من عدم البوح بكل من يراك أن لديك عمى ألوان حتى لا تتعرض للتنمر أو السخرية: "كنت أجد صعوبة في شراء ملابس ووضعت قاعدة أساسية في اختيارات أن تكون الألوان حيادية، تعمدت ألا أخوض أي نقاش حول الألوان أو اختياراتها، الأمر بالنسبة كان واضحا لا ألوان في الحياة غير الأساسية". اختار كارم لنفسه في نهاية المطاف أن يعمل مصمم جرافيك ووضع أسلوبا علميا يمكنه من اختيار الألوان دون الحاجة لمساعدة: "كنت أتعمد أن أرسل للعميل الألوان مرقمة ويختار هو ما يريد ويرسل إلى الأرقام وأبدأ العمل". المرض تحول لمنحة بالنسبة إلى كارم فهو لم يره أزمة كبرى بلا ميزة عن باقي أقرانه: "أنا أرى ألوانا غير التي يراها البعض، هذا أمر جيد بالنسبة لي أدركت بشكل فلسفي أن الإنسان من الممكن أن يعيش حياته على خطأ دون أن يدرك ذلك".