شاء الله سبحانه وتعالي ألا تستقيم الحياة إلا بالاعتدال والموازنة، والحياة بالنسبة للإنسان تقع ما بين الجانب المادي والجانب الروحي، وهما الأصل في تكوينه، فالإنسان كجسد ومادة خلق من التراب، كما جاء في قول النبي الكريم صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم: (الناس لآدم وآدم من تراب).. والإنسان كجوهر وذات ومعني، روح منفوخة من روح الله تعالى كما جاء في قوله عز وجل: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)، هذا والإنسان يجمع في خلقه وتكوينه ما بين الملك والبهيمة، أي ما بين العقل والشهوة، فالملائكة خلقت عقلا نورانيا بلا شهوة ولا كثافة مادية.. والبهائم خلقت شهوة بلا عقل، فإذا غلب عقل الإنسان على شهوته كان أفضل من الملائكة وأكرم منهم على الله تعالي، وإذا غلبت شهوة الإنسان على عقله كان أدنى وأضل من الأنعام، كما جاء في قوله تعالي: (إنهم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا).. هذا وإذا نظرنا إلى عصرنا هذا لوجدنا أنه عصر مادي، تغلبت فيه الحياة المادية على الجانب الروحي، وانقاد كثير منا خلف الأهواء والشهوات، وقد أهمل الغالبية العظمي منا الجانب الروحي، وما أشقى أهل زمن مفتقر إلى الجانب الروحي، وكان نتاج ذلك غياب القيم الإنسانية النبيلة وضعف الجانب الأخلاقي، وانقاد كثير منا خلف الأهواء والأنفس والشهوات، وركن الكثير منا إلى الدنيا وكأنهم نسوا الموت والحساب والوعد والوعيد، فأصبحوا كالذين نسوا الله تعالي فأنساهم أنفسهم.. ومن هنا عم البلاء، وأخذنا الله تعالى بالجدب والسنين والبلاء، وأصبح خيارنا والصالحون منا يدعون الله تعالى برفع البلاء فلا يستجاب لهم، ورحم الله تعالى العارف به إبراهيم بن أدهم، فقد سئل لماذا ندعو الله تعالى ولا يستجاب لنا وقد قال سبحانه:(ادعوني استجب لكم)؟ فقال لسائليه ماتت قلوبكم في عشرة أشياء: أولها عرفتم الله ولم تؤدوا حقه، والثاني قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به، والثالث ادعيتم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته وخالفتم هديه، والرابع ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه، والخامس قلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها، والسادس قلتم نخاف النار ورهنتم أنفسكم بها ولم تعملوا للنجاة منها، والسابع قلتم إن الموت حق لا مفر ولا مهرب منه ولم تستعدوا له، والثامن اشتغلتم بعيوب الناس وبالقيل والقال ونبذتم عيوبكم، والتاسع أكلتم نعمة ربكم ولم تشكروها، والعاشر دفنتم موتاكم ولم تعتبروا ولم تتعظوا، فأني يستجاب لكم.