كنت أزعم أننى أكبر المتفائلين فى مصر، وكيف لا أتفاءل وقد قامت ثورة قضت على حكم بغيض!، وكيف لا أتفاءل وأنا زعيم حارة المتفائلين «درب المهابيل»، وكيف لا أتفاءل وأنا أبو يكح الجوسقى الفصيح الأريب، استبشرت خيرا عندما جاء حكم الإخوان، قلت كما قال كل الناس :هؤلاء ناس طيبون بتوع ربنا، هؤلاء على الأقل لن يسرقوا أموالنا، هؤلاء قلبهم على البلد، هؤلاء ذاقوا الظلم فلن يظلموا، هؤلاء أنشأوا حزبا اسمه الحرية والعدالة لأنهم يتوقون للحرية والعدالة، فهل هناك مجال بعد ذلك للتشاؤم ؟!! . ولكن حدث الذى لابد منه، واتضح لى أننا وقعنا أسرى فى حبائل الشيطان، ذلك الشيطان الذى ارتدى ثياب الواعظينا ومشى فى الأرض يهدى ويسب الماكرينا، ويقول الحمد لله إله العالمينا، وحين قال خطابه البليغ ذلك انخدعنا فيه، مع أننا من الشعوب الحويطة، ولكننا دائما ما يسهل خداعنا باسم الدين، هذه هى نقطة ضعفنا . ومن بعد أن تولى الإخوان الحكم والكوارث تترى على البلاد من كل ناحية، حتى وقع فى ظنى أن المصائب هى شقيقتنا التى لا تفارقنا أبدا. وفى أحد الأيام، جلست فى حانة درب المهابيل مع الأصحاب، نحتسى جرعات « الجعة»، إلا أن النور انقطع فجأة، وأصبحنا فى ظلام دامس، فأوقد «جعبرى» صاحب الحانة «لمبة الجاز» لتنير لنا، ولكن بعد برهة انطفأت ذبالة المصباح إذ أن الجاز نفد ولا يوجد جاز فى البلد، فأوقد «جعبرى» خمس شوامع أضفت على الحانة نورا ضعيفا، ولكننا قلنا: هذا أحسن من مفيش، نصف العمى ولا العمى كله، رضينا بالهم والهم مش راضى بينا . طلبت من «جعبرى» أن يحضر لنا ماءً مثلجا، فاعتذر لأن النور ينقطع كثيرا فلا يوجد ماء مثلج، ولكن لأنه حصيف قال: أنا وضعت نظاما بديلا للتبريد يستغنى عن الكهرباء، ففرحنا قلت له: وما هو هذا النظام يا جعبرى؟ . قال: سأحضر لكم قُلة الماء وقد وضعت عليها قطعة شاش زادت من برودتها، كما وضعت فى الماء «ماورد» ليعطى لها طعما لذيذا . وعندما طلبنا من جعبرى أن يحضر لنا طعاما نأكله اعتذر وقال: لقد أوقفت تقديم الطعام لأنه لا يوجد طعام، فقد زادت أسعاره زيادة مخيفة وأصبحت لا أقدر على نفقاته والقدرة لا تتعلق بالمستحيل، خاصة وأنكم « فقريين» ولن تدفعوا كعادتكم. طلبت من أحد الرفاق أن يخرج ليشترى لنا سندوتشات فول من مطعم قريب، إلا أنه عاد خائبا وقال لنا: سعر الفول أصبح يضاهى سعر الدولار، ولا نستطيع على نفقاته. وهنا فتح صديقى حيدر بن بيدر حوارا معى إذ رأيته مقطب الجبين مكفهر القسمات، يكاد صوته يصبح عويلا، فبادرته قائلا: مالك يا حيدر؟. قال لى: أصابنى داء التشاؤم فأصبحت غارقاً فى الإحباط.. فهل تعرف السبب؟، قلت له: هذه مسألة محسومة ياصديقى لا تحتاج إلى ذكاء، فستقول لى إنك محبط بسبب واقعنا المهبب المعجون بالزفت والقطران الأسود الغطيس، وأنا أقول لك أخطأت ياصديقى «فمصر اليوم فى عيد»، فإذا كان واقعنا قطران فهذا بسبب أن القطران يستخرج من البترول، ونحن أعلى دولة منتجة للقطران، وإذا قلت لى إن المنافقين يحيطون بالرئيس وبالإخوان من كل جانب، وأنهم أجادوا النفاق وأتقنوه، قلت لك إن هذا من فرط إيمانهم تطبيقاً للحديث الشريف «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».. فإذا قلت لى إن السيد صفوت حجازى قال فى تصريح له: إن الرئيس مرسى «منزه عن الهوى»، قلت لك إنه لا يقصد من ذلك نفاقاً أو موالسة لا سمح الله، ولكنه يقصد أن الرئيس يجلس دائماً فى التكييف ويبتعد عن المروحة حتى لا يصاب بتيار هواء، ولكن الحاقدين من أمثالى وأمثالك يحرفون تصريحات السيد صفوت تحقيقاً لأغراضهم الدنيئة، ذلك أن الرجل لم يقل إن الرئيس منزه عن التكييف. وإذا قلت لى إن المنظمات العالمية أوردت فى إحصائياتها أن عدد الأحياء الذين يسكنون المقابر من المصريين يزيد على الثلاثة ملايين، وأن نصف مليون منهم أصبحوا غير قادرين على المبيت فى المقابر، فأصبحوا يبيتون فى الشوارع وعلى الأرصفة منذ بداية حكم مرسى، قلت لك إنها إحصائيات مفترية والمفترى منه لله، ذلك أن الذين يسكنون فى المقابر ليسوا ثلاثة ملايين من الأحياء، ولكنهم ثلاثة ملايين من الفيزياء، باعتبار أن الإنسان المصرى خامة فريدة من نوعها، وإذا سألتنى عن الذين ينامون فى الشوارع وعن أطفال الشوارع، قلت لك إنها رفاهية لا توجد فى أى دولة فى العالم فمن ذا الذى يستطيع أن ينام فى الهواء الطلق، وأن يكون سريره كبيرا على امتداد شارع كبير يتقلب كيف يشاء . وإذا قلت لى إن عيوب النظام السابق أنه لم يكن أحد يستقيل فيه، قلت لك احمد الله، هذا النظام الإخوانى أعلى نظام يستقيل فيه من يعملون مع الرئيس، كما يستقيل الوزراء، بل إن الاستقالة تتم أحيانا قبل التعيين حتى أن الإخوان لا يجدون من يقبل أن يكون وزيرا معهم وهذا فى حد ذاته إنجاز ليس من بعده إنجار، هذا «إن جاز» أن نقول هذا الكلام ، حتى أن الروائى د. نبيل فاروق قرر أن يكتب سلسلة روايات عن «رجل المستقيل».. وإذا قلت لى إن رئيس الوزراء هشام قنديل لا يفهم شيئا فى أى شيء حتى أنه لا يعرف الألف من كوز الذرة، وقد برع فقط فى تنظيف حلمات أثداء النساء ليضمن غذاء صحيا للأطفال الرضع، قلت لك ياعالم بطلوا تشنيع، فالرجل كان يحقق سبقاً علمياً عالمياً إذ أضاف بما قاله كشفا علميا جديدا مع الكشف العلمى الخاص بارتداء ملابس داخلية قطنية لتوفير الكهرباء، وسيحصل بسببها إن شاء الله، نعدمه، على جائزة نوفل العالمية. وإذا قلت لى إن الإخوان لا يهتمون بالقضاء على الأمية ولا بالتعليم الذى تخلف تخلفاً مهولاً حتى أن ابنتك الصغيرة عندما جاء لها «بيت شعر» فى امتحان العربى وكان السؤال: اشرح البيت قالت 12: ميدان الجيزة والبيت فى الدور الخامس . وعندما سئلت عن قرية مصرية تشتهر بإنتاج السجاد قالت «النساجون الشرقيون»، قلت لك أمية إيه ياجاهل، ألا تعرف أن العلم فى «الراس مش فى الكراس»، ثم أن هذه أمور لا علاقة لها بالتعليم ولكن بالثقافة، ووزير الثقافة بتاعنا حاصل على أعلى شهادة فى مصر، إذ حصل على الإعدادية القديمة وكان اسمها وقتها «الثقافة» لذلك جعلوه وزيراً للثقافة . وإذا قلت لى إنك محبط لأن قادة الإصلاح فى بلادنا، معظمهم وليس كلهم، نسوا مشاريعهم الإصلاحية وانشغلوا بمصالحهم الخاصة ومصالح الجماعة والتنظيم والمرشد والشاطر، وقد أصبحت هذه المصالح مقدمة عندهم على مصلحة الأمة، وقد اهتموا اهتماماً كبيراً بالابتسام أمام كاميرات القنوات الفضائية وارتداء الكرافتة الزاهية عشان الصورة تطلع حلوة، وأصبح أكثرهم ذكاء يقول إذا سألته صحفية :أين النهضة؟، قال لها وهو يغمز بعينيه: تعالى وأنا أوريكى، قلت لك حتى الطيبين هاتفترى عليهم... كلهم يأخى إن شاء الله يهتمون بكل ما يتعلق بالإصلاح من أول إصلاح بوابير الجاز، بسبب غياب الأنابيب، إلى الست إصلاح مرات رمضان البواب. وإذا قلت لى إن سياستنا الخارجية أصبحت سمتها الرئيسية الشحاذة ومد اليد، وعشانا عليك يا رب، وحسنة قليلة تمنع بلاوى كتيرة، حتى أن الإخوان جعلوا من خبير فى الشحاذة اسمه عصام الحداد مسئولا عن العلاقات الخارجية، وبذلك فقدنا هيبتنا وتأثيرنا حتى على منطقتنا العربية وذهبت الريادة فى عالم كان أو كونكان والشايب والتلت ورقات، قلت لك شحاذة إيه وهيبة إيه يا راجل، أولاً الشحاذة مش عيب طالما أننا سنقوم قبلها بتقبيل الأقدام والانبطاح للدول التى سنشحذ منه ، وطالماً أننا انبطحنا ليس انبطاحا بطوبة على رأسنا. وإذا قلت لى الاقتصاد فى انهيار والإنتاج فى النازل والقوة الشرائية أصبحت كالرجل العجوز الذى اقترب من دخول قبره، وغالبية الشعب تحت حد الفقر لدرجة أنه من المألوف حالياً أن ترى أسرة تبحث عن طعامها فى أكوام الزبالة، قلت لك وماله، هو الفقر عيب، المهم الأدب والأخلاق، فالأدب فضلوه على العلم، فإذا قلت لى حتى الأخلاق انعدمت عند النظام الحاكم، قلت لك ياراجل ياضلالى داحنا مافضلش عندنا غير الأخلاق، ألم تسمع عن أخلاق الإخوان، وأخلاق القرية، ومدرسة الأخلاق الحميدة الابتدائية، فيه أكتر من كده أخلاق؟. وبعد أن انتهيت من حوارى مع صديقى المحبط.. قلت له: معاك مائة جنيه سلف لأول الشهر ..!!