هل تتذكرون فيلم العتبة الخضراء؟ هل تتذكرون واقعة بيع الترام؟ إنها ليست مزحة بل حقيقة حدثت تقريبا سنة 1946. الواقعة صاحبها اسمه رمضان أبوزيد العبد، وعمره 27 سنة وقد وصل إلى مرحلة التعليم الثانوى ثم غادر المدرسة ليستغل مواهبه فى بيع الترام لقروى ساذج. يروى بعد ذلك تفاصيل الحادث فيقول إنه كان يركب الترام رقم 30 من شارع القصر العينى، ووقف إلى جواره أحد القرويين فنظرت إليه وعرفت أنه سهل، فأعطيته سيجارة وبدأنا الحديث وفهم رمضان منه أنه جاء ليبحث عن عمل لأنه لم يجد فى بلده عملا يليق به، وفهم أيضا أنه قدم إلى القاهرة يحمل المال الذى يمكنه من البدء فى العمل. يقول رمضان: "وجدت الفرصة سانحة وبدأت أعرض عليه أعمالا مختلفة ولا شىء منها يروق فى نظره، وأعطيته سيجارة أخرى وأشعلت لنفسى واحدة ثم جاءتنى الفكرة سريعة عندما أبدى ملاحظة على ازدحام الترام.. فقلت له: هل تشتريه؟ جاء معى وهو سعيد ومبتهج إلى مكتب محامى، وكان معى صديق أخذ معى صيغة العقد دون أن يعرف المحامى صاحب المكتب بالطبع، وقلت له إننى سأبيعك الترام بمائتى جنيه .. فقال إن هذا كثير.. فقلت له وكان اسمه (حفظ الله سليمان) لولا إنى بلدياتك لما بعت لك الترام الناجح بأقل من ألف جنيه.. وقال حفظ الله إنه ليس معه إلا ثلاثة وثمانون". وقلت أنا: "وهو كذلك .. نأخذ منك ثمانون ونترك لك ثلاثة وتكتب على نفسك كمبيالة بباقى المبغ وهو 120 جنيها. وختم الرجل على الكمبيالة المائة والعشرين جنيها .. وخرجنا ليستلم الترام فقد كان متلهفا عليه". و"فى ميدان العتبة انتظرنا حتى جاء الترام رقم 30، وكان حفظ الله لا يحسن إلا قراءة الأرقام، فما أن أبصره من بعيد حتى قال: أهه. اتجهت أنا إلى كمسارى الترام بينما وقف زميلى مع حفظ الله، وأعطيت الكمسارى قرشا وقلت له إن أحد أقربائى القرويين سيذهب معه إلى نهاية الخط ولكنه غريب ولا يعرف شيئا، فلاحظه حتى نهاية الخط ثم نبهه إلى النزول.. وقبل الكمسارى وهو يعطينى المليمات الباقية من القرش بعد خصم ثمن التذكرة، فطلبت إليه أن يبقى (الباقى) فرفع يده يحينى باحترام". "كان القروى ينظر إلينا، وقد حرص زميلى على ألا يجعله يرى منظر الكمسارى وهو يحيينى، وربت على كتف حفظ الله وقلت له: عند نهاية الخط طالبه بكل المتحصل، وراقب بنفسك الركاب وهم يدفعون". صعد حفظ الله وقلت للكمسارى بمسمع منه: خلى بالك .. وقال الكمسارى: خلاص فهمت. ابتسم حفظ الله فى اطمئنان فقلت له بمسمع من الكمسارى: تطالبه بجميع الفلوس وإلا نلغى البيع.. وهز حفظ الله رأسه ولم يفهم الكمسارى بالطبع فقد ظن الحديث عن صفقة فى البلد. وفى آخر الخط جاء الكمسارى ليلفت نظر حفظ الله إلى النزول، فطالبه بالحساب.. وتساءل الكمسارى أى حساب؟ وقال حفظ الله: أه .. فاكرنى عبيط! زادت دهشة الكمسارى حين قال له حفظ الله: ألم يقل لى أمامك تطالبه بجميع الفلوس وإلا تلغى البيع .. وسأل الكمسارى: أى بيع ؟؟ وقال حفظ الله: الترامواى .. انت ح تنصب على؟ .. وانتهت المناقشة فى قسم البوليس". إذا كان بيع الترام ب ثمانين جنيها استوجب سنتين ونصف السنة سجنًا. فكيف يكون الحال مع من باع وطنًا بأكمله؟!