"وكمْ ذا بمصرَ منَ المُضْحِكاتِ ولكنَّهُ ضَحِكُ كالبُكا." !!! لو لم يقلْها الزميل أبو الطيّبِ المتنبّي (رحلَ عن هذه الفانية قبلَ ألفٍ وسبعٍ وأربعينَ سنة) لاجتهدتُ حتّى أقتربَ من المعنى، لكنه أراحنا وارتاح قبل أن يرى ما نراه، ولو امتد به العمر وطالت إقامته بمصرَ وأوقعه حظّه السيء في إحدى الحفر التي نتدحرجُ فيها، لفرّ عائدًا من حيث أتى سيرًا على الأقدام، غير عابئ بما يلاقيه شعبه المطحون بطواحين الفتن التي زرعها الأمريكان في أرض العراق!!.
ولو كان الشهداء الذين بذلوا أرواحهم فداءً لمستقبل مصر، ورحّبوا بالموت مبتسمين من أجل أن يخلعوا جذور الاستبداد والطغيان التي ضربت في أعماق التربة المصرية، لو كانوا يعلمون أن تضحياتهم ستُفضي إلى ما نحن فيه الآنَ، لارتضوا أن يعيشوا حُرّاسًا لكرسي المخلوع ولحرامية نظامه وكلابه السعرانة، بدلا من هذه الفوضى، وهذا التخبّط وكلّ ألوان التخلّف التي أتحفنا بها الهواة من أجل إعادة مصر، صانعة التاريخ، إلى عصور ما قبل التاريخ!. حراميّة الثورة أشدّ جُرما وخسّة من حرامية النظام المخلوع، والذين قاتلوا من أجل أن يقتلوا الثورة في مهدها أشدّ غدرًا من القنّاصة الذين اصطادوا أجمل ورود الميدان، والذين تواطأوا وأخفى كلّ منهم جزءًا من الثورة في ملابسه الداخلية هم اللصوص وشيوخ المنصر الأخطر من حرامية مبارك، الذين اكتفوا بسرقة عدة مليارات من الدولارات، وعدة ملايين من الأمتار من أرض الوطن الذي يُستباح الآن من كلّ جانب، ويُباعُ حاضره ومستقبله في مزاد رخيص!!. الهواة الذين ركبوا ونصّبوا أنفسهم متحدّثين باسم الثورة شركاء في الخيانة وبيع دماء الشهداء! الإعلاميون الذين قفزوا من حضن المخلوع ومراته وعياله وزبانيته وبطانته إلى مربع الثورة يستحقون أن يُجلدوا على ألسنتهم، ويُسحَبوا على وجوههم في مياه المجاري الطافحة في كلّ شوارعنا الآن!!.
الأدباء والفنانون والكتّاب الذين لحسوا جوخ المخلوع، وشفطوا خزائن عصره الميمون يستحقون التجريس على ظهور حمير عرجاء تزك بهم في الحواري والميادين والشوارع، وفي القرى الجائعة مع قيام الأطفال بتوبيخهم بكلماتٍ لم تكن مُستعملةً في العصر القديم (طه حُسَين) وما تيسّر من الحركات القبيحة!!
المجلس العسكري، الراعي الرسمي للخراب، هو ليس الجيش المصري، المجلس مجموعة من الإداريين الفاشلينَ يتحمّلونَ مسئولية الإدارة بأخطائها وحسناتها، أما الجيش المصري فخارج إطار النقد، وهو، وسيبقى، فوق رؤوس الجميع، ومحل الاحترام والاعتبار والتقدير. مجلس الهواة العسكري سأظل أصرخ طالبًا محاكمته أو محاكمتي، أدار الدولة بعشوائية، تحدّثني نفسي الأمّارة بالسوء أنها لم تكن عشوائية بقدر ما كانت مقصودة، من أجل وأد الثورة أو إيقاف نموّها، وهناك علامات استفهام لا حصر لها، لا مفر من الإلحاح المستمرّ للإجابة عليها، كما أن المجلس يظلّ مسئولا جنائيًّا عن كلّ الدماء التي أريقت من لحظة إعلان تخلّي المخلوع أو المُتَخلِّي. وترك الدولة لهذا المجلس البائس، فإذا كان القضاء قد أدان مبارك والعادلي ( فقط ) عن جريمة قتل الثُّوّار خلال الأيام الثمانية عشرة، فإن الحكم ينسحبُ على مَنْ أداروا بعدهما تلك الأيّام، ويُضاف إلى ذلك كلّ هذا الضياع الذي ترتب على قراراتهم وتصرّفاتهم المرتبكة، وعلى رأسها الإعلان الدستوري الذي أصابنا، مصر، بالشلل التام فقد تحوّل إلى مفرخة تفقس كلّ صباح عشرات المساوي التي لا طاقة لنا بها ! وإن كانت المُضحكات المبكيات التي رصدها المتنبّي، وهو تحت الترابِ لا تنتهي ، فإن أغرب نكتة هي أن يتحدّث الإخوان، وهم جماعة محظورة، باسم الثورة، وتأبى العجائب أن تتركنا نهدأ فتلاحقنا بكلّ جديدٍ مدهش فيصبح الإخوان أغلبية في البرلمان المغشوش، بعضهم دخل البرلمان بقناعة الجمهور، والبعض راح محمولا على الزيت وأكياس السكر والأرز منتهية الصلاحية، والبطاطس المرتجعة من التصدير، أما الذين ركبوا أنابيب البوتاجاز فكانوا أسرع وصولا من الآخرين، غير أنهم تناسوا فضل المجلس العسكري الذي سمح لهم وساعدهم وأباح لهم سرقة الأنابيب من الشعب ليعيدوا الضحك بها على الشعب ( والصورة تتكرر الآن ) ! ومن غرائب تلك العجيبة أن يلد لنا هذا المجلس المنحل (اللغة هي التي تقول إنه منحل، ولا دخل لي) جمعية تأسيسية لسلق الدستور بتشكيلٍ عجيبٍ غريبٍ (من بركات سيدنا المجلس العسكري أيضا)، يسمح هذا التشكيل للأعضاء الحاصلين على توكيل التعامل باسم الإسلام أن يفرضوا علينا أيّ دستور يرونه، بينما تقف القوى المدنية والليبرالية والعلمانية (داخل الجمعية) وقوف المتفرّج، وتبلغ المهزلة منتهاها عندما نرى كلّ طوائف المجتمع ضد هذا الشيء المسلوق، فرائحة الشياط التي تتسرّب من المسوّدات التي تُطرحُ إعلاميا، أو تتمشى في ظلمات الإنترنت تصيبنا بالغثيان، لا أقول من الركاكة وضعف اللغة وتهافتها واهترائها، ولكن من الثرثرة الزائدة واللت والعجن، ثم المضمون الفارغ أو القاتل، الفارغ الذي يشبه ما قاله الشاعر القديم عادل إمام في مسرحية "شاهد ما شافش حاجة": "دي كانت رقّاصة .... وبترقص"!!. والقاتل هو ما يتعلّق بتكتيف الحريّات والتضييق على عباد الله في كلّ شيء، تحت ستار الأخلاق ومبادئ الدين والشريعة، وكأنهم يضعون دستورًا لدولةٍ كافرةٍ قادمةٍ من ظلماتِ الجاهلية الأولى، قفزا إلى العصر الحديث، على أيدي هؤلاء الذين ورثوا الثورة أو وجدوها في حجورهم وهم نائمون في ظلال الوهم!! أتسكّعُ بين الفضائيات والصحف ومنتديات الإنترنت ومواقعه، وأقرأ الشارع العام فلا أجد إلا طوفانا من الغضب والكراهية ورفض هذه الجمعية بمَن فيها وما طبخوه، العمال يرفضون، الفلاحون، المعلّمون، الأطباء، المهندسون، الرياضيّون، العواطلية، ربّات البيوت، باعة الأنابيب والسكر والزيت والبطاطس، الفلول، الليبراليون، والعَلمانيون، والإعلاميون، وكلّ مَن ينتمي إلى طائفة الكفّار (حسب تصنيف بعض متحدّثي الجمعية)، الوفديون الأصليون، الأحزاب الجديدة كلّها، المسلمون والمسيحيون، الأرض والنهر والشجر والطيور والأهرامات وأبو الهول .... إلخ، إلا بعض البعض من كلّ هذه الطوائف ، ثمّ يخرجُ علينا رئيس الجمعية متجهّمًا مكفهرًّا عابسًا رافضًا كلّ رأيٍ أو نقدٍ أو اختلاف، وتراه يتحدّث بغضب ويتساقط منه الكلام فتشعرُ أنه يحملُ على كتفيه هرمين من الثلاثة، وأنه وحده ، منوطُ به تقرير مصير هذا الشعب الغلبان المغلوب على أمره، الذي لم يبلغ سن الرشد بعد!! كلّ هذا اللغط، وكلّ هذا الرفض، ورئيس الجمعية وأعضاؤها يصرّون على استمرار الطبخ! هم مدركون أنهم يصنعون أكلةً مشمومة ومُسمّمة، لا تسمن ولا تغني من جوع ، هي مثل الحمل الكاذب أو الجنين المعيب الذي يولد ميّتا، لكنهم يواصلون ويضاعفون لهيب النار فينبعث الشياط أكثر وأكثر ولا يعيرون الرفض الشعبي اهتماما، ولا يضعون غضبته في الاعتبار! نزيف مستمر من الجهد والوقت والمال في أشياء خارج المستقبل وخارج الزمن، مشاورات ومحاورات ومناورات واستضافات واستفاضات، وفي السرّ يكتبون ما يريدون وكأننا سنشربه مثل دواء الكحة أو سيحقنوننا به كالحقن الملوثة التي أورثتنا الأمراض المستعصية!
أناس يقفون ضد الشارع العام الذي لم يعد يؤمن بالبطاطس والسكر والزيت وأنابيب البوتاجاز، الشارع الذي أفاق وخرج عن الطوق لن يبيع إرادته بالرشاوى المقنّعة، ولن يرهن مستقبله في سجن الشعارات الرنانة الفارغة التي ذاق مرارتها في الستينيات (آآآآآآآآه ،، وما أدراك ما الستينيات)، هذا التخدير والتهديد والتخويف بجهنم الحمراء والعياذ بالله لم يعد يهز شعرة في أذن أي مؤمن يعرف الله حقّا ويراه في ضميره ويراعيه في أعماله وأقواله، جهنم الحمراء، وبئس المصير، للكذّابين والمنافقينَ والشتّامينَ الذين يسبّونَ الناس ويكفّرونهم وسيّئي الأخلاق والمُرائين والراشينَ والذين يأمرون الناسَ بالبرّ وينسونَ أنفسَهم ولا تطابقُ أفعالُهم أقوالَهم ... وإذا كان وكلاء الإسلام في الجمعية المذكورة يقاتلون من أجل سلق الدستور في مياه حمضانة، وعمل فتّة عليه يطعمون بها الشعب الغلبان قبل صدور أحكام قضائية لتحويلها إلى جمعية منحلة مع المجلس المنحل الذي سقاناها، فما الذي يجبر الأعضاء الآخرين (المدنيين أمثالنا) على الاستمرار؟ الكنيسة أعلنت الانسحاب، أهلا وسهلا، بينما أعلن المدنيون التجميد (حتى كتابة هذه السطور) فهل يريدون الاستمرار كمراقبين حتى لا يضع لنا الآخرون شطة زيادة أو سمّ فار في هذه الطبخة ؟ تسعون في المائة من القوى الفاعلة ومن طوائف الشعب أعلنت رفضها ( واستحلفت ) للدستور وللإخوان وتصرّ على قول : لااااااااا ، واحسبوها مرة أخرى: أنا، والفلول والمسيحيون بالكامل، والليبراليون والعلمانيون والفنانون ....... وكل مَن ينتمون إلى فسطاط الكفرة، طبقا لتصنيف اتحاد وكلاء ديننا الحنيف، يقفون ضد هذه الجمعية وطبختها المشمومة ويصرخون: مش واكلين، فلماذا، أيها الأعضاء المدنيون، تستمرون في هذه اللعبة ولا تقفزون من هذه السفينة المثقوبة المحكوم عليها بالغرق ؟ هل هناك مقابل مادي، بدلات ومنافع، أو مغريات تعادل بيع السمعة وملء سِيَرِكم الذاتية بالبقع والثقوب؟ كثيرون منكم، أعرفهم معرفة شخصية، أكبر من أي إغراء وأضخم من أي صيتٍ مغشوش أو مشموم، يجبرونني الآن على إعادة قراءتهم من جديد استعدادا للكنسلة والتدليت من الذاكرة ومن المستقبل!! كان من الواجب أن نحترم بلادنا ونفي لدماء الشهداء، لكننا وقعنا في أيدي الهواة الذين يتعلّمون فينا، ويظنونَ أننا سننام ونستسلم، الدائرة دائرة دستور مرفوض مقدّمًا، وإذا نجحتم في التزوير والتفويت فالثورة جاهزة مرّة ومرّات أخرى، يعني، باختصار، طبختكم المشمومة ..... اشبعوا بيها !!!