الطيران المنخفض وتجاوز أثره النفسي كان أبرز ما تم التركيز عليه في التدريب الذي سبق الضربة الجوية..كان لذلك أهميته في عمليات الاستطلاع الجوي التي سبقت الحرب، كما ان الضربة الجوية المفاجئة التي تمت ظهر السادس من أكتوبر ، كانت تعتمد علي انطلاق الطائرات الي أهدافها علي ارتفاع منخفض بحيث تعجز أجهزة الرادار عن رصده . واستغرق التدريب علي ضرب الأهداف المعادية عدة مراحل، بدأت بتحديد الأهداف التي سيتم ضربها، واستطلاعها ، ثم عمل طلعات تدريبية علي ارتفاعات منخفضة بالطائرات التي ستقوم بالعمليات الهجومية باستخدام ذخيرة حية أحيانا وبدون ذخيرة في الأغلب . وكانت البداية الطبيعية ، تحديد الأهداف التي سيجري ضربها ثم دخول طائرات الاستطلاع إلي ما وراء خطوط العدو وتصوير الأهداف التي ستتم مهاجمتها، وتحديد طريق الدخول إلي كل منها والذخيرة المستخدمة مع كل هدف والارتفاعات المناسبة في كل مرحلة وطريق عودة كل طائرة بعد الانتهاء من أداء مهمتها. ورأس حسني مبارك مجموعة تحديد الأهداف المعادية التي ستركز عليها طائرات الضربة الجوية المفاجئة، وركزعلي خطة ضرب ثلاث قواعد معادية ، أطلق عليها العدو اسماء «أتزيون» و«إيتام» و«أوفيرا» ، واختيار الطائرات والطيارين الذين سيؤدون هذه المهمة، بحيث يسفر ضرب هذه القواعد عن منع العدو من استخدامها لأطول فترة. وقد كان نجاح عمليات الاستطلاع والتصوير الجوي يبشر بنتائج إيجابية تمهد للمراحل التالية من الإعداد للضربة الجوية. بعد اعتماد خطة الاستطلاع علي وسائل خداع وتمويه متعددة ومختلفة لا تتكرر كثيرا، ومنها قيام طائرات مقاتلة بطلعات خداعية من البحر أو في مناطق بعيدة عن منطقة الاستطلاع لجذب انتباه العدو الذي كان يرصد هذه الطلعات ويستعد لمواجهتها ، وفي كثير من الأحيان تقلع طائراته لمواجهة الهجوم المتوقع، وفي تلك الأثناء تكون إحدي طائرات الاستطلاع قد عبرت خط المواجهة علي ارتفاع منخفض في اتجاه الهدف الذي تريد تصويره، ويصعب علي أجهزة العدو اكتشاف طائرة الاستطلاع خلال انطلاقها بسرعة عالية وعلي ارتفاع منخفض ، ولا يتمكن من التعامل معها حتي تنتهي من أداء مهمتها والعودة بأقصي سرعتها ، مستخدمة جهاز الإشعال المعروف باسم «أفتر بيرن» أي ما بعد الاحتراق، وفي دقائق قليلة تكون الطائرة قد دخلت في مظلة الدفاع الجوي التي لا يستطيع طيران العدو الاقتراب منها ، تنفيذا للتعليمات المشددة التي تمنع طيران العدو من الاقتراب من قناة السويس لأقل من 15 كيلومترا. وقد أحسن قائد القوات الجوية ورجاله الاستفادة من نتائج الاستطلاع ،وقال ان الأهم من الصور والمعلومات، هو الاستفادة منها واستثمارها، وهذا ما أبدعت فيه قواتنا الجوية خلال مراحل ما بعد الاستطلاع.. تلك الأهداف كانت بالتحديد وحسب أولوية الأهمية هي: 1 محطة التشويش الرئيسية في أم خشيب ، وهي مزودة بأجهزة إلكترونية تقوم بالتشويش علي أجهزة الطائرات وتصطنع أهدافاً وهمية تظهر للطائرات المهاجمة وهي في واقعها سراباً لا وجود له في الواقع، كما أنها تقوم بعرقلة الاتصال بين الطائرات بعضها ببعض بواسطة جهاز تشويش متقدم طراز »A2C« انتاج أمريكي، وكان المطلوب تدمير أجهزة التشغيل ومعدات الإرسال تحديدا ومنها الهوائيات، وليس تشتيت الجهد وإضاعة الوقت في تدمير المبني كله. وكان العدو يملك أجهزة تشويش أخري محمولة جوا فوق سطح طائرة خاصة قادرة علي التحليق علي ارتفاعات كبيرة وإطلاق إشارات خادعة تمنع رؤية الأهداف الحقيقية وهي أيضا تستحدث أهدافا وهمية. وعندما حانت ساعة الصفر وتحققت المفاجأة لم يتنبه العدو لما أحدثته طائراتنا ولم يجد لديه الوقت لاستخدام هذه الطائرة. 2 ثلاثة مراكز للقيادة والسيطرة ، وأهمها مركز القيادة الرئيسي في «أم مرجم». 3 قواعد الصواريخ المضادة للطائرات طراز »هوك« أرض جو أمريكية الصنع، وعددها عشرة مواقع صواريخ ، وتتولي المقاتلات المصرية طراز «ميج» ضرب هذه الأهداف بواسطة الصواريخ المحمولة جوا. 4 ثلاثة مطارات هي المليز والعريش ورأس نصراني ، وكلها مطارات يستخدمها العدو عند إعادة توزيع قواته الجوية التي تتمركز بصورة رئيسية في قواعد محددة وسط وشمال إسرائيل ليقوم بتوزيع أسرابها علي مطارات أخري طبقا لطبيعة العمليات الموكولة إليها. وهذه العقيدة العسكرية تنبع من طبيعة طوبوغرافية إسرائيل باعتبارها محاطة بالأعداء من جبهات متعددة. وكان التركيز في ضرب هذه المطارات ، هو إصابتها بصورة تمنع هبوط طائرات فيها ، وذلك باستخدام قنابل الممرات التي يتم تزويد المقاتلات القاذفة المصرية «سخوي 7» بها. وعندما اكتملت لدي قواتنا الجوية الصور والرسوم والمعلومات الخاصة بكل هذه الأهداف تم تحويلها إلي لوحات تفصيلية لكل هدف، وتعريف الطيارين بأماكنها وطرق الاتجاه إلي كل هدف منها والدخول إليها والارتفاعات المحددة لكل مرحلة ، والتي تبدأ بالطيران علي ارتفاع منخفض جدا ثم الارتفاع المفاجئ عند مرحلة الضرب وزاوية إطلاق النيران عليها والمكان المحدد داخل كل هدف علي حدة، فلم يكن المطلوب تدمير الهدف المعادي بالكامل بقدر إصابة الأجزاء والأماكن المؤثرة فيه وتحديد زاوية الإطلاق المناسبة، حتي تتم المهمة بنجاح في وقت وجيز تعقبه العودة السريعة إلي مطار الهبوط عبر طريق آمن مرسوم لكل طائرة علي حدة. وأهم جانب في هذه المرحلة من التدريب كان تنظيم خطط الإقلاع والطيران المنخفض بحيث تعبر الطائرات جبهة القناة علي ارتفاعات منخفضة للغاية، وفي أوقات متلاحقة تؤدي إلي وصولها إلي أهدافها في توقيت واحد، لتتم الضربات في نفس الوقت رغم أن الطائرات المصرية كانت تنطلق من قواعد مختلفة ومتباعدة.