مثلما كان حبيب العادلى - وزير الداخلية الأسبق - إمبراطوراً فى وزارته، كان إمبراطوراً أيضاً فى رأس سدر وتحديداً فى قرية «أمن الدولة» على شاطئ البحر الأحمر.. ففيها شيد قصراً منيفاً تحيطه حديقة واسعة مطلة على البحر مباشرة .. ومن حوله سور عال تحرسه عشرات من سيارات الشرطة، ورجالها الأشداء.. وبجوار هذه القلعة قصر آخر لا يقل فخامة عن قصر العادلي وهو قصر اللواء أسامة المراسى - مدير أمن الجيزة سابقاً- وعلى بعد أمتار قليلة منهما تنتشر قصور وفيلات أخرى مملوكة لكبار قيادات جهاز مباحث أمن الدولة المنحل، والمقربين من ضباطه.. أهالى مدينة رأس سدر هم وحدهم من دفعو ثمن الإقامة بجوار «الكبار» ففى كل يوم كانت بيوتهم تداهم من قبل الشرطة تفتشها وتعتقل من فيها بلا سبب واضح، وحرم عليهم الاقتراب من القرية أو حتى السير بجوار أسوارها.. وعندما هب المصريون وقاموا بثورتهم فى 25 يناير وماتلاها من انهيار تام لإمبراطورية العادلي، وانسحاب مخز للشرطة.. تنفس أهالى رأس سدر الصعداء، وقرروا الانتقام لسنوات الذل والقهر التى تعرضوا لها، فاقتحموا إمبراطورية أمن الدولة وقصر العادلى وحطموا محتوياته ونهبوه .. «فيتو» انتقلت إلى رأس سدر ودخلت قصر العادلى، ورصدت بالصور معالم الفخامة والترف الزائد، واستمعت إلى العمال فيها فكشفوا مفاجآت أغربها أن الوزير الأسبق أجبر العمال على إنشاء قصره مقابل عدم اعتقالهم. والقصر عبارة عن طابقين الأول له بلكونة كبيرة بسلالم خاصة تطل على حديقة واسعة أرضيتها مغطاة بالنجيلة، وبها الكثير من الأشجار والنخيل، ويتوسطها حمام سباحة شيد على أحدث طراز وبجواره شواية فحم تستخدم فى إعداد الأطعمة الطازجة، وعلى بعد خطوات منها توجد «برجولة» من الفورجيه بها مقاعد خشبية للجلوس وعلى الجانب الآخر من حمام السباحة توجد «أرجوحة» مزودة بمظلة.. وفى نهاية الحديقة باب صغير يقود إلى شاطئ خاص على البحر الأحمر. تركنا الحديقة بكل ما فيها من معالم الجمال والروعة، ودخلنا القصر.. وفى الطابق الأول وجدنا بقايا وانتيكات محطمة وصالوناً كبيراً للاستقبال وعدداً من الحجرات المغلقة وفى بهو القصر سلم دائرى يقود إلى الطابق الثانى وإلى جواره اسانسير صعدنا إلى الدور العلوى وفيه شاهدنا حجرات كثيرة بعضها مغلق والبعض الآخر مفتوح ولكنها خالية من الأثاث .. ثم وصلنا إلى حجرة خاصة وما أن فتحنا بابها حتى اكتشفنا أنها «جاكوزي» فيها بانيو ذو شكل بديع.. ونظراً لروعة وجمال المكان التقطنا له عدة صور تبرز معالمه الجمالية، وتوحى بحجم الأموال التى تم إنفاقها على تشييد هذا القصر. خرجنا من قصر العادلى مشدوهين مما شاهدنا، عن مصدر الأموال التى انفقت عليه.. والإجابة معروفة بالطبع وهى، مادامت خزائن الداخلية مملوءة، ومادام نفوذ العادلى وسطوته وصلا إلى كل شبر فى مصر، فلا مجال للسؤال عن أى شيء ثم انتقلنا إلى قصر اللواء أسامة المراسى - مدير أمن الجيزة الأسبق- وهو يجاور قصر العادلى لا يفصل بينهما سوى سور من الأشجار لاحظنا أنه شيد هو الآخر على نفس طراز الأول، وعندما حاولنا دخوله والتجول فيه، لم نتمكن نظراً لأنه كان مغلقاً. واصلنا جولتنا فى قرية «أمن الدولة» برأس سدر والتقينا عدداً من العاملين فيها وتحدثنا معهم عن العادلى ورجاله.. فكشفوا لنا العديد من الأسرار والتفاصيل.. ولكنهم اشترطوا عدم نشر اسمائهم ويبدو أن شبح العادلى مازال يطاردهم.. وافقنا على طلبهم وسألناهم عن وضع القرية يوم «جمعة الغضب» فقالوا : هذا اليوم كان يوماً مشهوداً فى تاريخ مصر كلها.. وفى قرية أمن الدولة فعندما علم البدو بانسحاب الشرطة وانهيار أجهزة الأمن، وزوال سلطان حبيب العادلي، اقتحموا قصره واستولوا على معظم محتوياته وحطموا أثاثه انتقاماً وبعد أن فرغوا منه توجهوا إلى قصر «المراسي» وحاولوا اقتحامه بشتى الطرق ولكنهم فشلوا نظراً لإغلاقه بشكل محكم وارتفاع أسواره، وأضافوا أنه فى اليوم التالى اتصل المراسى بقيادات البدو، وكلفهم بحراسة قصره مقابل «500» جنيه للفرد فى الشهر وفيما بعد أرسل «4» سيارات نقل وعدداً من أمناء الشرطة وقاموا بنقل محتويات القصر، ثم احكموا إغلاق القصر وتركوه خالياً تحت حراسة البدو. وفى مكان آخر من قرية أمن الدولة تقابلنا مع مجموعة من العاملين وبادرنا أحدهم قائلاً: قصر حبيب العادلى هنا كان محرماً على أى شخص الاقتراب منه، وعلى مدار ال 24 ساعة كانت قوات الأمن المدججة بالسلاح تحيط به من كل جانب، ومن خلال عملى بالقرب منه عرفت أن العادلى أحضر شاويشاً من الداخلية لرعاية الحديقة، وآخر خصصه لتنظيف وتجهيز حمام السباحة، وأضاف عامل آخر أنه سمع حكايات أغرب من الخيال عن مفروشات وأثاث القصر، حيث قيل إن الأثاث تم تصنيعه خصيصاً فى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، وتولت شركة إيطالية مهمة الإشراف على تجهيزه، على أحدث طراز عالمي، وحكى لنا شخص آخر قصة مثيرة قائلاً: عندما اقتحم البدو قصر العادلى وحطموا بعض محتوياته وسرقوا أخري، حدثت مشكلة كبيرة بسبب الاختلاف على «قطعة آثار حقيقية» عثروا عليها فى القصر وكادت أن تحدث مواجهات مسلحة بينهم. مرة أخرى عدنا نتجول فى القرية وبين قصورها وفيلاتها الضخمة والتى يزيد عددها على «350» وحدة.. وفى هذه الأثناء تحدثنا مع أحد المتواجدين هناك عن الوضع الأمنى الحالى فى قرية «أمن الدولة»، فأكد أن أجهزة الشرطة وقوات الأمن فشلت فى توفير الحماية اللازمة، ولم تجد إدارة القرية أمامها سوى الاستعانة بالبدو فى تأمينها واتفق اللواء «جلال قاسم» مدير الجمعية المالكة للقرية، مع رجل بدوى يدعى «أحمد مسعد» من قبيلة الترابين على حراسة القرية وتأمينها مقابل «10» آلاف جنيه شهرياً.. الغريب أن مسعد اشترط عدم وجود أى فرد شرطة فى المنطقة. وبينما نحن نتجول فى القرية رائعة الجمال التقينا بأحد أعضاء مجلس إدارتها.. فسألناه عن قصة بناء قصور أمن الدولة وأجاب بالنسبة لقصرى العادلى والمراسي، فقد تم انشاؤهما على مساحة «36» قيراطاً على البحر مباشرة منذ نحو 10 سنوات، وتم تجديد قصر العادلى منذ عامين تقريباً وخلال أعمال التجديد هذه تعرض العمال لشتى أنواع الذل والاهانة من رجال الوزير الأسبق.. حيث تم إخضاعهم لتحريات شديدة الدقة والصرامة واحتجزهم جهاز مباحث أمن الدولة المنحل لساعات طويلة، وبعد كل ذلك كانوا يحضرون فى سيارات نقل وبعد الانتهاء من عملهم يتم احتجازهم فى مركز شرطة رأس سدر سألناه عن سبب تسمية القرى بهذا الاسم، فابتسم وقال: هى تسمية مجازية سببها أن الأرض مملوكة أساساً لجهاز مباحث أمن الدولة المنحل، والذى سلمها بدوره لشركة «مينا للاستثمار» والتى أنشأت نحو «350» وحدة ما بين قصور وفيلات، وكان الضابط فى أمن الدولة يحصل على فيلا مساحتها 120 متراً بمبلغ 130 ألف جنيه وبالتقسيط المريح، وبعضهم كان يحصل عليها دون مقابل حسب طبيعة المصالح المتبادلة بينه وبين القيادات، وأشار إلى أن الكثير من الضباط باعوا الوحدات التى حصلوا عليها للمدنيين بسعر 400 ألف جنيه للوحدة. بعد أن انتهينا من جولتنا فى هذه القرية المثيرة قررنا العودة إلى القاهرة مكتفين بما حصلنا عليه من صور ومعلومات .. وعلى أبواب القرية استوقفنا أحد العمال وطلب منا توصيله إلى الطريق الرئيسي، وتجاذبنا معه أطراف الحديث، وأخبرنا أنه يومياً كانت تحضر إلى قصر العادلى 4 سيارات مطافئ تابعة لمديرية أمن جنوبسيناء محملة بالمياه لملء خزانات المياه ورى الحديقة .. وأضاف أنه كانت تقام فى القصر حفلات صاخبة خلال فصل الصيف، يحضرها رجال أمن الدولة الكبار، وصفوة المجتمع وفى مقدمتهم اللواء حسن عبد الرحمن - رئيس جهاز مباحث أمن الدولة المنحل- ومن عادة حبيب العادلى أنه كان يحضر إلى قصره برفقة صديقه المقرب وجاره اللواء أسامة المراسى ويجلسان معاً فى الحديقة ويتمشيان حتى باب البحر. سألناه: هل رأيت العادلى داخل قصره فأجاب ضاحكاً: رؤية الملائكة أسهل من رؤية حبيب العادلي.. ونحن لم نكن نرى سوى غبار السيارات التى كانت تحضر فى موكبه.. وإذا تصادف وحضر يوم الجمعة فإنه كان يذهب للصلاة فى مسجد القرية مترجلاً ويحيط به عدد كبير من أفراد حراسته الخاصة، وعدد من ضباط أمن الدولة وأصحاب الشاليهات من الأثرياء. وشدد الرجل على أن العادلى لم يكن يحضر إلى القرية بشكل منتظم بعكس زوجته «إلهام شرشر» ونجله «شريف» اللذين كانا يحضران بصفة مستمرة وكشف كذلك عن أن أسامة المراسى كان يرسل سيارات محملة بشتى أنواع الأسماك ويقدمها قرباناً لحبيب العادلي.