يبدو أن هذه الصفة صارت علما على كل من يحترف هذه المهنة؛ مهنة رسم البسمة على شفاه الناس سواء أكان ممثلا أم مخرجا سينمائيا أو مسرحيا أم كاتبا ساخرا مثل صديقنا الراحل محمد حلمي. دار هذا في ذهني خلال زيارتنا له قبيل رحيله بأيام في المستشفى الذي كان يتلقى به علاجه ببلدته الزقازيق، استقبلنا على فراش مرضه بنشيج يهز صدره العليل يحاول أن يكتمه، وبعينين مغرورقتين بالدموع يحاول أن يداري عبراتهما التي انسكبت تأثرا بزيارتنا له، بينما كنا نحاول عن صدق الاعتذار له عن تقصيرنا تجاهه. لم تكد تمر ثوان قليلة حتى حلت القفشات محل العبرات.. كما حلت البسمات محل الاعتذارات، بعد أن بدأ الراحل محمد حلمي ينسى أو يتناسى أنبوب المحاليل الذي يتدلى إلى ذراعه ويمارس مهنته في إضحاك الآخرين وإسعادهم، فإذا به يواسينا بدلا من أن نواسيه ويسري عنا ويلاطفنا ونحن الذين ذهبنا إليه لنسري عنه ونلاطفه، وكنا أربعة أنا والزملاء عامر محمود وسيد حمودة وطارق مغربي، وخلال الدقائق المعدودة التي قضيناها معه وزع علينا بالعدل قفشاته الساخرة والساحرة في لماحية وذكاء نادرين يحسده عليهما الأصحاء وهو في سرير مرضه، فقد كان منا من لم يلتق به من قبل إلا عبر الهاتف ومنا من لم يلتق به منذ سنين. رحم الله الراحل محمد حلمي رحمة واسعة وأثقل ميزان حسناته بسخريته اللاذعة من مساوئ عصره، وبسماته التي أسعد بها الناس وسرى بها عن همومهم ومشكلات واقعهم وحياتهم.