لن يختلف أحد في أن علم نقل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علمٌ بشري، والناقل قد ينقل عن الرسول نقلا دقيقا صحيحا، ولكنه أيضا قد ينقل بالظن والاحتمال، فالمستقر عليه عند علماء نقل الحديث أن الصحابة نقلوا حديث رسول الله بالمعنى وليس باللفظ، والنقل بالمعنى يرتبط دائما بما فهمه الناقل، ولكن هذا الأمر أحدث مرافقة غريبة، إذ بسبب أن الذهن تختلط عليه الأشياء فقد طلب الله منا أن نكتب، فالكتابة هي التي ستحفظ الخبر، فإذا تداينا بديْن إلى أجل معين فلنكتبه، فإذا أخذ "فلان" من "علان" مبلغ "كذا" على سبيل القرض الحسن فليكتبا هذا القرض مصداقا لقوله تعالى "إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمىً فاكتبوه" وقال لنا الله سبحانه أنه "علَّم بالقلم" وأقسم قائلا "والقلم وما يسطرون" وحينما ذهب الرسول إلى المدينة كتب دستورا ينظم العلاقة بين أهل تلك الدولة الناشئة، فجعل ما ينظم علاقات الناس بعضهم البعض مكتوبا حتى لا يحدث خلاف بينهم. ولكن إذا كان للكتابة هذه الأهمية، وكان الله قد فرضها في الدَّيْن، ألا يفرضها في الدِين؟ أيهما أولى بالكتابة، تلك الدنيا التي سنغادرها، أم ذلك الدين الذي ستستقيم به حياتنا وتصلح به آخرتنا؟! لن تختلف معي في أن الدِين هو الأولى، فإذا كان ذلك كذلك فهل لك أن تتعجب من أن الرسول أمر بتدوين القرآن، ثم نهى عن تدوين الحديث! أظن أن علماء الأحاديث الشوامخ لا يخالفوني في هذا، ولكنهم يقولون: لقد فعل هذا في بداية الدعوة لكي لا يختلط القرآن بالسُنّة، ولكنه عاد وسمح بكتابة الحديث، هذا أمرٌ حسن، إلا أنني أسألهم: أين الحديث الذي يقول فيه الرسول: كنت قد نهيتكم عن كتابة الحديث ألا فاكتبوه؟ والإجابة هي لا يوجد حديثٌ بهذا المعنى! والسؤال الثاني: ما هي الأحاديث التي وصلت إلينا بالكتابة وليس بالنقل الشفهي؟ والإجابة لا يوجد! ولن يرد أحد من علماء نقل الحديث على هذين السؤالين لأنه لم يكتب صحابيٌ حديثا للرسول، وإلا أين هو الحديث المكتوب؟