تهدأ سيارة "الميكروباص" من سرعتها حين تصل إلى منطقة "الجزارين" بالوراق، فينزل "ياسر صبحي" موظف درجة "لا بأس بها" بإحدى الشركات، في صحبة أخيه الأكبر، يقف لحظة على الجانب المقابل لصف محال الجزارة الذي لا نهاية له، الذبائح تتدلى بالعشرات، أصوات سيدات "المدبح" تستجدي المارة لشراء "حلويات" العيد، ينظر في الأفق ويفكر في حجم المبالغ التي سيدفعها عند عبور طريق السيارات فقط، والخوض في دهاليز سوق الجزارين. يقول ياسر: "زمان واحنا عيال كان أبويا بيجيب الخروف ب500 جنيه يكفينا ويكفي أهل المنطقة، دلوقتي الواحد مش عارف يشتري 5 كيلو على بعضهم"، ويذهب بعيدا بخياله إلى أيام كانت للعيد فرحة تكمن في ابتسامة فقير ممكسك بكيس لحم ويخرج من منزل العائلة، لكن ارتفاع سعر اللحم هذا العام اضطر ياسر وأخوه أن يشتريا لهما فقط، ما يحتاجه المنزل، "احنا بقالنا فترة بنيجي من إمبابة للوراق نشتري اللحمة لأنها أرخص من برة بكتير". ارتفاع سعر اللحم هذا العام إلى 150 جنيهًا ل"الكندوز" اضطر أيضا "أم حسام" السيدة الأربعينية القاطنة بمنطقة إمبابة والتي حضرت خصيصًا لفرم لحم "كفتة الأرز"، إلى أن تشتري لحم عيد الأضحى "جملي"، "الجملي ب 110 بس مش زي التانية، ولادي مبيحبوهاش بس بضحك عليهم علشان مش معايا أجيب 5 كيلو بلدي"، تتذكر أم حسام وقفتها في ذات المحل منذ عشرين عامًا، حين تزوجت حديثًا، وجاءت لتشتري 15 كيلو وكان الكيلو حينها لا يتعدى العشرين جنيهًا، "دلوقتي علشان فرحة العيد بس مضطرين نشتري 2 كيلو ولا 3". سوق الجزارين ويضع محمد أحد أصحاب محال الجزارة بسوق الجزارين، يديه خلف رأسه، يتأمل الذبائح وهي تتراص أمامه، في انتظار زبون قد لا يأتي حتى يوم الوقفة، "السوق نايم، قبل كدة مكنتيش تعرفي تحطي رجلك هنا، كنت أدبح 40 دبيحة يخلصوا يوم الوقفة بس"، أما الآن فالوضع مختلف فيؤكد محمد على أنه منذ مساء الأمس وحتى اليوم لم ينته من بيع 10 ذبائح، "اللحمة غليت 60 جنيه عن السنة اللي فاتت، بحاول أساعد وببيعها ب130 بدل 150 لكن مفيش فايدة". ويتفق معه "سعد الشويخ"، صاحب محل كبير بذات المنطقة، قائلًا: "مفيش بيع، اللحمة غالية والحال واقف، كل كام ساعة لما ييجي زبونين تلاتة"، فيبدو أن أنباء حلول العيد بعد ساعات من الآن لم تصل بعد إلى آذان المصريين التي ثقل سماعها من كثرة ما تلقت.