استسلم العديد من الأشخاص لشيطانهم، ولم يراعوا حرمة الدم أو الصداقة، أعماهم غضبهم، وخسروا أعز ما لديهم في لحظة، ولم يدركوا هول ما فعلوا إلا بعد فوات الأوان، وأصبحو على ما فعلوا نادمين.. الواقعتان اللتان أمام محقق "فيتو" في السطور التالية تعدان خير مثال لذلك.. في الأولى قتل طفل في الرابعة عشرة من عمره والده بسبب 5 جنيهات، وفى الثانية قتل شاب صديقه المقرب بسبب مشاجرة على "مخدة".. وإلى التفاصيل: في منطقة المطرية الواقعة بشرق القاهرة أفاق الأهالي بشارع عبد الستار عبد الغفار، على صراخ سيدة تقول: "الحقونا أخويا ابنه قتله"، هرول الأهالي في لمح البصر إلى مكان الصوت، ليجدوا رجلا يضع يده على جرح في صدره ينزف دما غزيرا، يجلس على سلم المنزل متكئًا على صدر شقيقته التي لا تملك حيلة وتنادى بإنقاذه.. انتاب الحاضرون حالة من الفزع الممزوج بالدهشة وسألوا المصاب: "ماذا حدث ومن طعنك في صدرك؟".. أجاب المجنى عليه بصوت خافت تخالجه سكرات الموت: "ابنى مصطفى طعننى بسكين قاصدا قتلى".. خارت قوى الرجل أكثر فأكثر وعجز عن النطق بأكثر من تلك الكلمات.. حملة الأهالي ووضعوه داخل سيارة ملاكى، وانطلقوا به مسرعين إلى المستشفى في محاولة لإنقاذ حياته، وفى الطريق كان ملك الموت حاضرا، وأبى أن يصل الرجل إلى المستشفى للعلاج، وقبض روحه بعد أن دل على قاتله.. وصلت السيارة إلى المستشفى وتم اتخاذ الإجراءات الإدارية اللازمة، بعدها وضع جثمان المتوفى في ثلاجة الموتى، وتم إبلاغ الأجهزة الأمنية بوصول جثة لرجل مصابا بجرح طعنى نافذ في الصدر مع وجود شبهة جنائية في الحادث.. انتقل رجال المباحث إلى المستشفى وأجروا معاينة مبدئية وظاهرية للجثمان، ثم انتقلوا إلى منزل المجنى عليه لاستكمال التحقيقات وجمع المعلومات.. هناك وجدوا ابن المجنى عليه الذي لا يتجاوز عمره 14 سنة، محبوسا داخل غرفة مظلمة ويبكى بكاء حارا، ويهذى بكلمات مفادها أنه غير مصدق لما فعل، وأنه لم يكن يقصد قتل والده.. اصطحب رجال المباحث الطفل القاتل وأثناء خروجه، اعترضت عمته طريقه، وراحت تسبه وتلعنه وتعاتبه على قتل شقيقها الذي ينفق عليها ويتكفل بعلاجها. داخل قسم الشرطة جلس "مصطفى" مرتبكا مذعورا لا يدرى ماذا يقول ولا يعلم أي مصير ينتظره.. سأله المحقق: "لماذا قتلت والدك؟".. أجاب بلا تردد وبكلمات مرتبكة: "قتلته علشان هو يستاهل كده.. لو كان أعطانى ال "5" جنيه مكنش زمانه ميت دلوقتى".. لاحظ المحقق ارتباكا شديدا في كلمات الطفل المتهم، فهدأ من روعه وطلب منه أن يتحدث بهدوء ويسرد حكايته.. تنفس مصطفى بعمق قبل أن يستطرد: "أنا طالب في المرحلة الإعدادية، عمرى 14 سنة.. نشأت في أسرة بسيطة، غير أن والدى كان يكره أمى واعتاد ضربها وسبها على مرأى ومسمع من الجيران، وكان يكرهنى أيضا ويضربنى بعنف لأننى ابنها، ويقول لى "انت شبه أمك.. أنت مش ابنى.. أنت ابن حرام"، والجميع كان يعايرنى بهذا الأمر خصوصا زملائى في المدرسة، لدرجة أننى في كثير من الأحيان كنت لا أذهب للمدرسة خوفا من نظرة السخرية التي أجدها في عيون الجميع".. توقف الطالب فجأة عن الكلام وسأل المحقق: "من منكم لا ينفق على أبنائه؟ وأجاب على نفسه: "بالطبع لا يوجد بينكم من لا ينفق على أولاده.. أما أبى فامتنع عن الإنفاق عليَّ، ولا يعطينى أي مصروف، وامتنع عن شراء الملابس لى، ورفض إعطائى دروسا خصوصية، وأراد أن يحرمنى من التعليم.. لم أطلب منه إلا أبسط الأشياء، وأيضا أبى أن يعطيها لى". قاطعه المحقق متسائلا: "ماذا حدث ليلة الجريمة؟".. أجاب القاتل الصغير: "اتفقت مع مجموعة من أصدقائى على الخروج معا والجلوس على إحدى المقاهى القريبة من منزلى، وطلبت من والدى خمسة جنيهات فقط، كى أتمكن من الخروج معهم، غير أنه ثار وهاج وراح يوجه لى السباب والشتائم، وقال لى "امشى اخرج برة.. انت ابن حرام.. روح اشتغل أو سيب البيت.. أنا هاتجوز ومش عاوز أشوفك هنا وزوجتى الجديدة موجودة".. ثم لطمنى على وجهى.. دارت بى الدنيا وفقدت السيطرة على أعصابى، ولم أشعر بنفسى إلا وأنا أمسك سكينا حادة وأغرسها في صدر والدى، وعندما شاهدت الدماء تتدفق منه، دخلت إلى إحدى الحجرات واختبأت بها انتظارا لمصيرى.. خرج والدى وهو ينزف وشاهدته عمتى التي راحت تصرخ حتى تجمع الجيران".. وأنهى الطفل المتهم اعترافاته قائلا: "بالطبع أنا نادم على جريمتى، ولكنه الشيطان الذي سيطر على عقلى، وتصرفات والدى التي جعلتنى أعيش في ذل ومهانة أمام الجميع، وأنا الآن لا أملك سوى انتظار كلمة المحكمة التي ستحدد مصيرى".. حررت الأجهزة الأمنية محضر بتفاصيل الجريمة، وعرضت المتهم على النيابة العامة التي أمرت بإيداعه إحدى دور الرعاية تمهيدا لمحاكمته وفقا لقانون الطفل. أما منطقة الشرابية بالقاهرة، فقد شهدت هي الأخرى جريمة غريبة، فيها قتل شاب صديقه بسبب مشاجرة على "مخدة".. أحداث الجريمة كما رواها شهود عيان للمحقق بدأت عندما فوجئ أهالي أحد شوارع الشرابية بمشادة كلامية بين اثنين من الشباب يقيمان في شقة واحدة، وتبادل الاثنان السباب والشتائم.. حاول الأهالي فض هذا التلاسن غير أنهم فشلوا، وتطور الأمر إلى تشابك بالأيدى، وكل ذلك بسبب "مخدة".. خرج صديق أحد الشابين، ويدعى سيد وطلب منهما إنهاء الخلاف فالموضوع لا يستحق الشجار.. وأيضا لم يستمع الشابان إلى كلامه، وشاهد صديقه "سامح"، وقد أمسك سكينا محاولا قتل الشاب الذي يتشاجر معه.. نزل سيد مسرعا في محاولة لإنهاء الموقف، غير أن سامح سدد ضربة قوية بالسكين قاصدا قتل الشاب الذي يتشاجر معه، فاستقرت السكين في جسد صديقه سيد، فسقط قتيلا في الحال. تم إبلاغ أجهزة البحث الجنائى بالقاهرة، التي انتقلت إلى مكان الحادث، وألقت القبض على القاتل الذي اعترف بجريمته قائلا: "سيد هو صديق عمرى، درسنا معا في مراحل التعليم المختلفة، وكثيرا ما دخلت منزله وكانت والدته تعد لى الطعام وكان بمثابة شقيقى المقرب.. يوم الحادث فوجئت بصديق لى يأخذ "المخدة" التي أنام عليها، وعندما طالبته بها رفض، فتشاجرت معه وهنا تدخل صديقى "سيد" لمنعى من الاعتداء عليه بالضرب باستخدام سكين، وعندما حاولت طعن زميلى الذي استولى على المخدة أصبت صديقى سيد بطريق الخطأ".. تم تحرير محضر تضمن اعترافات المتهم كاملة، وأحيل إلى النيابة التي تباشر التحقيق.