لاشك أن برلمان الثورة نموذج متفرد لبرلمان لم نر مثله منذ عشرات السنين ، حتى صار النموذج لدينا مشوها ، كما تعودنا أن نراه بفعل فاسد، ظالم، مسستبد ! فصار الأداء غريبا على البعض، مستهجنا من آخرين .. لكن على كل الأحوال فهو فريد , ورغم هناته فهو سينضج, ويتطور, لعلنا نصل إلى شكل برلمان العالم الحر.... لكن ماهى ملاحظاتى على البرلمان : أولا : هناك شعور بأن المطلوب من هذا البرلمان لم يطلب من أى برلمان آخر، والأمل فى تحقيق ذلك كبير لدى كل من شارك فى هذه الانتخابات وهذا هو الغالب لدى كل الأحزاب والاتجاهات. ثانيا : أن هناك عددا كبيرا من النواب يدخل لأول مرة ومن حسن حظه أنه فى برلمان سقفه مرفوع , لكنه لا يعرف كيف يتعامل معه, ومع زملائه, باعتباره رجل دولة , ومسئول عن أداء تشريعى ، ورقابى ، غير مسبوق. ثالثا : هناك من اعتقد أنه نجح بأصوات محبيه القريبين منه، فى الفهم، والمنهج، لذا فلم يطو صفحة الانتخابات حتى يؤكد أنه صار نائبا لكل المصريين ،الذى هو منهم، ومن اختلف معهم فظهر كأنه فى صراع مع من يخالفه دون أن يتولى مسئوليته فى تجميع الشتات ، ورأب الصدع، وتغليب المصلحة العامة. رابعا : هناك من النواب - وهم عدد قليل- من يتصور أنه فى ميدان التحرير، فيتعامل بنفس المفردات ، ويؤدى بنفس المواقف ،وكأنه يخاطب المتظاهرين فى ميدان التحرير، بينما الموقع تغير، والمسئولية زادت، والحكمة تتطلب إعادة النظر فيما يقال تحت البرلمان، ورغم اعتقادى أن البرلمان هو امتداد للميدان، إلا أنه يجب التفريق بين الأعمال هنا وهناك، لأن النتائج تتغير، فالمطلوب النظر كيف نستفيد من زخم برلمان الثورة، لقيادة مصر إلى بر الأمان وكيف نستعيد حالة التوافق التى أنجحت الثورة لإنجاح أداء البرلمان. خامسا : أتفاءل مع كل يوم يمر تتقارب فيه الشخصيات, وتتعارف, وتتواصل, فى حوار لم يكن متاحا من قبل, وهو ما يؤدى إلى حالة النضج المستهدفة، كى نحقق أهداف الثورة، ونحمى مصر من التمزق المراد لها من فلول الداخل، ومتربصى الخارج. سادسا : البعض يطالب المجلس بقرارات فورية, لإقالة حكومة ,أو تشكيل حكومة.. أو عزل وزير, أو رئيس وزراء ,وينسى البعض أن مهمة المجلس ليست تنفيذية لكنها رقابية, قد تجبر التنفيذيين على فعل ما نريد ، أو تشريعية تضع الحصان أمام العربة، كى يتحقق مراد الثورة من تغيير، وتطهير، وتنمية، وعدالة اجتماعية، لكن تلاحق الأحداث ، وإصرار البعض على إشغال وإرباك المجلس كى لا يتفرغ لهذه المهمة مع مهاجمته والإساءة له باستمرار لينشغل بالدفاع عن نفسه يجعل الموقف العام على غير ما نتمنى ! لذا التوافق والتركيز واستحضار خطورة الموقف والتعامل بحكمة مع الأحداث ووحدة الصف قادرة على تجاوز كل ما يحاك للمجلس. أخيرا..إن صمت وزير الداخلية فى الجلسة الطارئة لهو أبلغ تعبير عن عجزه فى إدارة الوزارة ، وسيطرة الفلول على الإدارات المركزية بها وهو ما يحتاج إلى وضع تصور تشريعى فى قانون الشرطة وهناك آلاف الخريجين على استعداد للعمل بالشرطة بعد تأهيل 6 أشهر كما يحدث مع الأكاديمية الحربية وبذلك يخرج لنا جيل جديد من ضباط الأمن أطهار لم تلوث أياديهم فى يوم بدماء المصريين ، أو النيل من كرامتهم. فى الجلسة الطارئة جاءتنى اتصالات كثيرة تحدثنى عن أنبوبة البوتاجاز الغائبة والصرف الصحى الذى أغرق القرية بعد مطر غزير' وترخيص السيارة التى تفتح البيت فأعود من الحالة الثورية إلى حالة أخرى تحتاج موازنة وتفاعل دون خيانة للثورة او دماء الشهداء.