يجب على الدولة الرشيدة أن تعطى الأولوية لبناء الإنسان ورعايته لأن المواطن هو الثروة الحقيقية على هذه الأرض ما قدمته الإمارات لمصر فى حرب أكتوبر كان واجباً ملزماً ولم نتأجر به يوماً لأن هذا حقها علينا. هو حكيم العرب عن جدارة،صاحب أياد بيضاء على مصر،التى كان يقدرها ويحترمها ويعتبرها الشقيقة الكبرى للعرب،ويرى فى قوتها قوة لهم،وفى ضعفها ضعفا لهم،وجدته كما قرأتُ عنه، ذا سمات إنسانية ، واضح الذاتية ، وطيد الأصالة ، مفتوح الطموح ، رشيد التصرف ، كريم المنزلة ، غير منكمش ولا هياب ، جم القدرة على الابتكار والإبداع. الرجل، الذى لم يُعرف عنه أي نقيصة أو تقصير في أداء واجبه نحو الغير ، أو نجدة المضطر إليه ،استضافنى فى عالمه الآخر،الذى رحل إليه قبل نحو 9 سنوات، مُرحبا بإجراء حوار حصرى مع فخامته،عن المشهد المصرى،وما أصاب المصريين من غم وكرب عظيم فى زمن الإخوان المسلمين،وهو من حذر من شرورهم،ودعا إلى إقصائهم من الحياة ووصفهم ب»الفسقة»،كما تطرق الحوار إلى أمور شتى،لعل من بينها الدور الذى تحاول قطر أن تجسده،على حساب مصر. لا أخفيكم سرا أننى كنتُ أعتزم أن أستهل الحوار بأسئلة عن كشك «قطر»،كما كان يسميها،وليس «دولة»،كما يسميها حكامها،وتصفها قناة «الجزيرة»،إلا أن فخامة الشيخ «زايد بن سلطان»،رئيس دولة الإمارات العربية الراحل،وحكيم العرب،كان له رأى مخالف،حيث آثر أن تكون ضربة البداية عن «الإخوان المسلمين»،لا سيما فى ظل توقيف خلية إخوانية،فى بلاده،كانت تخطط لإشاعة الفوضى وزعزعة الاستقرار،فقلت له:أعلم أنك لم تتعاطف يوما مع الإخوان المسلمين،فلماذا؟ فأجاب :»الإخوان المسلمون فسقة،ويجب على الجميع أن يتناصروا عليهم، والتآزر ضدهم،ويجب تعريتهم،والتعاون عليهم لتطهر الأرض بدمهم..إنهم يتصرفون بتصرف الكفرة،والأرض التي نجسوها بدماء الأبرياء لا تتطهر إلا بدمهم ،ولا حوار معهم، فهم أصحاب تقية، وعندهم أجندات،ومن يرغب منهم بالحوار فعليه أن يسلم كل ما لديه ويفصح من هو خلفه ويدعمه،ويجب وضع الأعين عليهم ومتابعتهم..وأعتقد أن أولادى قادرون على كسر شوكتهم». توقف الرجل قليلا،ثم ارتشف شربة ماء،قال بعدها:بصراحة.. هذه فضيحة كبرى تفضح نوايا الإخوان المسلمين المتعطشين للسلطة وللحكم باسم الدين والدين برىء .. كيف يتآمرون على الإمارات الحضن الدافئ لآلاف المصريين والملاذ الآمن لهم والسد المنيع الذى حمى مصر دائما وأبدا من المصاعب والمتاعب»،ثم وقف الرجل،وترجل،ثم أردف:» «ليس هذا فحسب، فلحم أكتاف الإخوان المسلمين من أموال الإمارات .. العز والنعيم المقيم اللذى يرفل فيه أثرياء الإخوان من أموال الإمارات.. لكن للأسف..هؤلاء هم الإخوان ينكرون الجميل ولا يحفظون عهدا ولا وعدا». بعدما هدأ مضيفى قليلا،سألته سؤالا،أعترف بأنه لم يكن موفقا،حيث سألتُه عن صديقه الرئيس السابق حسنى مبارك وما آل إليه من مصير،فذرفت عيناه بالدمع،ثم أردف:لا أريد أن أقول كلاما يغضب قطاعا كبيرا من المصريين،ولكن دعنى أؤكد أن «مبارك» كان رجل دولة بحق،كان حريصا على بلاده،وكان لا يثير السخرية بحوارات أو مواقف مخزية،كالتى يقترفها رئيسكم الإخوانى.. مبارك لم يهن نفسه أو بلده الكبير مصر،كما يحدث الآن..فقلبى يبكى دما على مصر» قلت:إذن..فخامتكم لستم راضين عن أداء الرئيس المصرى الحالى،فأجاب: أعتقد أن معظم المصريين،إن لم يكن جميعهم،نادمون على وجود الرئيس فى سدة الحكم،فالرئيس الذى ينشغل عن شعبه،ويفشل فى تحقيق أدنى احتياجاته لا يجب أن يبقى يوما فى منصبه،كما لا ينبغى أن يرحمه شعبه. قلت:ما رأيك سيدى فيما تصنعه قطر مع مصر،وتظاهرها بدعمها لها،والتعامل معها باعتبارها صغيرة؟ التزم الشيخ «زايد» الصمت قليلا،ثم قال:أنتم من فعلتم ذلك بأنفسكم،أنتم من جعلتم الصغار يتقافزون على أكتافكم،ثم تساءل فى حسرة: هل جاء اليوم الذى تتخيل فيه هذه الدويلة التى لا تعدو كونها «كشكا» صغيرا،أنها كبيرة..إنها لإحدى الكُبر..ثم استطرد: أذكر عندما كنتُ رئيسا،وقبل سنوات من رحيلى،لقد طلبت من أبناء الإمارات أن يستثمروا أموالهم فى مصر، لأن نهضة مصر من نهضة العرب كلهم ، وأوصيت أبنائى بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر ، وهذه هى وصيتى أكررها لهم أمامك، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم..فهذا واجب مصر على العرب،فمصر هى من صنعت حضارة الخليج العربى». قلت:« البترول العربى لن يكون أغلى من الدم العربى»..هل تذكر من قال هذه الكلمات؟ نظر الرجل إلىّ فى دعة،ثم ابتسم،وبعدها أجاب:أنا من قلت ذلك إبان حرب أكتوبر المجيدة،عندما أوقفت تصدير البترول،تضامنا ودعما ومساندة لمصر...فجميع إمكانياتنا وليس البترول وحده وضعت في خدمة معركة العرب الكبرى بدون حدود أو تحفظ». قلت: وماذا قدمت الإمارات لمصر بعد حرب أكتوبر؟ أجاب الشيخ «زايد»:ما قدمته الإمارات لمصر بعد الحرب،كان واجبا ملزما لها فهذا حق مصر علينا ولم نتاج به يوما،حيث قمنا بدورنا فى إعادة إعمار مدن قناة السويس،التى دُمرّت إبان العدوان الإسرائيلى عليها عام 1967 ، وفى كل مدينة من هذه المدن حى كبير باسمى ،تقديرا وعرفانا من الحكومات المصرية المتعاقبة،قبل أن تأتى ثورتكم بوزير إخوانى غضب عندما وجد اسمى على واجهة مستشفى جديد،ووجه بتغييره فورا..ولعلمكم،أنا أفخر بإطلاق اسمى على مدن ومنشآت مصرية،ولكن تلك الواقعة التى قام بها الوزير،أزعجتنى،وأكدت لى أن مصر التى أعرفها وأعرف شعبها،تغيرت جذريا إلى الأسوأ،وما كان هذا ليحدث لولا جماعة الفسقة،فنظامكم يفتقد إلى الرجال الحقيقيين،فبناء الرجال، أصعب من بناء المصانع «. قلت:حديثك عن الإنسان،يدفعنى إلى سؤالك عن دوره فى صناعة نهضة الأمم؟ فرد مازحا:فلنحذف مبدئيا كلمة «النهضة» من السؤال،ولنستبدلها ب«التنمية» مثلا،وأنت تفهم السبب طبعا،فقلت:أكيد!! فأردف:« الإنسان هو أساس أي عملية حضارية.. فالاهتمام بالإنسان ضروري لأنه محور كل تقدم حقيقي مستمر مهما أقامت الحكومات والأنظمة من مبان ومنشآت ومدارس ومستشفيات ..ومهما مدت من جسور.. فإن ذلك كله يظل كياناً مادياً لا روح فيه .. وغير قادر على الاستمرار، إن روح كل ذلك الإنسان. الإنسان القادر بفكره ،القادر بفنه وإمكانياته على صيانة كل هذه المنشآت والتقدم بها والنمو معها ..وفى بلادى..لم تكن عملية التطوير والبناء ، خاصة بناء الإنسان عملية سهلة .. بل كانت مهمة شاقة اقتضت وتقتضي مزيداً من الصبر والحكمة ،ويجب على الدولة ان تعطي الأولوية في الاهتمام لبناء الإنسان ورعاية المواطن في كل مكان من الدولة ،لأن المواطن هو الثروة الحقيقية على هذا الأرض .» قلت:وما الذى يجب على المسئولين فى أي دولة رشيدة أن يصنعوه من أجل الإنسان؟ فأجاب الشيخ «زايد»:»إن السنوات القادمة تتطلب من الوزراء والمسئولين جهداً أكبر وعملاً دئوباً، ونكراناً للذات وتجديداً وتحديثاً لمختلف الأمور والاعتماد على العمل الميداني واللقاء المباشر مع المرءوسين وتلمس الحقائق في مواقع العمل التي تحتاج إليها التنمية في البلاد وأن يرى المواطن بعينيه الوزير والمسئول في هذه المواقع ويحاوره وجهاً لوجه في متطلبات الإنسان والأرض.. وعلينا أيضا أن نحسن رعاية الأبناء وتوجيههم التوجيه السليم ،فكل منا مسئول وراع ،وعلينا أن نحسن هذه الرعاية كما أحسن الله رعايتنا ..واهتمامنا بالشباب لابد أن تكون له المكانة الأولى فهؤلاء الشباب هم الجند وهم الموظفون وهم أمل المستقبل .. بناء الإنسان المصرى في المرحلة المقبلة ضرورة وطنية وقومية تسبق بناء المصانع والمنشآت لأنه بدون الإنسان الصالح لا يمكن تحقيق الازدهار والخير لهذا الشعب..وإجمالا فإن الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس المال والنفط ، ولا فائدة في المال إذا لم يسخر لخدمة الشعب ،و المواطن هو الثروة الحقيقية على هذه الأرض، وهو أغلى إمكانيات هذا البلد ،ولا تنمية للقدرة المادية بدون أن تكون هناك ثروة بشرية وكوادر وطنية مؤهلة وقادرة على بناء الوطن، و لا فائدة للمال بدون الرجال، فالمال زائل كالمحروقات.» c.v ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1918 ، في مدينة أبو ظبي ،وقد سُمي على اسم جده الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان ،الذي حكم إمارة أبوظبي منذ العام 1855 إلى عام 1909. تولى حكم مدينة العين عام 1946. تولى إمارة أبوظبي في 6 أغسطس 1966 انتخب حاكماً للاتحاد التساعي في 21 أكتوبر 1969 صنع مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم دولة الإمارات العربية المتحدة فقد بدأت اتحادا بين إماراتيهما أبو ظبي ودبي، على أن يدعى باقي حكام الإمارات لهذه الوحدة، فلبوها في 2 ديسمبر من 1971. انتخب رئيسا لدولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر 1971 اتخذ قرارا بمنع البترول عن الدول المساندة لإسرائيل في 1973 اختير رجل البيئة والإنماء عام 1995 توفى الشيخ زايد فى 2 نوفمبر عام 2004. -وصفه البريطاني «إنطوني شبرد» في كتابه «مغامرة في الجزيرة العربية» قائلاً : كان رجلاً يحظى بإعجاب ، وولاء البدو الذين يعيشون في الصحراء المحيطة بواحة البريمي ، وكان بلا شك أقوى شخصية في الدول المتصالحة ..كان واحداً من العظماء القلة الذين التقيتهم