«الخارجية» تحذر من بيانات سفارة واشنطنبالقاهرة.. وسياسيون ودبلوماسيون يعتبرونها تحريضا على العنف تحذير غامض من هجوم إرهابي محتمل، أصدرته سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى رعاياها في القاهرة، وطالبت فيه الدولة المصرية باليقظة والحذر، دون أي تنسيق يذكر مع الأجهزة المصرية، أو إعلامها بالمعلومات المتوافرة لدى السفارة بالمخالفة للقانون الدولي، وقبل أن تسيطر الأجهزة الأمنية المصرية على غضبها من التصريح المثير للاستفزاز، والذي انتقدته علنًا، تحققت «نبوءة أمريكا»، وارتكب إرهابيو داعش «كارثة المنيا»، التي أسفرت عن استشهاد 29 مصريًا قبطيا، حتى مثول الجريدة للطبع، وإصابة 28، معظمهم من الأطفال، ما فجر مئات الأسئلة عن الخلفيات المعلوماتية الأمريكية، وأسرار مراقبتها للحركات الحاضنة للتطرف في مصر، والتنافر الواضح في التنسيق بينها وبين الأجهزة المعنية. اللغز الأمريكي ليس جديدا، والمتابع لتحركات الولاياتالمتحدة تحديدا في المنطقة، يعلم أنها تبدو كأنها تريد إلصاق سجادة من الصمغ الساخن، خلف قراراتها، حتى لا يمكن لأحد تفسيرها، على نحو يظهر الحقائق الخفية لها، فكما أعلنت عن حادث المنيا، قبلها ب«48 ساعة»، كان لها صولات وجولات من قبل، في الإعلان عن حوادث وتفجيرات، فجرت جدلا لم ينته إلا بوقوع كوارث. ماذا حدث قبل كارثة المنيا؟ فور إطلاق التحذير الأمريكي، قبل يومين من الحادث المروع في أطراف المنيا، كان السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، يعبر بمنتهي القوة عن انزعاج مصر الشديد من البيان التحذيري الصادر عن السفارة الأمريكيةبالقاهرة للرعايا الأمريكيين، والذي حذر من الوجود في الأماكن العامة والتجمعات نتيجة «تهديدات أمنية محتملة» يمكن أن تتسبب فيها «حركة حسم» أحد أهم الأذرع الإرهابية للإخوان. فضح «أبو زيد» ما يمكن أن نسميه تعتيمًا من السفارة الأمريكية، على معلومات لم تبح بها للحكومة المصرية، قبل الإقدام على إعلانها، وكذلك عرى عدم تنسيقها حتى مع وزارة الخارجية، التي لم تخطرها السفارة بأي طريقة بأسباب إصدار هذا البيان، أو طبيعة التهديدات الأمنية المشار إليها، ما يثير علامات استفهام، حول الأسباب الحقيقية لإصدار البيان بهذا الأسلوب. «الخارجية» لم تصمت رغم هجومها الشديد على أمريكا، وبادرت بالاتصال بسفارة الولاياتالمتحدة في القاهرة، للاستفسار عن سر بيانها المريب، فقوبل الاستعلام بنفي امتلاك السفارة أي معلومات محددة، أو تفاصيل أكثر عمقًا، من تلك التي وردت في البيان المريب، واعتبرته إجراءً روتينيًا احترازيًا، يتم القيام به خلال فترات العطلات الممتدة، التي تزداد فيها تجمعات المواطنين في الأماكن العامة، وهو الأمر الذي لم يقنع الخارجية التي استنكرت مرة أخرى إصدار بيانات غير مبررة، يمكن أن يكون لها تأثيرات سلبية للغاية على الاقتصاد المصري. تاريخ من التعتيم وتحفل السلوكيات الأمريكية، بتاريخ من التعتيم والجمود ومفاجأة الأجهزة الأمنية المصرية، بمعلومات في منتهى الخطورة، على شاكلة المعلومات التي فجرت بها حالة من الجدل والخوف قبل حادث المنيا، ونرصدها على النحو التالي، آخرها كان تحذيران يتشابهان في الدلالة والقرائن، للتحذير الحالي. ديسمبر 2016 نهاية العام الماضي، أصدرت الخارجية الأمريكية بيانا باللغة الإنجليزية، وقدمت فيه نصائح للسفر بمناسبة عطلات عيد الميلاد ورأس السنة، مؤكدة أنه في الوقت الذي كانت تسعى فيه مصر لتعزيز الوجود الأمني في المواقع السياحية، بما في ذلك منتجعات البحر الأحمر، وسواحل البحر المتوسط والأقصر وأسوان، هناك أيضا احتمالية كبرى لشن هجمات إرهابية في أي مكان بالبلاد. وحذرت الخارجية الأمريكية، في بيانها المنشور على موقعها الإلكتروني، الأمريكيين من السفر إلى الصحراء الغربية، وشبه جزيرة سيناء خارج منتجع شرم الشيخ، واعتبرتها أماكن خطرة يجب الامتناع عن زياراتها، واستندت في ذلك إلى الحملات التي يشنها الجيش المصري ضد "الجماعات الإرهابية في شمال سيناء والحدود الغربية بالقرب من ليبيا، وذيلت بيانها بالإشارة إلى هجمات عدة، وقعت في مصر خلال الشهر الذي أصدر فيه البيان، ومن بينها الهجوم الذي استهدف كنيسة ملحقة بالكاتدرائية المرقسية، وراح ضحيته، 27 شخصًا. وأكدت السفارة أن السلطات المصرية عززت من الوجود الأمني في مختلف الأماكن السياحية، لكن "هجمات إرهابية قد تقع"، بحسب البيان. أكتوبر 2016 لم يكن تحذير ديسمبر، الأول والأخير خلال العام الماضي، بل سبقه ب 60 يوما، تحذير صاعق، تحديدا في أكتوبر، عبر بيان أصدرته السفارة الأمريكية في القاهرة لرعاياها في مصر، وأكدت وجود معلومات عن مخاطر أمنية محتملة، ونصحت رعاياها بتجنب التجمعات الكبيرة مثل دور السينما والمسارح والأماكن المزدحمة ومراكز التسوق والمتاحف والملاعب وقاعات الموسيقى. وطالبت السفارة وقتها أيضا مواطنيها، وخاصة الذين يعيشون في مصر، باتخاذ الحيطة اللازمة، بجميع الأوقات، لكنها كالعادة لم تذكر طبيعة هذه المخاطر المُحتملة وهل هي عمليات إرهابية متوقعة أم لا. وفي الساعات الطويلة التي سبقت حادث المنيا، كان تصريح السفارة الأمريكية، المسيطر على الأحداث، وأحدث جدلا لم ينته، ما بين اعتباره بيانا تحريضيا، أو طريقًا يمكن الاتكاء عليه للحصول على معلومات مهمة، يمكن أن تمنع كارثة محققة، وتبارى أعضاء مجلس النواب المصري، في تفسير الواقعة، وخاصة المقربين منهم إلى مراكز صنع القرار في مصر. من جانبه أكد السفير حسن هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الدولة المصرية معرضة لعمليات إرهابية في كامل أراضي الجمهورية، واعتبر في تصريحات واكبت الحدث ل«فيتو» أن صيغ التحذير من هجوم إرهابي، تقليد متبع في دول العالم، التي تحفل بالتوترات السياسية أو الأمنية، والولاياتالمتحدةالأمريكية ليست وحدها، التي حذرت من وقوع عمليات إرهابية تستهدف الأقباط، لكن السلطات والأجهزة المصرية نفسها، حذرت من ذلك. وحسب رؤية مساعد وزير الخارجية الأسبق، يدخل تحذير سفارة أمريكا لرعاياها في مصر، ضمن نطاق الإجراءات الروتينية، بعد نشر داعش فيديو عن تهديدات للأقباط في مصر، وحركة حسم الإرهابية، فيديو يوضح عملية استهدافها القوات الأمنية. ويشدد «هريدي» على أن أمريكا، لم تكن تمتلك أي معلومات عن الخطة الإرهابية لحادث المنيا؛ لأنها بمجرد علمها بأي تهديد ضد الدولة المصرية، كانت ستبلغ السلطات المصرية، لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وهو ما يعزز تخليها عن روتين التحذير الأمريكي الذي سبق واقعة ضرب الأقباط في المنيا. بينما قال السفير «أحمد القويسني»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، في تصريحات ل"فيتو" واكبت الحدث أيضًا، "إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تنشر تحذيرات لرعاياها الموجودين في الدول المختلفة، فيما يخص حالات التوتر والمناطق ذات الخطورة واحتمالات الحوادث الإرهابية، وتوقعات العمليات الإرهابية القائمة على معلومات استخباراتية ورصد لمجمل الأنشطة الإرهابية والعنف واستخدام القوة وتحركات الجماعات الإرهابية". ويرى القويسني، صعوبة في الربط بين التحذيرات الأمريكية والحادث الإرهابي في المنيا، موضحًا أنه إذا كانت الولاياتالمتحدة تستطيع توفير المعلومات الكافية الحقيقية عن الحوادث الإرهابية لكانت نفسها في مأمن من العمليات الإرهابية، موضحًا أنه ليس بالضرورة أن تكون أمريكا على علم بالحادث الإرهابي لتبلغ السلطات المصرية، مردفًا: هذه أمور قائمة على اتفاقيات تعاون بين الجانبين ومدى العلاقات بين الأجهزة الأمنية في البلدين. وتتابع: التحذيرات أحد الأنشطة الرئيسية التي تقوم بها كل الدول، ولا ترتبط بالناحية الأمنية فقط، بل تشمل التحذيرات من الأوبئة والكوارث الطبيعية من انهيارات جليدية وخلافه.