يعتبر الجلد السميك من سمات ومعالم حكام عالم اليوم ومن لف لفهم وارتبط بهم وسار على دربهم.. صحيح أننا نعيش فى عالم يمتلئ بالمنغصات والهموم والأحزان والأوجاع، وضغوط الحياة ومشكلاتها وأزماتها، على المستويين الفردى والجمعى، قاسية وعنيفة، وهذه تحتاج لمقاومتها ومواجهتها قدرًا من التبلد، والكلاحة، والنطاعة، حتى يتمكن الإنسان من الاستمرار فى الحياة، والإفلات من أمراض العصر كالسكر والضغط والقولون العصبى والتوتر والقلق والاكتئاب.. الخ، لكن ليس إلى الحد الذى نفقد معه الإحساس بمعاناة الآخرين.. أو الإحساس بالجمال الذى هو أساس السعادة ومتعة الحياة فى هذا الوجود. من البديهى أن هناك فارقًا شديدًا بين صاحب الجلد السميك وبين الحليم.. بين صاحب الجلد السميك وبين أهل الثبات والصمود والتحدى والقدرة على تحمل الأعباء والوفاء بالأمانة والقيام بالمسئولية تجاه الآخرين.. فصاحب الجلد السميك، يكون عادة متبلد الحس، فاقد الشعور بما يجرى حوله، فظًا، غليظ القلب.. غير مدرك بما يفعله من مصائب وكوارث.. لديه كبر فج وغطرسة ممقوتة وغرور ممجوج.. ليس صادقًا ولا صريحًا ولا شفافًا ولا مستقيمًا.. بينما أهل الحلم والثبات والصمود يكونون قادرين على مواجهة الحياة، وفى الوقت ذاته لديهم شعور فياض بالرحمة والرافة، فضلًا عن صفات التواضع ولين الجانب والصدق والصراحة والوضوح والمروءة والشهامة والكرم والبذل والعطاء والفداء.. الخ. من المؤكد أن الجلد السميك درجات.. فهناك السميك، والأسمك، والأكثر سمكا، والسميك جدًا.. صحيح أن كل هذه الدرجات غير مقبولة، وآثارها وتداعياتها غير محتملة، إلا أن هذا النوع الأخير كارثى ومأساوى، خاصة إذا كان حاكمًا أو مسئولًا. أعتقد أن الجلد السميك يولد مع الإنسان، كما يولد الحس الرقيق والشعور المرهف، فهناك طفل متبلد وآخر رقيق.. ومع الأيام وتجارب السنين، أما أن يزداد الجلد السميك سمكا وغلظة، أو يستمر على حاله.. وقد تتداركه عناية الله تعالى فيرق جلده.. ولله فى خلقه شئون.. من المؤكد أن التعليم الجيد والتربية الصحيحة والثقافة الرفيعة، فضلًا عن الانفتاح على الآخرين ومحاولة مشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، يقلل كثيرًا من الجلد السميك، بل يحد من آثاره السلبية الى درجة كبيرة.. وإذا كان العلم بالتعلم والحلم بالتحلم، فإنه يمكن القول إن صاحب الجلد السميك يمكنه أن يكتسب كثيرا من الصفات الجيدة إذا كانت لديه الإرادة القوية والهمة العالية والعزيمة الصلبة فى التغيير.. أما إذا ركن الى نفسه، واستسلم لرغباتها، وانقاد لضعفها، فسوف يظل على حاله، إن لم يزدد سوءًا.. وهنا يأتى دور المجتمع، بمعناه الضيق والواسع، فصاحب الجلد السميك عادة ما يكون فى أمس الحاجة الى من يعينه على نفسه، ومن يواجهه ويشتد عليه، ومن يقومه حتى يستقيم.. أما إذا ترك وشأنه، فسوف تزداد غلظته وقسوته ويعلو طغيانه.. وعلى المجتمع فى هذه الحالة أن يتحمل مغبة سلبيته وتخاذله وعجزه، وليس له أن يلوم أحدًا إلا نفسه.