قبل أن نلقى ضوءًا على المشروع الإيرانى وعلى الجدل الدائر على الساحة الآن، والصيحات التى انطلقت مؤخرًا من التيار السلفى محذرة من المد الشيعى الايرانى وخطره على مصر نتيجة الاقتراب أو الانفتاح على إيران، من المهم أن نتناول فى البداية المبادئ التى يرتكز إليها الفكر السياسى الشيعى.. فى كتابه "نظام الحكم فى الإسلام، بين النظرية والتطبيق"، يلفت د. أحمد عبدالفتاح أنظارنا إلى أن هذه المبادئ تتضمن 4 مبادئ هى: 1. مبدأ النص والوصية، 2. مبدأ التقية، 3. مبدأ عصمة الإمام، 4. مبدأ المهدية، أو الغيبة والرجعة. ويقصد بالنص والوصية أن النبى صلى الله عليه وسلم نص وأوصى بالخلافة لعلى رضى الله عنه من بعده، وبالتالى فهو أحق بها من أبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم، ومن ثم فالشيعة يعتبرون خلافتهم باطلة، بل يتعرضون لهم، ولام المؤمنين عائشة رضى الله عنها بما لا يليق وصفه أو ذكره.. رغم ذلك فقد أثر عن الإمام على (رضى الله عنه) قوله إنه: "لا نص عليه من السماء"، فضلًا عن تبرئته السيدة عائشة من الحرب التى قادتها.. كما أن أصحابه والذين عاصروه كانوا يعتقدون ذلك أيضًا، وقد استمر هذا الاعتقاد حتى عصر "الغيبة الكبرى"، وهو العصر الذى حدث فيه التغيير فى عقائد الشيعة وقلبها رأسًا على عقب.. يقول الدكتور موسى الموسوى فى مؤلفه القيم "الشيعة والتصحيح، الصراع بين الشيعة والتشيع": "فلنستمع إلى الإمام على (رضى الله عنه) وهو يحدثنا عن هذا الأمر بكل وضوح وصراحة، ويؤكد شرعية انتخاب الخلفاء وعدم وجود نص سماوى فى أمر الخلافة: (إنه بايعنى القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد.. وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضا، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة، ردوه الى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين). ويقصد بمبدأ التقية إعلان الشيعة غير ما يبطنون، وإخفاء الحقيقة فى كل شىء، وكان ذلك بسبب فشلهم فى الحصول على أى انتصار سياسى من خلال المجابهة بقوة السلاح، علاوة على ما جرته عليهم هذه المجابهات من كوارث وماس.. وقد أُثر عن الإمام جعفر الصادق قوله: "التقية دينى ودين آبائى"، وقوله: "من لا تقية له لا دين له".. يقول د. موسى الموسوى: "من الغريب أن بعض رواة الشيعة روى عن الإمام الصادق روايات فى وجوب التقية على شيعته، فى حين أنه وشيعته لم يكونوا فى حاجة إليها".. ويقول أيضا:"ويمكن القول إن العمل السرى المذهبى بدأ من عصر ظهرت "التقية" فيه بمظهر الواجب الشرعى الذى يجب أن يتبعه كل من له فكرة دينية ويخشى أن يجهر بها أمام السلطة الحاكمة أو الأكثرية الإسلامية، ولذلك كان للتقية دور كبير فى إسناد الزعامات المذهبية الشيعية التى ظهرت بعد الغيبة الكبرى، فبالتقية استمرت تلك الزعامات فى نشاطها وفى مأمن من السلطة الحاكمة، كما أن الأموال كانت تصل إليها تحت غطاء التقية أيضًا.. وهكذا أخذت التقية تسرى فى الفكر والعمل الشيعى طيلة قرون عديدة، وأخذت طابعا حزينا فى تكوين الشخصية الشيعية"..ثم يردف قائلا: "وإننى لا أشك فى أن التقية كانت من أهم الأسباب التى أدت الى التخلف الفكرى والاجتماعى والسياسى للمجتمعات الشيعية أينما وجدت".. ثم يقول: "إن التقية فى الفكر الشيعى تجاوزت عامة الناس واستقرت فى أعماق قلوب القادة من زعماء المذهب، الأمر الذى كان السبب فى دعوتنا لتخليص الشيعة من تلك الزعامات، فعندما يرتضى القائد لنفسه أن يسلك طريق الخداع مع الناس فى القول والعمل باسم التقية، فكيف ينتظر الصلاح من عامة الناس؟!"