لا أخفى قلقى تجاه المشروع الإيرانى، لكن فى الوقت ذاته لا أخفى فزعى تجاه المشروع الأمريكى/ الصهيونى فى المنطقة، وشتان بين القلق والفزع.. قبل أن نتناول الحديث عن المشروع الإيرانى وعن الجدل الدائر على الساحة منذ فترة، والصيحات التى انطلقت مؤخراً من التيار السلفى محذرة من المد الشيعى الإيرانى وخطره على مصر، من المهم أن نلقى الضوء فى البداية على المبادئ التى يرتكز عليها الفكر السياسى الشيعى.. فى كتابه «نظام الحكم فى الإسلام»، يشير د. عبدالفتاح إلى أن هذه المبادئ تتضمن: 1- النص والوصية، 2- التقية، 3- عصمة الإمام، 4- المهدية، أو الغيبة والرجعة. يُقصد بالنص والوصية أن النبى (صلى الله عليه وسلم) نص وأوصى بالخلافة لعلى (رضى الله عنه) من بعده، وعلى هذا يعتقد الشيعة أنه أحق بها من الخلفاء الراشدين الثلاثة أبى بكر وعمر وعثمان (رضى الله عنهم)، بل يعتبرون خلافتهم باطلة، ويتعرضون لهم ولأم المؤمنين عائشة (رضى الله عنها) بما لا يليق وصفه أو ذكره.. رغم ذلك أُثر عن الأمام على قوله: «لا نص عليه من السماء»، فضلاً عن تبرئته للسيدة عائشة من الحرب التى قادتها.. كما أن أصحابه والذين عاصروه كانوا يعتقدون بذلك أيضاً، وقد استمر هذا الاعتقاد حتى عصر «الغيبة الكبرى»، وهو العصر الذى حدث فيه التغيير فى عقائد الشيعة وقلبها راساً على عقب.. فى مؤلفه القيم «الشيعة والتصحيح» يقول د. موسى الموسوى: «فلنستمع إلى الإمام على وهو يحدثنا عن هذا الأمر بكل وضوح وصراحة، ويؤكد شرعية انتخاب الخلفاء وعدم وجود نص سماوى فى أمر الخلافة: «إنه بايعنى القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد.. وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة، ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين». ويُقصد بمبدأ التقية إعلان الشيعة غير ما يبطنون، وإخفاء الحقيقة فى كل شىء، وكان ذلك بسبب فشلهم فى الحصول على أى انتصار سياسى من خلال المجابهات بقوة السلاح، علاوة على ما جرّته عليهم هذه المجابهات من كوارث ومآسٍ.. وقد أُثر عن الإمام جعفر الصادق قوله: «التقية دينى ودين آبائى»، وقوله: «من لا تقية له لا دين له».. وفى هذا يقول الموسوى مستنكراً: «من الغريب أن بعض رواة الشيعة روى عن الإمام الصادق روايات فى وجوب التقية على شيعته، فى حين أنه وشيعته لم يكونوا فى حاجة إليها».. ويستطرد قائلاً: «.. ويمكن القول إن العمل السرى المذهبى بدا من عصر ظهرت «التقية» فيه بمظهر الواجب الشرعى الذى يجب أن يتبعه كل من له فكرة دينية ويخشى أن يجهر بها أمام السلطة الحاكمة أو الأكثرية الإسلامية، ولذلك كان للتقية دور كبير فى إسناد الزعامات المذهبية الشيعية التى ظهرت بعد الغيبة الكبرى، فبالتقية استمرت تلك الزعامات فى نشاطها، كما أن الأموال كانت تصل إليها تحت غطاء التقية أيضاً.. وهكذا أخذت التقية تسرى فى الفكر والعمل الشيعى طيلة قرون عديدة، وأخذت طابعاً حزيناً فى تكوين الشخصية الشيعية».. ثم يؤكد على أن التقية فى الفكر الشيعى تجاوزت عامة الناس واستقرت فى أعماق قلوب القادة من زعماء المذهب، الأمر الذى كان السبب فى دعوته لتخليص الشيعة من تلك الزعامات، فعندما يرتضى القائد لنفسه أن يسلك طريق الخداع مع الناس فى القول والعمل باسم التقية، فكيف ينتظر الصلاح من عامة الناس؟