يرى الخبراء أن تضارب البيانات الصادرة من الجهات الحكومية، يرجع لسببين؛ أولهما ارتباط بعض البيانات بأهداف سياسية، والثاني ضعف المهنية لدى الكوادر العاملة بالمؤسسات التي تصدر البيانات، وسواء أكان هذا السبب أو ذاك فإن الحكومة تظل مطالبة بالشفافية أمام الشعب وتقديم معلومات دقيقة ووافية عن أي قضية تشغل الرأي العام. ويبدو أن مسألة تخصيص مساحة بطول ألف متر وعمق 200 متر على شواطئ «محمية نبق» في شرم الشيخ التابعة لمحافظة جنوبسيناء لرجل الأعمال السعودي حسن الشربتلي، أصبحت نموذجًا لتضارب بيانات وتصريحات مسئولي الحكومة. رد الحكومة وفي هذا السياق نفى مركز معلومات مجلس الوزراء، ما تردد من أنباء تُفيد بإغلاق «محمية نبق» بشرم الشيخ تمهيدًا لبيعها لمجموعة من كبار المستثمرين. وأكد المركز أنه تواصل مع وزارة البيئة التي نفت صحة تلك الأنباء جملةً وتفصيلًا، مؤكدة أن أراضي المحميات الطبيعية هي أرض ملكية عامة للدولة يحميها الدستور والقانون، وهي بحكم القانون 102 لسنة 1983 في شأن المحميات الطبيعية من أملاك الدولة العامة التي لا يجوز بيعها أو الاتجار بها أو تملكها بأي شكل من الأشكال وطبقًا لما نص عليه الدستور في المادة (33). وتابعت: «على أن تحمى الدولة الملكية بأنواعها الثلاثة العامة والخاصة والملكية التعاونية، كما أن جميع القوانين والقرارات التي أصدرتها الحكومة المصرية تهدف للحفاظ على أراضي المحميات ومنها القانون رقم 14 لسنة 2012». وأضافت الوزارة أن الرئيس التنفيذي لجهاز شئون البيئة كان أصدر قرارًا رقم 1091 لسنة 2016 بتعليق الزيارة مؤقتًا ل«محمية نبق» بجنوبسيناء، وذلك بناءً على خطاب عاجل من إدارة محميات سيناء، بعد هطول أمطار غزيرة على عموم سيناء، وخاصة جنوبسيناء وتابعت: «ومنها «محمية نبق» والتي تعرضت إلى قطع المدقات وغمر مساحات واسعة من المناطق المنخفضة من الساحل لأكثر من 50 سم بالمياه بما فيها المدخل الساحلي بالمحمية القاطع لأحد الأودية، والذي تسبب في أضرار بالغة وانهيار وانجراف التربة الرملية من شبكة المدقات». وأضافت: «حرصًا من إدارة محميات جنوبسيناء على الحفاظ على سلامة زوار المحمية والمقيمين بها فقد تم اتخاذ هذا القرار بالتنسيق مع محافظة جنوبسيناء، وتم تكليف إحدى الهيئات المتخصصة لمراجعة خارطة مخرات السيول ومسار المدقات وتقييم التكلفة اللازمة لأعمال تأمين المسارات من السيول لإعادة فتح المحمية للزوار مع عمل التجهيزات اللازمة لحماية المسار بصورة مستدامة حال تكرار سيول مماثلة خلال السنوات المقبلة تجنبًا لتكرار الغلق». تصريحات الوزير ولكن بيان الحكومة نسي أو تناسى عن عمد تصريحات الدكتور خالد فهمي وزير البيئة ل«فيتو» التي اعترف فيها ولأول مرة بتخصيص مساحة بطول ألف متر وعمق 200 متر على شاطئ المحمية. وأوضح الوزير ما كان سرا لم يبح به من قبل عندما قال: إن الاشتراطات التي حددتها وزارة البيئة تفرض على المستثمر أن ينشئ وحدات على الشاطئ سهلة الفك والتركيب، ولا تشمل مواد أسمنتية أو خرسانية. وأكد أن التوقيع على مذكرة التفاهم تمت منذ أكثر من 12 عامًا إلا أنه لم يتم تفعيلها إلا بعد نشوب خلافات بين هيئة التنمية السياحية والمستثمر السعودي في عام 2015 م، إذ طالب المستثمر بالحصول على شاطئ بطول ألف متر وعمق 200 متر ب«محمية نبق» لخدمة مشروعه السياحي الذي يقع على مساحة تزيد على 7 ملايين متر مربع، وفق العقد المبرم بينهما وقت التخصيص قبل تسع سنوات. وأكد الوزير في اعترافاته أنه تمت إحالة الخلاف بين التنمية السياحية والمستثمر السعودي إلى مجلس الوزراء، الذي أقر بأحقية المستثمر في الحصول على شاطئ بطول كيلو متر وبعمق 200 متر بنظام حق الانتفاع، وبالتالي تم تشكيل مجموعة عمل من البيئة والتنمية السياحية وتم تحديد موقعين للشاطئ للاختيار بينهما، وأشار الوزير إلى أن وزارته لم تتلق حتى تاريخه دراسة التقييم البيئي من المستثمر. وأشار إلى أن رجل الأعمال حسن الشربتلي يمتلك منتجعًا سياحيًا من أكبر المنتجعات بمصر، ومساحة المحمية 600 كيلو متر مربع، ووقع جهاز شئون البيئة وهيئة التنمية السياحية بروتوكولا عام 2005 لاستغلال المنطقة سياحيًا، وقتها كان الدكتور ماجد جورج وزيرا للبيئة، ولكن لم يتم تفعيل هذا البروتوكول حتى وقتنا هذا. وأوضح وزير البيئة أن أهم بنود هذا البروتوكول استغلال جزء من «محمية نبق» سياحيًا، مقابل دفع الهيئة لوزارة البيئة مبلغا وقدره 1.8 مليون جنيه، ولم تكن وزارة البيئة طرفا إلا مع هيئة التنمية السياحية، مشيرا إلى أن «الشربتلي» تعاقد مع هيئة التنمية السياحية، وحصل على 5 ملايين متر لتكون منتجعًا سياحيًا، وكان ضمن شروط العقد مع هيئة التنمية السياحية تخصيص جزء من شاطئ المحمية لتكون منفذًا لمشروعه «المنتجع السياحي»؛ لأنه ليس له إطلالة على البحر. واستكمل الوزير حديثه قائلًا: المنطقة المتفق عليها مع جهاز شئون البيئة وهيئة التنمية السياحية لتكون منفذًا على البحر تسمى «وادي أم عدوي» وهى داخل «محمية نبق» وتبلغ مساحتها 300 ألف متر، واتضح من خلال الفنيين أنها منطقة غير صالحة للاستخدام «غير آمنة دفاعيًا» لاقترابها من مخر السيل. شكوى «الشربتلي» وتابع الوزير: «قدم رجل الأعمال شكوى لمجلس الوزراء بأن قطعة الأرض غير آمنة دفاعيًا، ووقتها شكل مجلس الوزراء لجنة لبحث قطعة أرض غيرها لتكون منفذا له للبحر كحق انتفاع وليس امتلاكا، وفقا للعقد المبرم بينه وبين التنمية السياحية، تم اختيار قطعتي أرض داخل المحمية «نبق»، وحتى الوقت الحالي لم يستطع الحصول على إحداها بسبب تغيير الوزراء المستمر والظروف السياسية التي تعرضت لها مصر خلال الفترة الأخيرة وتغيير المسئولين». وشدد الدكتور خالد فهمي على أن إحدى قطعتي الأرض تعتبر أفضل؛ لأن الأخرى فقدت حساسيتها البيئية من خلال إقامة أحد المستثمرين مزرعة للجمبري بها، ما أدى إلى تعرض الأرض لمشكلات بيئية أفقدتها قيمتها البيئية، وتم تحويل المستثمر وإدارة المحمية للنيابة للتحقيق في الأمر بسبب إخلالهم بشروط العقد. وزير البيئة تابع قائلا: سيتم إرسال خطاب لرئيس هيئة التنمية السياحية لإعادة صياغة البروتوكول المبرم بينها وبين وزارة البيئة من عام 2005 في إمكانية حق الاستغلال داخل المحمية، على أن تكون أهم بنود البروتوكول هو الاستغلال الاقتصادي داخل المحمية بناءً على عدم السماح باستخدام مواد أسمنتية في البناء واستخدام مواد خشبية، والابتعاد عن الاستغلال في المناطق ذات الحساسية البيئية، مشيرًا إلى أن «الشربتلي» ليس له أية حقوق لدى وزارة البيئة والحديث بينه وبين هيئة التنمية السياحية. وأكد الوزير في تصريحاته ل«فيتو» أن أهم الأنشطة التي توافق عليها وزارة البيئة في المحميات هي زراعة النباتات العطرية وركوب الدراجات والتخييم، وتسلق الجبال، وهو الأمر الذي يتعارض مع أطروحات المستثمر السعودي، الذي حصل على شاطئ بطول كيلومتر عمق 200 متر. وفي النهاية نؤكد أن تصريحات الوزير كشفت الخدعة التي صدرتها الحكومة في بيانها الذي أصدرته اليوم حول المحمية، فالوزير أكد تخصيص الأرض، بينما بيان الحكومة نفى بيعها، أي أن الحكومة نفت أمرًا مختلفًا عما أكده وزير البيئة.