لا تزال الأزمة الاقتصادية تنهش في جسد فقراء «المحروسة»، فهم وحدهم دون غيرهم يتحملون الإجراءات التي قالت حكومة شريف إسماعيل إنها إصلاحية، ولم يعد ل«الغلابة» سوى الدعاء، فلا رقابة أو عقوبات قادرة على مواجهة موجة غلاء الأسعار. في سوهاجوقنا، وضعت ظروف المعيشة الصعبة وارتفاع الأسعار، فقراء المحافظتين في مأزق صعب للغاية، خصوصا أن غالبيتهم يعيش على معاش تكافل وكرامة الذي لا يتخطى 350 جنيها شهريا. «أبو المجد أحمد» من قرية العزبة بمركز دار السلام بمحافظة سوهاج، يعتمد في دخله على نقل «البرسيم» و«التبن» للمواطنين من خلال عربة كارو، ومعاش تكافل وكرامة الذي لا يتخطى 350 جنيها شهريا، رغم أن أسرته تتكون من 7 أفراد. «أحمد» أكد أنه في ظل الارتفاع الجنونى للأسعار لا يأكل اللحمة سوى في «المواسم فقط»، مستندا على المثل الشعبى «على قد لحافك مد رجليك»، مشيرا إلى أنه عندما «تزهزه معاه الدنيا حبة يشترى فرخة ب50 جنيها». وأضاف «أبوالمجد» أن الظروف المعيشية الصعبة منعته من تعليم أبنائه، ويعتمد على الخبز من خلال «شكارتي» دقيق يصرفهما من التموين، بالإضافة إلى شراء شيكارة ب260 جنيها، تكفيه طوال الشهر مع عدم شراء اللحمة، والاعتماد على الطيور التي تربى في المنازل. «اللحمة ما دقناهش من سنة تقريبًا وبنستنى العيد والناس بتوزعها».. هكذا عبر فقراء محافظة قنا عن ضعف الحال الذي يعانون منه بسبب حالة التردى الاقتصادي، فأصبح «الناس بتبات من غير عشا»، ولم يعد ذلك غريبا. «سناء حبشى محمد- ربة منزل» تحدثت عن معاناة أسرتها، قائلة: «أصبحنا نشترى اللحمة ربع كيلو في الشهر بسبب ارتفاع أسعارها الرهيب، فضلًا عن تربية السيدات للطيور، واستخدامها بديلًا عن اللحوم.. فالأسعار أصبحت تمثل معاناة حقيقية في كل السلع واستغنينا عن السمن وأصبح الزيت هو البديل». فيما ذكر محمود سيد «موظف»: «نقوم بتربية الماشية والطيور في المنزل، وكان لدينا وافر من السمن واللبن والجبن واللحوم، كنا نقوم بتوزيعها على الأهالي والأقارب والأصدقاء، ولكن في الوقت الحالى أصبح الأمر صعبا لدرجة جعلتنا لا نوزع كما كان في السابق»، مضيفًا أن كثيرين يستغنون عن شراء اللحوم خاصة مع ارتفاع سعرها الرهيب، والكل بدأ يستخدم البدائل في كل المواد الغذائية التي أثرت بشكل كبير عليهم. «منصور على الطيب - عامل أجري» رصد وضعه وأسرته، قائلا: «بنشتغل في اليوم ب80 جنيهًا في مخبز عيش بلدي، وكيلو اللحمة ب100 جنيه وحتى التي تباع بالمنافذ أصبحت ب75 جنيهًا، متسائلًا بالله عليكم 80 جنيها تكفى مين ولا لا تكفى إيه؟». الطيب أكد أن «زجاجة الزيت أصبحت ب17 جنيهًا وهذا أقل سعر، وللأسف كان من العار في السابق أن نشترى بالكيلو أو الإثنين كيلو فقط، أما الآن فنشترى المواد الغذائية بالنصف والربع كيلو». «يحيى الطيب- بائع خضراوات وفاكهة» لفت إلى أنهم كانوا يشترون العدس كوجبة عادية تسد الجوع وسط الأسبوع، أما الآن فمن يشترى العدس فهذا يعنى أنه اشترى كيلو لحم، مؤكدًا أن الأوضاع أصبحت سيئة للغاية، وهنا في صعيد مصر كان البعض يطبخ يوميًا أما الآن فبيوت كثيرة تخفض في كمية الأكل». أما «محمد على سيد - موظف على المعاش» فقال إن الأسرة الكبيرة كانت تحاول مساعدة أبنائها، مضيفًا: «كنا قديمًا نرسل في الأعياد والمناسبات الهدايا لأبنائنا وأشقائنا، وتكون الهدية عبارة عن 5 كيلو لحمة بالخضر والفاكهة الخاصة بهم»، مؤكدًا أن هذا الأمر أصبح مرهقا ومكلفا في الوقت الحالي. وأضاف: «الآن نكتفى بدعوة كل الأبناء للوجبة بدلًا من إرسال الكميات السابقة. «محمد سيد - عامل نظافة» أوضح كذلك أن الأسعار أصابتهم بالجنون والمرتب الذي يتقاضاه لا يكفى حاجتهم، قائلا: «كنا نقبض نحو 350 جنيهًا وكان يكفى في السابق، أما الآن فأصبح ما يقرب من 600 جنيه، ولا يكفى المرتب شيئًا»، مشيرًا إلى أن الأسعار فاقت إمكانيات القفراء والغلابة. مزارع البسطاء تحارب جشع التجار «المنيا» كسائر محافظات الجمهورية طالها جنون الأسعار، وزاد الطين بلة انعدام الرقابة التموينية على الأسواق السوداء، وجشع التجار، والذي أثر سلبا على حياة المواطنين خاصة الغلابة، وأمام هذه الحالة، حاول أبناء المحافظة التغلب على تلك الأزمة، ووضع حلول لمواجهة أزمة ارتفاع الأسعار. «ماجدة محمد عاطف – أربعينية من مركز أبوقرقاص» لجأت لخبز العيش الشمسى وبيعه كمساعدة لزوجها الذي لا يتجاوز معاشه 300 جنيه، وهو مبلغ لا يساعدها على تربية أبنيةا محمد وحسين. وعلى جانب آخر، استعان قطاع الموظفين في مدن المنيا بأفكار ريفية لمواجهة ارتفاع الأسعار وسوء الحالة الاقتصادية والمادية لهم، حيث لجأوا إلى تربية الطيور بالمنازل، لوجود ارتفاع كبير في سعر «كرتونة البيض»، والتي وصلت إلى 45 جنيهًا بدلا من 23 للكرتونة الواحدة بالتزامن مع ارتفاع سعر كيلو الدواجن والذي وصل إلى 31 جنيها للكيلو. وبالفعل تحولت أسطح المنازل في المنيا إلى «مفارخ صغيرة» لتربية الطيور، لضمان الحصول على «البيض ثم ذبح الديوك والفراخ وتناولها، وبذلك وفرت الأسر على نفسها شراء الدجاج»، كما لجأت الجمعيات الشرعية إلى تربية الطيور أعلى أسطح مبانيها وبيعها للمواطنين بأسعار رمزية لمجابهة تلك الموجة. من داخل أسواق الاتحاد، باعتبارها كبرى الأسواق التجارية بالمنيا، قال «محمد سنوسى - أحد العاملين» إن حركة البيع والشراء انخفضت بشكل ملحوظ، بعد أن «امتنع المواطنون عن شراء منتجات بعينها مثل المربى بعد أن وصل سعرها إلى 18 جنيهًا بدلا من 10 جنيهات، والجبن بأنواعها وخاصة الجبنة البيضاء بعد أن وصل سعر الكيلو إلى 37 جنيها، وسعر الصفيحة إلى 210 جنيهات، والفول المدمس ارتفع إلى 7 جنيهات بدلا من 3.5 جنيه. «سنوسي» أكد أن المواطنين يتوافدون على الأسواق بين الحين والآخر لشراء اللحوم المجمدة هربًا من جشع الجزارين، بعد أن وصل سعرها إلى 120 جنيها للكيلو الواحد، موضحًا أن ربات البيوت اتجهن لإنتاج المربى بأنفسهن. وابتكر ساكنو العمارات صندوق توفير هدفه جمع مبالغ مالية من ساكنى كل برج سكني، والذهاب بها إلى أحد أسواق الجملة وشراء كميات كبيرة بأسعار مخفضة لمواجهة جشع تجار التجزئة والجزارين. كوباية شاى واحدة تكفي بنى سويف تعد الأفقر بين محافظات الجمهورية، لقلة مواردها، لكن الغلاء طالها كما طال المصريين جميعا، أثقلت عليهم الحياة ب«زيادة»، وهنا يواجه الأهالي الغلاء بطريقتهم وبعضهم اكتفى ب«كوب شاي» واحد يوميا، وآخرين استغنوا عن «اللحمة». «فاروق عبداللطيف» قارب على نهاية العقد الثامن من العمر، لكنه لا يزال يتمسك بالعمل من أجل ما تبقى من أسرته، التي تعيش في شقة بسيطة بعزبة الصفيح بمدينة بنى سويف، والمكونة من ابنه «مبتور الساقين» وزوجته «المُسنة». ببطء يتحرك «عم فاروق» في منطقة «محيى الدين» بمدينة بنى سويف والمكتظة بالمواطنين، كونها تضم مجمع مواقف المراكز والمحافظات وموقف سيارات قرى مركز بنى سويف، حيث قال: «أنا مواليد 1939 قاربت على عامى ال80 أقيم في شقة بسيطة (غرفة وصالة وحمام) إيجارها 300 جنيه غير المية والنور، بعزبة الصفيح بمدينة بنى سويف، ولى 4 أبناء تزوج ثلاثة منهم ويعيشون بعيدًا عنى، وأقيم حاليًا مع ابنى (مبتور الساقين)، منذ أن سقط من الدور الثانى أثناء عمله، ومع زوجتى المُسنة التي قاربت ال70 من عمرها، أعمل في بيع حلويات الأطفال (عسلية وحمصية وسمسمية)». واصل عم فاروق حديثه، بقوله: «أخرج يوميًا منذ الصباح الباكر وحتى انقضاء النهار، لأعود لأبنى وزوجتى بحصيلة البيع التي تتراوح ما بين 25 و30 جنيها يوميًا.. في السابق كانت هذه الجنيهات تكفينى أنا ونجلى المعاق وزوجتي، لدرجة أننى كنت أكل اللحمة مرة كل يومين، ولكن بعد موجة الغلاء التي اجتاحت كل شيء أصبحت لا تكفى شيئًا، ولكننا نحاول مع الوضع الحالى عشان نقدر نعيش اليومين اللى باقيين لنا». «بدأنا نستغنى عن حاجات كتير عشان المبلغ ده يقضى اليوم أحسن ما نمد أيدينا ونقول أدونا لله.. بقيت باكل اللحمة مرة كل 20 يوما أو مرة في الشهر، ومش لازم لحمة خالص».. بهذه الكلمات واصل عم فاروق حديثه. ورغم معاناة عم فاروق إلا أنه فاجأ الجميع بقوله: «الحكومة ماشية صح يا ابني، بس جشع التجار هوه اللى عامل فينا كده، ويا ريت الناس تصبر شوية، وإن شاء الله الوضع هيتحسن، الريس قال اصبروا عليه 6 شهور، وإحنا هنصبر، مهما الأسعار تغلى». "نقلا عن العدد الورقي.."