الرئيس الأمريكى الجديد يسلم مصر ملفات إقليمية.. ويضع الشرق الأوسط في عهدة المرأة الحديدية الولاياتالمتحدة تتجه لشرق آسيا لمواجهة التنين الصينى.. وتدفع السعودية ل«موت سريرى» صفقة مهمة في الطريق برعاية القاهرة لإنهاء أزمة ليبيا.. ونهاية دراماتيكية لأزمة اليمن تبددت الغيمة المغلفة للأحوال السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، مع دخول الرئيس الأمريكى الجديد، دونالد ترامب، البيت الأبيض، لممارسة مهام منصبه رسميا، وبالرغم من المخاوف والأسئلة التي تدور في أذهان العرب منذ وصوله إلى سدة حكم الدولة العظمى، يبدو أن الأعوام المقبلة ستشهد دخول دول المنطقة في حالة هدوء بعد عاصفة عاتية استمرت على مدار ال 6 أعوام الماضية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، والتي شهدت سقوط أنظمة وصعود تيارات إسلامية وانتشار التنظيمات الإرهابية. الهدوء المرجح في ملفات المنطقة، في عهد ترامب لا يعود لكون الرئيس الأمريكى يتمتع بأخلاق الملائكة أو محبا للعرب، بل نقطة انطلاقه ترتكز على رغبة الولاياتالمتحدة في الحصول على "استراحة محارب"، والتقاط الأنفاس بعد سنوات الدم والرصاص وغرقها في دوامة الشرق الملتهب. المتابع الجيد لخطاب ساكن البيت الأبيض الجديد، وخطاباته الشعبوية يرى جيدا مدى انفلات زمام الأمور في الداخل الأمريكى، وارتفاع معدلات الفقر وسوء الخدمات بسبب هيمنة نخبة الإدارة على مكاسب رجال "المؤسسة" أو "الدولة العميقة" خلال الأعوام الماضية نتيجة صفقات التسليح و"لوبيهات الضغط" العاملة لصالح دول خارجية، وغيرها الكثير من ممارسات فساد السلطة. الهجوم الإعلامي على ترامب "المرشح والرئيس"، أثبت حقيقة هذا الصراع بين الدولة العميقة المستفيدة من توتر العالم ودخوله في سباق تسلح، وبين إدارة جديدة تسعى لإعادة التوازن الداخلى والتوجه لشرق آسيا لمواجهة التنين الصينى الصاعد سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وسط غفلة واشنطن وغرقها في دوامة شرق أوروبا لمواجهة روسيا، والشرق الأوسط لامتصاص موارده في صفقات تسليح تخطت الحد المسموح. تأزم الأوضاع بعيدا عن المعادلة الداخلية الأمريكية المربكة بسبب صراع المؤسسات الذي أخرجه "ترامب" إلى العلن على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، ما يهمنا نحن كمنطقة هو الطريق إلى المستقبل في عهد الإدارة الجديدة، خصوصا مع تأزم الأوضاع وتدحرجها من نقطة الخلافات مع الغرب، إلى الاقتتال "العربى – العربى" الدائر الآن، بسبب فراغ السلطة الذي خلفه سقوط بعض الأنظمة وليبيا مثال، أو الصراع المذهبى المنتشر على شكل هلال يبدأ من اليمن وينتهى في سوريا، يوحى بحرب مباشرة بين إيران والسعودية. خطة الانسحاب وبحسب المراقبين للشأن الإقليمي، بدأت أمريكا الإعداد لخطة الانسحاب منذ دفع الحزب الجمهورى بدونالد ترامب، للمنافسة على البيت الأبيض، ويقف وراءها جنرالات وقادة كبار بالجيش الأمريكى يدركون مدى خطورة الاستمرار في قلب دوامة الشرق الأوسط، ويسعون بقوة للخروج من نفق الصراع الذي تقف روسيا متربصة في نهايته في انتظار خروج العدو الجريح، وتتحين بكين الوقت المناسب للانقضاض على قيادة العالم والإعلان عن نفسها رسميا كقوى عظمى جديدة مناوئة في جميع الملفات بما تمتلكه من وسائل تؤهلها لذلك، واتخاذ قرار عاجل بترك المنطقة على حالها مع وضعها تحت ميكروسكوب المراقبة وإسناد مهمة المتابعة لعدد من الحلفاء. وكلاء الشرق ترتيب البيت الشرق أوسطى من وجهة نظر الإدارة الجديدة، قائم على تقسيم التحالفات الإقليمية، وخلق صراعات دائمة على دفة القيادة بين محورين أساسيين، المحور الأول يشمل "مصر والأردن والإمارات"، والثانى يشمل "السعودية وباقى دول الخليج"، والهدف من هذه الثنائية تقسيم ملفات المنطقة الملتهبة بين كتلة شرقية وأخرى غربية، والدفع بإعلان طلاق بائن بين مصر والسعودية في القيادة الإقليمية. طلاق السعودية ومصر، تراه الإدارة الأمريكية ضرورة ملحة في الوقت الراهن لضمان بقاء الوضع على ما هو عليه قبل الرحيل، وتقوية طرف على حساب آخر بحسب المتغيرات، لحين العودة مرة أخرى لغرب آسيا وشمال أفريقيا. وبحسب مصدر ليبى مطلع، كشف أن محور القاهرة أبوظبى، أسند له ملفات ليبيا وفلسطين وسوريا، ودخول مسموح به دوليا في اليمن بهدف الخروج من المأزق الراهن بتوافق جميع الفرقاء بصفقة مريحة للرياض، في المقابل احتفظت السعودية بمعاونة قطر، بملفات لبنان والعراق والسودان مع الاحتفاظ بدورها المشروط في اليمن. المرأة الحديدية المفاجأة التي كشفها المصدر، تتمثل في سماح أمريكالبريطانيا خلال الفترة المقبلة بالنشاط الإقليمى لتحل محلها كشرطى مراقب لأداء وكلاء المنطقة، وترك مساحة كبيرة لتواجد عسكري بريطانى بهدف توفير الحماية للعواصم الخليجية بديلا عن واشنطن، لتهدئة مخاوفها من إيران الجار المزعجة. وبرهن على ذلك بالزيارة العاجلة التي قامت بها رئيس وزراء بريطانيا، تريزا ماى – المرأة الحديدية الجديدة، إلى واشنطن لعقد أول لقاء سياسي مع الرئيس الأمريكى، بهدف الاتفاق على التفاصيل النهائية للدور المرتقب، والحصول على ضمانات كافية بتعويض بلادها في الشرق الأوسط عن الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي رسمته واشنطن وخططت له منذ نهاية عهد أوباما، وسمحت للندن بإطلاق الشراكة الإستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجى والمملكة المتحدة لتعزيز علاقات أوثق في كافة المجالات، بما في ذلك السياسية والدفاعية والأمنية والتجارية، خلال قمة قادة الخليج التي عقدت في البحرين نهاية العام المنصرم. أيضا تأكيد وزير الخارجية البريطانى، بوريس جونسون، خلال جلسة استماع أمام لجنة برلمانية حول الشرق الأوسط، نهاية يناير الماضى، أن بلاده تولى اهتمامًا خاصًا بتعزيز علاقاتها مع دول الخليج، يوحى بدور جديد ل"الإمبراطورية القديمة" التي تعد امتدادا للنفوذ الأمريكى الدولى وتعمل بصفة شريك وليس منازعا، وهى مواصفات تؤهلها- المملكة المتحدة- لوضع المنطقة في عهدته خلال إدارة الظهر والتوجه إلى شرق آسيا. التوجه إلى آسيا في سياق رسم مستقبل المنطقة في عهد ترامب، يعد تقرير مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، أهم ما نشر من الداخل الأمريكى حول هذا الأمر، مؤكدة على نية "ترامب" وإدارته التوجه نحو قارة آسيا بعد أن ثبت خلال عقود طويلة، وخاصة بسبب الصراعات المشتعلة مؤخرا بالشرق الأوسط، أن المنطقة لا تحقق لواشنطن مصالحها بشكل مناسب، حيث أفقدتها حصصا هائلة من الدم والمال خلال العقدين الماضيين دون أن تعود عليها بفوائد بل كانت انعكاساتها السلبية أكثر. الدور المصري في المعادلة الجديدة يأتى استقرار مصر على رأس الأولويات الأمريكية، ويتوقع مراقبون أن تمنح إدارة ترامب القاهرة خلال النصف الأخير من العام الجارى 2017 قبلة حياة من الأزمات الاقتصادية ومساندة نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي بقوة بهدف استقرار الأوضاع وتجنيبه تصاعد موجة غضب شعبى مزعجة لدوره في الملفات الخارجية، هذا بالإضافة إلى هدف أهم لدى واشنطن في الوقت الحالى من دعم الدولة المصرية يتجسد في مخاوفها من اختطاف روسيا لشريك هام للولايات المتحدة في المنطقة بعدما فرضت نفوذها في سوريا، واجتذبت لحلفه القائم بالمنطقة النظام التركى. تأزم السعودية الجناح المقابل لمصر في المنطقة هي المملكة العربية السعودية، وهجوم ترامب عليها خلال حملته الانتخابية مجرد ضربات تسبق الطعن، خصوصا أن واشنطن بدأت تنظر للمملكة على أنها دولة منتهية الصلاحية وتدرك جيدا حجم الصراعات الداخلية بين أفراد العائلة المالكة، صحيح أنها لن تسمح بسقوطها بشكل مفاجئ تجنبا لإحداث زلزال إقليمى في وقت تسعى جاهدة لحلحلة أزمات الشرق الجريح، لكنها ستتبع معها سياسة الموت السريرى بترك ملفات ملتهبة لديها متشابكة مع النفوذ الشيعى خصوصا في اليمن والعراق ولبنان. هذه الملفات تعتبرها واشنطن مغناطيس جلب الأموال من الخزانة السعودية، لزيادة أوضاعها الاقتصادية الداخلية تعقيدا، وتحريك غضب شعبى ضد نظام الحكم المنهك في صراعات إقليمية. أزمة سوريا يعد اجتماع الأستانة الذي غابت عنه أمريكا رغم انعقاده خلال الأيام الأولى لعهدة ترامب، انطلاقة نحو حل سياسي يرضى جميع الأطراف وتقسيم أراضيها لمناطق نفوذ إقليمى يشمل روسيا وتركيا وأمريكا نفسها للخروج بحل سريع من الأزمة وإعلان ما تعتبره سوريا المفيدة وتحويل الصراع الداخلى بها من حرب طوائف إلى صراع على النفوذ يضمن لها الظهور في الوقت المناسب للتحكيم بين الأطراف. الاتفاق النووي عمليا أيضا، حديث ترامب عن إلغاء الاتفاق النووى مع إيران، مجرد زوبعة انتخابية وستعمل واشنطن خلال السنوات المقبلة على وضع هذا الاتفاق بالثلاجة واستخدامه ك"عصى وجزرة" لجر طهران إلى المنطقة التي تريدها بين الحين والآخر، وسط انفراجات وأزمات مرهونة بالتغييرات في المعادلة الإقليمية، والاحتفاظ بالإيرانيين شوكة في ظهر السعودية والخليج لتمكين وكيلها البريطانى من الحصول على أعلى مكاسب نظير الحماية وعقد صفقات التسليح. القضية الفلسطينية القضية الفلسطينية بالرغم من أهميتها للعرب تاريخيا، سوف تشهد في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة حالة ذوبان ينتهى بالاختفاء، وبالرغم من التصريحات المزعجة حول نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لن يحدث الأمر، قبل إحداث مزيد من الشروخ الفلسطينية، حتى الوصول إلى إعلان دولة للفلسطينيين يرجح أن يكون مقرها غزة، والعمل بهرولة على وضع نهاية مأسوية للسلطة الفلسطينية في ظل الخلافات الداخلية التي تضرب حركة فتح. ليبيا واليمن بالرغم من أن ليبيا واليمن يمثلان الآن، نقط الصراع الملتهبة في المنطقة، قبل ظهور ملامح انكماش الدور الأمريكى في المنطقة ودخول بريطانيا على الخط، رائحة التفاهمات المرضية للجميع، بدأت تفوح من المطابخ السياسية، وخلال الفترة المقبلة بحسب تأكيدات دبلوماسية سوف تتبنى القاهرة إعلان مبادرة تنهى حرب الكل ضد الكل، خصوصا مع إخراج قطر الممول الرئيسى للصراع من المعادلة، والحل القريب متمثل في تشكيل حكومة موحدة بطريقة المحاصصة والاعتماد على الجيش المتواجد في الشرق بقيادة حفتر كنواة لجيش وطنى موحد تحت قيادته ورفع حظر التسليح عنه والسماح له بدخول طرابلس للسيطرة على الأوضاع. أيضا اليمن صفقة الإنقاذ بها سوف تلبى طموح جميع الفرقاء مع خروج على صالح من المعادلة وتهميشه سياسيا لإزالة ذريعة العناد السعودى على أن يحل نجله العقيد أحمد على صالح في توقيع على اتفاق أممى يلزم جميع جهات الصراع ويجبر الرياض على الخروج من المعادلة.