ذكري مولد الرسول الكريم، لا يحتفل بها المسلمون في مصر فقط، بل يشاركهم أشقاؤهم المسيحيون أيضا، الذين تجمعهم الأفراح والأتراح، غير أن الطريف في الأمر أن مظاهر المسلمين في الاحتفال بذكري خير الأنام لها علاقة تاريخية بالمسيحيين, فعروسة المولد وحصانه كانا هدية قبطية بامتياز للمسلمين. الباحث الأثرى المهندس ماجد الراهب- مؤسس جمعية محبى التراث المصري- يكشف سراً, طالما شغل كثيراً من الباحثين, وهو السر الذى يجيب عن سؤال يتردد كل عام عن سبب انفراد المسلمين المصريين عن كل البلدان الإسلامية بالاحتفال بالمولد النبوى ب»العروسة والفارس» الذى يمتطى حصاناً, وجميع الدراسات أشارت إلي أن الفاطميين هم الذين صنعوا شكل الاحتفالية الخاصة بالمولد النبوى, وهذا صحيح, ولكن لماذا «العروسة والفارس» تحديدا؟ وما علاقة هذا الأمر بالشهيد «مارمينا العجايبي» الذى استشهد على يد الرومان فى القرن الرابع الميلادى؟ يقول المهندس ماجد الراهب: كى يتضح الأمر, فقد بدأ تعمير منطقة (كينج مريوط) البابا اثناسيوس, البطريرك العشرون, وذلك بإنشاء كنيسة فوق قبر مينا عام 373م, وبعد مرور عدة سنوات تحولت المنطقة إلى مدينة, فقد قام الملك زينون (474- 491م) ببناء قصر بجوار الكنيسة وتبعه كل عظماء المملكة فى تشييد قصور, إلى أن جعلوها مدينة عظيمة سميت ب(ماريت بوليس)- أى مدينة الشهيد- وأصبحت محط أنظار الحجاج من جميع أنحاء العالم, إذ أصبحت مقصد الحج المسيحى الثانى بعد القدس, وقد شيدت بها المصانع لصناعة القوارير والزجاج والعروسة والفارس الذى يمتطى حصاناً, فالقوارير كان يستخدمها الحجاج فى حمل الماء والزيت, أما «العروسة» فهى ترمز فى الفكر المسيحى إلى النفس البشرية, (وهى اللعبة المفضلة للبنات), و«الفارس» هو البطل الذى يمتطى جواده ويطعن الشر بحربته, (وهى اللعبة المفضلة للذكور من الأطفال), وهى صورة استوحاها المسيحيون من النحت الذى يمثل «حورس» وهو يطعن «ست» الشرير, فى الأسطورة الفرعونية, وأصبحت الرسم الذى يعبرون به عن انتصار الشهداء على أباطرة الرومان أو شياطين الشهوات, ويظهر فى أيقونات «مارجرجس» و«مارمينا» والأمير «تادرس» وعدد كبير من الشهداء. وأضاف الراهب قائلا: بدا ازدهار مدينة الشهيد يقل بالتدريج, وعند دخول الفاطميين مصر كانت المدينة قد خربت, واغلقت مصانعها وعاني العمال الأقباط من البطالة, وعندما بدأ الفاطميون فى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف؛ بدأ العمال فى استئناف نشاطهم فى صناعة «العروسة» و«الفارس» الممتطى الحصان, للاحتفال بالمولد, كى يفرح بها الأطفال «إناثاً وذكوراً», وليخرجا من إطار الرمز الدينى الضيق الذى يعرفه قليل من الدارسين, ومن الطبيعى لا يهتم به الاطفال, ليصبحا هدية من المصريين المسيحيين لإخوانهم المصريين المسلمين فى ذكرى المولد النبوى الشريف, وقد تم اكتشاف نماذج للعروسة والحصان فى خرائب مدينة «أبومينا» تشبه تماما العروسة والحصان (الحلاوة), وبذلك تحولت العروسة والفارس لنقطة مضيئة فى تاريخ البهجة الذى كان المصريون أساتذة فى كتابته, ويبدو- مع الأسف- أننا فقدنا هذه المقدرة, وأصبحنا نتفنن فى كتابة تاريخ من الدموع, بعد أن ضاق الصدر الرحب.