ائتلاف أولياء أمور مصر يشيد بمبادرة "جسمي ملكي لا تلمسه" لحماية الأطفال    مصر تواصل دعم غزة.. دخول 9250 طنًا من المساعدات الإنسانية    الجامعة البريطانية بمصر تشارك في مؤتمر الطاقة الخضراء والاستدامة بأذربيجان    القومي للمرأة ينظم الدورة التدريبية وورشة الأعمال اليدوية لسيدات قرية الزعفرانة    توثيق اختطاف 39 سوريا بينهم قاصرون على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي    نتنياهو: أوشكنا على الانتهاء من المرحلة الأولى لاتفاق غزة.. والثانية أكثر صعوبة    نور الشربيني تحصد بطولة هونغ كونغ للإسكواش    حسام عبدالمجيد: «سيبقي الزمالك دائمًا محارب قوي»    دياباتي يبتعد عن التتش.. خلافات مالية توقف تقدم مفاوضات الأهلي    السجن المؤبد لمتهم بالاتجار فى المواد المخدرة بسوهاج    تموين القليوبية يضبط 700 لتر زيت صويا مجهول المصدر بشبين القناطر    تشييع جثمان "عروس" قتلها زوجها بقرية مشتهر بطوخ    بالأرقام .. وزير الصحة يكشف أنواع الفيروسات التنفسية الأكثر انتشارا    طب الإسكندرية تُطلق قافلة طبية شاملة لخدمة مركز التأهيل المهني بالسيوف    وزير التعليم العالي ومحافظ القاهرة يشهدان بدء تنفيذ مشروع مستشفى جامعة حلوان    صبغ الشعر باللون الأسود: حكم شرعي ورأي الفقهاء حول الاختضاب بالسواد    كمال درويش: أرض أكتوبر المتنفس الحقيقي للزمالك.. والأمور أصبحت مستحيلة على مجلس الإدارة    وزير الاستثمار يبحث مع "بلومبرج جرين" الأمريكية إنشاء مركز إقليمى للأمن الغذائى وتوطين تكنولوجيا الحفظ الزراعى    خالد الجندي: برنامج "دولة التلاوة" أعظم هدية قُدِّمت للمجتمع المصري (فيديو)    منافس بيراميدز المحتمل - وصول بعثة فلامنجو إلى قطر لمواجهة كروز أزول    تلف 400 كتاب بعد غرق قسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر، ومطلب خاص للتعويض    مؤسستا ساويرس وعبلة للفنون تجددان شراكتهما لدعم المواهب المصرية الشابة    مى عمر: محمد سامى صاحبى والجمهور بيقف فى ضهرى لما بتحارب    جامعة أسيوط تُكثّف استعداداتها لانطلاق امتحانات الفصل الدراسي الأول    وزير الخارجية: إسرائيل عليها مسئولية بتشغيل كل المعابر الخمس التي تربطها بقطاع غزة    صحة الشيوخ تدعو خالد عبد الغفار لعرض رؤيته في البرامج الصحية    مدبولي: مشروع إحياء حديقتي الحيوان والأورمان يقترب من الافتتاح بعد تقدم كبير في أعمال التطوير    وزير الصحة: H1N1 السلالة الأكثر انتشارا في مصر.. والموقف الوبائي مطمئن    السمنة تحت مجهر صحة الشيوخ.. اللجنة تتبنى خطة لنشر الوعى حول التغذية السليمة    هيئة الرقابة المالية تُلزم صناديق التأمين الحكومية بالاستثمار في الأسهم    المستشار الألماني: إمكانية زيارة نتنياهو إلى بلادنا غير مطروحة حاليا    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    هيمنة عسكرية روسية.. الجيش الروسي يتحرك ويستهدف منشآت طاقة أوكرانية    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    روجينا تعلن انطلاق تصوير مسلسل حد أقصى رمضان 2026 .. "بسم الله توكلنا على الله"    واحد من الناس يكشف كواليس أعمال الشريعي الموسيقي وسر خلافه مع الابنودي.. اليوم وغد    الأرصاد تكشف خرائط الأمطار اليوم وتحذر من انخفاض درجات الحرارة في عدد من المحافظات    وزارة التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا خلال شهر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    السيطرة على حريق مخزن سجاد وموكيت فى أوسيم    تقرير أردني: الخطيب يكلف عبد الحفيظ لبدء التفاوض مع يزن النعيمات    وزير الري: التحديات المائية لا يمكن التعامل معها عبر الإجراءات الأحادية    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    ثنائي الأهلي يدعم محمد صلاح ضد مدرب ليفربول: أسطورة كل العصور    حزب العمال البريطانى يمنع المتحولات جنسيا من حضور مؤتمره النسائى فى 2026    البورصة تواصل ارتفاعها بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات عربية وأجنبية    نور الشربيني تتوج ببطولة هونج كونج للاسكواش بعد الفوز على لاعبة أمريكا    ضبط 69 مخالفة تموينية متنوعة فى حملة مكبرة بمحافظة الفيوم    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بسجلات تفصيلية جديدة لضبط السوق    وزير الصحة يستعرض تطوير محور التنمية البشرية ضمن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    النقاش مع طفلك والاستماع له.. إنقاذ له من التحرش !!!    الشرع: إقامة إسرائيل منطقة عازلة تهديد للدولة السورية    قطاع الملابس والغزل يبحث مع رابطة مصنّعي الآلات الألمانية التعاون المشترك    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    الأحد 7 ديسمبر 2025.. استقرار عام بأسعار أعلاف الدواجن مع تفاوت طفيف بين الشركات في أسوان    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    محمد صلاح يفتح النار على الجميع: أشعر بخيبة أمل وقدمت الكثير لليفربول.. أمى لم تكن تعلم أننى لن ألعب.. يريدون إلقائي تحت الحافلة ولا علاقة لي بالمدرب.. ويبدو أن النادي تخلى عنى.. ويعلق على انتقادات كاراجر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. ج 2◄46
نشر في فيتو يوم 01 - 01 - 2017

ومازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا «الكتاب القيم»...
وقال ابنُ أبى شيبة: حدَّثنا ابنُ فضيل، عن يزيد، عن مجاهد ، قال : قال عبدُ اللَّهِ بنُ الزبير: أفرِدُوا الحَجَّ ، ودَعُوا قولَ أعماكُم هَذَا . فقال عبدُ اللَّهِ ابنُ عباس: إن الَّذى أعمى اللَّه قلبَه لأنتَ ، ألا تسألُ أُمَّك عَنْ هذا ؟ فأرسلَ إليها، فقالَتْ: صَدَقَ ابْنُ عَبَّاس، جِئنا مَعَ رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلَّم حُجَّاجاً ، فجعلناها عُمْرَةً ، فحللنا الإحلالَ كُلَّه ، حتَّى سَطَعَتِ المَجَامِرُ بَيْنَ الرِّجَالِ والنِّساء.
وفى ((صحيح البخارى)) عن ابن شِهاب ، قال : دخلتُ على عطاء أستفتِيه ، فقال : حدّثنى جابرُ بنُ عبد اللَّه : أنه حجَّ مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم ساق البُدن معه، وقد أهلُّوا بالحجِّ مفرداً، فقال لهم: (( أَحِلُّوا مِنْ إحْرامِكُم بِطَوَافٍ بالبَيْتِ ، وبَيْنَ الصَّفَا والْمروَة ، وقَصِّرُوا ، ثُمَّ أقِيمُوا حَلالاً، حَتَّى إذَا كَانَ يَومُ التَّرْوِيَةِ ، فأهِلُّوا بالحَجِّ واجْعَلُوا التى قَدِمْتُم بها مُتْعَةٌ )) . فقالُوا : كَيْفَ نَجْعَلُها مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ ؟ فقال : (( افْعَلُوا مَا آمُرُكُم به، فَلَوْلا أنى سُقْتُ الهَدْى، لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذى أَمَرْتُكُم بِهِ ، وَلَكِنْ لا يحِلُّ مِنِّى حَرَامٌ ، حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْىُ مَحِلَّه))، ففعلُوا .

وفى ((صحيحه)) أيضاً عنه: أهلَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحَجِّ ... وذكر الحديث . وفيه : فأمر النبىُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عُمرةً ، ويطوفوا ، ثم يقصِّروا إلا مَن ساق الهَدْى : فقالوا : أننطلق إلى مِنَى وذَكَرُ أحَدنا يقطُر ؟ فبلَغ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال((لو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرى مَا اسْتَدْبَرْتُ ما أَهْدَيْتُ ولوْلا أنَّ معى الهَدْى ، لأَحْلَلْتُ)).

وفى (( صحيح مسلم)) عنه فى حَجة الوداع : حتى إذا قَدِمنا مكَّة ، طُفنا بالكعبة وبالصَّفا والمروة ، فأمرنَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، أن يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لم يكُن معه هَدْى، قال: فقُلنا : حِلُّ ماذا ؟ قال : (( الحِلُّ كُلُّه )) ، فواقعنا النِّسَاءَ ، وتَطيَّبنَا بالطِّيب ، ولَبِسْنَا ثيابَنا ، ولَيْس بيننا وبَيْنَ عَرفة إلا أربعُ ليال، ثم أهللنا يَوْمَ التروية.

وفى لفظ آخَر لمسلم: (( فمَنْ كَانَ منْكُم لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ ، فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْها عُمْرَةً ، فحلَّ الناسُ كُلُّهُم وقصَّروا إلا النبىَّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ كَان مَعَهُ هَدْى ، فلما كان يَوْمُ التروية ،توجَّهُوا إلى مِنَى، فَأَهَلُّوا بِالحَجِّ
وفى (( مسند البزار )) بإسناد صحيح : عن أنس رضىَ اللَّه عنه ، أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم ، أهلَّ هُوَ وأصحابُه بالحَجِّ والعُمْرة ، فلما قدموا مكة ، طافوا بالبيت والصفا والمروة ، وأمرهم رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يَحِلُّوا، فهابوا ذلك ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: ((أَحِلُّوا فَلَوْلاَ أَنَّ مَعى الهَدْىَ، لأَحْلَلْتُ))، فأحلُّوا حَتَّى حَلُّوا إلى النِّسَاءِ.
وفى ((صحيح البخارى)): عن أنس، قال : (( صلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ونحنُ معه بالمدينة الظهرَ أربعاً ، والعصر بذى الحُليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ، ثم ركب حتى استوت به راحلتُه على البيداءِ ، حَمِدَ اللَّه ، وسبَّح ، ثم أهلَّ بحَجٍّ وعُمرة ، وأهلَّ الناسُ بهما ، فلما قَدِمْنَا أمر الناس فحلُّوا ، حتى إذا كان يومُ التَّروية ، أهلُّوا بالحَجِّ )) .... وذكر باقى الحديث .

وفى (( صحيحه )) أيضاً : عن أبى موسى الأشعرى ، قال : بعثنى رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى قومى باليمن ، فجئت وهو بالبطحاء ، فَقَالَ : (( بِمَ أَهْلَلْتَ )) ؟ فَقُلْتُ : أَهْلَلْتُ بإِهَلالِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ : (( هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْى )) ؟ قلتُ : لا ، فأَمَرَنى ، فطُفْتُ بالبَيْتِ وَبِالصَّفَا والمَرْوَةِ ، ثمَّ أَمرَنى فَأَحْلَلْتُ.
وفى ((صحيح مسلم)) : أن رجلاً من بنى الهُجَيْمِ قال لابن عبَّاس : ما هَذِه الفُتيا التى قَدْ تشغَّبَت بالنَّاس ، أنَّ مَنْ طَافَ بالبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ ؟ فَقَالَ : سُّنَّة نَبِيِّكُم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسَلَّم وإنْ رَغِمْتُم.
وصدق ابنُ عباس، كُلُّ مَن طاف بالبيت ممن لا هَدْى معه مِن مفرِد، أو قارِن، أو متمتِّع، فقد حلَّ إما وجوباً، وإما حكماً، هذه هى السُّنَّة التى لا رادَّ لها ولا مدفع ، وهذا كقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (( إذَا أدْبَرَ النَّهارُ مِنْ هاهنا ، وأقْبَلَ الليل مِنْ هاهنا ، فقد أفْطَرَ الصَّائِم )) ، إما أن يكون المعنى : أفطر حكماً ، أو دخل وقت إفطاره ، وصار الوقتُ فى حقه وقتَ إفطار. فهكذا هذا الذى قد طاف بالبيت ، إما أن يكون قد حلَّ حُكماً ، وإما أن يكون ذلك الوقت فى حقه ليس وقتَ إحرام ، بل هو وقتُ حِلٍّ ليس إلا ، ما لم يكن معه هَدْى، وهذا صريحُ السُّنَّة.
وفى ((صحيح مسلم)) أيضاً عن عطاء قال: كان ابنُ عباس يقولُ: لا يطوف بالبيتِ حَاج ولا غيرُ حاجٍّ إلا حَلَّ. وكانَ يقولُ: هُوَ بَعْدَ المُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ، وكان يأخذُ ذلك مِن أمر النبىَّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم، حين أمرهم أن يَحِلَّوا فى حَجَّةِ الوَدَاع.
وفى ((صحيح مسلم)): عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((هذه عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بها، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الهَدْىُ ، فَلْيَحِلَّ الحِلَّ كُلَّهُ فَقَدْ دَخَلَتِ العُمْرَةُ فى الحَجِّ إلى يَوْمِ القِيَامَةَ)).
وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن قتادة ، عن أبى الشَّعثاء ، عنِ ابن عباس قال : مَنْ جَاءَ مُهِلاً بالحَجِّ ، فإنَّ الطَّوافَ باليَيْتِ يُصَيِّرُه إلى عُمْرَةٍ شَاءَ أوْ أَبَى، قُلْتُ: إن النَّاسَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَيْكَ، قَالَ: هِيَ سُّنَّة نَبِّيهِمْ وإنْ رَغِمُوا.
وقد روى هذا عنِ النبى صلى الله عليه وسلم مَنْ سمَّيْنا وغيرهم ، وروى ذلك عنهم طوائفُ مِن كبار التابعين ، حتى صار منقولاً نقلاً يرفع الشكَّ ، ويُوجب اليقينَ ، ولا يُمكن أحداً أن ينكره ، أو يقول: لم يقع ، وهو مذهبُ أهل بيت رسولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، ومذهبُ حَبْر الأُمة وبحرها ابنِ عباس وأصحابهِ ، ومذهبُ أبى موسى الأشعرى ، ومذهبُ إمام أهل السُّنَّة والحديث أحمد بن حنبل وأتباعه ، وأهل الحديث معه ، ومذهب عبد اللَّه بن الحسن العنبرى قاضى البصرة ، ومذهب أهل الظاهر.

والذين خالفوا هذه الأحاديث، لهم أعذار .

العذر الأول: أنها منسوخة .
العذر الثانى: أنها مخصوصة بالصحابة ، لا يجوزُ لِغيرهم مشاركُتهم فى حكمها .
العذر الثالث: معارضُتها بما يَدُلُّ على خلاف حُكمها ، وهذا مجموعُ ما اعتذروا به عنها .
ونحن نذكر هذه الأعذار عُذْراً عُذْراً ، ونبيِّنُ ما فيها بمعونة اللَّه وتوفيقه:

أما العذر الأول، وهو النسخ ، فيحتاج إلى أربعة أُمور ، لم يأتوا منها بشئ يحتاج إلى نصوص أُخر ، تكون تِلك النصوصُ معارضة لهذه ، ثم تكونُ مع هذه المعارضة مقاومة لها ، ثم يُثبت تأخرُّها عنها . قال المدَّعون للنسخ : قال عمر بن الخطاب السِّجستانى : حدثنا الفريابى ، حدثنا أبان بن أبى حازم ، قال: حدثنى أبو بكر بن حفص ، عن ابن عُمر ، عن عُمَرَ بنِ الخطاب رضى اللَّه عنه أنه قال لما ولى : (( يا أيُّها الناس ؛ إن رسولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، أحلَّ لنا المتُعة ثم حرَّمها علينا )) رواه البزار فى (( مسنده )) عنه
قال المبيحون للفسخ : عجباً لكم فى مُقاومة الجبال الرَّواسى التى لا تُزعزِعُها الرِّياحُ بِكَثِيبٍ مَهيلِ ، تسفيه الرَّياحُ يميناً وشمالاً ، فهذا الحديثُ ، لا سند ولا متن ، أما سندُه ، فإنه لا تقومُ به حُجة علينا عند أهلِ الحديث ، وأما متنُه ، فإن المراد بالمتعة فيه مُتعة النساء التى أحلَّها رسولُ الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، ثم حرَّمها ، لا يجوز فيها غيرُ ذلك البتة ، لوجوه .
أحدها: إجماعُ الأُمة على أنَّ مُتعة الحَجِّ غيرُ محرَّمة ، بل إما واجبة ، أو أفضلُ الأنساك على الإطلاق ، أو مستحبة ، أو جائزة ، ولا نعلم للأُمة قولاً خامساً فيها بالتحريم .
الثانى: أن عُمَرَ بنَ الخطاب رضى اللَّه عنه ، صحَّ عنه مِن غير وجه ، أنه قال: لو حججتُ لتمتعتُ ، ثم لو حججتُ لتمتعتُ . ذكره الأثرم فى ((سننه )) وغيره
وذكر عبد الرزاق فى ((مصنفه)): عن سالم بن عبد اللَّه ، أنه سئل : أنهى عمر عن مُتعة الحَجّ ؟ قال : لا ، أَبَعْدَ كِتابِ اللَّه تعالى ؟ وذكر عن نافع ، أن رجلاً قال له : أنهى عمر عن مُتعة الحج ؟ قال : لا . وذكر أيضاً عن ابن عباس ، أنه قال : هذا الذى يزعمون أنه نهى عن المُتعة يعنى عمَر سمعتُه يقول : لو اعتمرتُ ، ثم حججتُ ، لتمتَّعتُ .

قال أبو محمد بن حزم : صحَّ عن عمر الرجوعُ إلى القول بالتمتع بعد النهى عنه ، وهذا محال أن يرجعَ إلى القول بما صح عنده أنه منسوخ .

الثالث : أنه من المحال أن ينهى عنها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله : هل هى لِعامِهم ذلك أم للأبد ؟ فقال : (( بل للأبد )) ، وهذا قطع لتوهم ورود النسخ عليها ، وهذا أحدُ الأحكام التى يستحيل ورود النسخ عليها ، وهو الحكمُ الذى أخبر الصادق المصدوق باستمراره ودوامه ، فإنه لا خلف لِخبره .

◄ فى دعوى اختصاص ذلك بالصحابة
العذر الثانى: دعوى اختصاصِ ذلك بالصحابة ، واحتجوا بوجوه :
أحدها : ما رواه عبدُ اللَّهِ بنُ الزبير الحُميدى ، حدثنا سُفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن المُرَقِّعِ ، عن أبى ذر أنه قال : كان فسخُ الحجِّ مِن رسولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لنَا خاصة .
وقال وكيع: حدثنا موسى بن عُبيدة ، حدثنا يعقوب بنُ زيد ، عن أبى ذر قال : لم يَكُنْ لأَحَدٍ بَعْدَنَا أَنْ يَجْعَلَ حَجَّتَهُ عُمْرَةً ، إنَّها كَانَتْ رُخْصَةً لَنَا أَصْحَابَ مَحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم .
وقال البزار: حدّثنا يوسف بن موسى ، حدثنا سلمةُ بنُ الفضل ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن الأسدى ، عن يزيد بن شريك ، قُلنا لأبى ذر : كيف تمتَّع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنتُم معه ؟ فقال : ما أَنْتُمْ وَذَاكَ ، إنَّما ذَاكَ شَئٌ رُخِّصَ لَنَا فيه ، يعنى المتعة .
وقال البزار: حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا عُبيد اللَّه بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن أبى بكر التيمى ، عن أبيه والحارث بن سويد قالا : قال أبو ذر فى الحجِّ والمتعةِ : رخصةٌ أعطاناها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم .
وقال أبو داود: حدثنا هنّاد بن السِّرِى ، عن ابن أبى زائدة ، أخبرنا محمد ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن سليمان أو سليم بن الأسود أن أبا ذر كان يقولُ فيمن حَجَّ ثُمَّ فَسَخَها إلى عُمْرَةٍ ، لم يَكُنْ ذَلِكَ إلاَّ لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
وفى ((صحيح مسلم )): عن أبى ذر . قال : كانَتِ المُتْعَةُ فى الحَجِّ لأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم خَاصَّةً . وفى لفظ : (( كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً )) ، يَعْنى المُتْعَةَ فى الحَجِّ ، وفى لفظ آخر : (( لا تَصِحُّ المُتْعَتَانِ إلاَّ لَنَا خَاصةً )) ، يَعنِى مُتْعَةَ النِّسَاءِ ومُتْعَةَ الحَجِّ . وفى لفظ آخر : (( إنَّمَا كَانَتْ لَنَا خَاصّةً دُونَكُم )) ، يَعْنِى مُتْعَةَ الحَجِّ .

وفى (( سنن النسائى )) بإسناد صحيح : عن إبراهيم التيمى ، عن أبيه ، عن أبى ذر ، فى مُتعِة الحجِّ : لَيْسَتْ لَكُمْ ، ولَسْتُم مِنْهَا فى شَئٍ ، إنَّمَا كَانَتْ رُخْصَةً لَنَا أصحابَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم .

وفى (( سنن أبى داود والنسائى )) ، من حديث بلال بن الحارث قال : قلت : يا رسول اللَّه ؛ أرأيتَ فسخَ الحجِّ إلى العُمرة لنا خاصَّة ، أم للناس عامة ؟ فقال رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم : (( بَلْ لَنَا خًَاصَّة )) ، ورواه الإمام أحمد .

وفى مسند أبى عوانة بإسناد صحيح : عن إبراهيم التيمى ، عن أبيه ، قال: سُئِلَ عُثْمَانُ عن مُتْعَةِ الحَجِّ فَقَال : كَانَتْ لَنَا ، لَيْسَتْ لَكُمْ .

هذا مجموعُ ما استدلوا به على التخصيص بالصحابة .

قال المجوِّزون للفسخ ، والموجِبُون له : لا حُجة لكم فى شئ من ذلك ، فإنَّ هذه الآثار بين باطل لا يَصِحُّ عمن نُسِب إليه البتة ، وبين صحيح عن قائل غيرِ معصوم لا تُعارَض به نصوصُ المعصوم .

أما الأول: فإن المُرَقِّع ليس ممن تقوم بروايته حُجة ، فضلاً عن أن يُقدَّم على النصوص الصحيحة غيرِ المدفوعة . وقد قال أحمد بن حنبل وقد عُورِضَ بحديثه: ومَن المُرقِّع الأسدى ؟ وقد روى أبو ذر عن النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، الأمر بفسخ الحَجّ إلى العُمْرة . وغاية ما نقل عنه إنْ صح : أنّ ذلك مختصٌّ بالصحابة ، فهو رأيه . وقد قال ابن عباس ، وأبو موسى الأشعرى : إنَّ ذلك عام للأُمة ، فرأى أبى ذر معارَض برأيهما، وسلمت النصوصُ الصحيحةُ الصريحة ، ثم من المعلوم أن دعوى الاختصاص باطلةٌ بنص النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن تلك العُمْرة التى وقع السؤال عنها وكانت عُمْرة فسخ لأبد الأبد ، لا تَختصُّ بقَرن دونَ قرن ، وهذا أصح سنداً من المروى عن أبى ذر ، وأولى أن يُؤخذ به منه لو صحَّ عنه .

وأيضاً.. فإذا رأينا أصحابَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قد اختلفوا فى أمر قد صحَّ عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه فعله وأمر به، فقال بعضُهم : إنه منسوخ أو خاص، وقال بعضهم: هو باقٍ إلى الأبد، فقولُ مَن ادَّعى نسخَه أو اختصاصَه مخالف للأصل، فلا يُقبَلُ إلا ببرهان، وإنَّ أقلَّ ما فى الباب معارضتُه مَن ادَّعى بقاءه وعمومه، والحجةُ تفصِل بين المتنازعين ، والواجبُ الردُّ عند التنازع إلى اللَّه ورسوله . فإذا قال أبو ذر وعثمان: إن الفسخ منسوخ أو خاص، وقال أبو موسى وعبد اللَّه بن عباس: إنه باقٍ وحكمُه عام، فعلى مَن ادَّعى النسخ والاختصاص الدليل.

وأما حديثه المرفوع حديث بلال بن الحارث فحديث لا يُكْتَبُ ، ولا يُعارَض بمثله تلك الأساطين الثابتة .
قال عبد اللَّه بن أحمد: كان أبى يرى للمُهِلِّ بالحج أن يفسخَ حجَّه إن طاف بالبيت وبين الصفا والمروة . وقال فى المتعة : هى آخِرُ الأمرين من رسول الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم . وقال صلى اللَّه عليه وآله وسلم: ((اجْعَلُوا حَجَّكُم عُمْرَةً)). قال عبد اللَّه : فقلت لأبى : فحديث بلال بن الحارث فى فسخ الحج، يعنى قوله: ((لنا خاصة ))؟ قال: لا أقول به، لا يُعرف هذا الرجل ، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف ، ليس حديثُ بلال بن الحارث عندى يثبتُ. هذا لفظه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.