استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة خلال اقتحامها بلدة جنوب جنين    محمد بركات: مباراة الأهلي والترجي فقيرة فنيا    أول ما عرف بطلاقي، صابرين تروي قصة مكالمة جددت حبها والمنتج عامر الصباح بعد 30 عاما    بيني جانتس يهدد بالاستقالة من حكومة نتنياهو لهذه الأسباب    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    ظهر بعكازين، الخطيب يطمئن على سلامة معلول بعد إصابته ( فيديو)    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    بعثة الأهلي تغادر تونس في رحلة العودة للقاهرة بعد التعادل مع الترجي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    نصائح لمواجهة الرهبة والخوف من الامتحانات في نهاية العام الدراسي    هل تسقط احتجاجات التضامن مع غزة بايدن عن كرسي الرئاسة؟    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    بعد اكتشاف أحفاد "أوميكرون "، تحذير من موجة كورونا صيفية ولقاح جديد قريبا    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الاحد 19 مايو 2024    «إزاي تختار بطيخة حلوة؟».. نقيب الفلاحين يكشف طريقة اختيار البطيخ الجيد (فيديو)    إيطاليا تصادر سيارات فيات مغربية الصنع، والسبب ملصق    بعد الانخفاض الكبير في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد بالمصانع والأسواق    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    الأرصاد الجوية تحذر من أعلى درجات حرارة تتعرض لها مصر (فيديو)    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    مصطفى قمر يشعل حفل زفاف ابنة سامح يسري (صور)    حظك اليوم برج العذراء الأحد 19-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    صاحب متحف مقتنيات الزعيم: بعت سيارتي لجمع أرشيف عادل إمام    حماية المنافسة: تحديد التجار لأسعار ثابتة يرفع السلعة بنسبة تصل 50%    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    رامي ربيعة: البطولة لم تحسم بعد.. ولدينا طموح مختلف للتتويج بدوري الأبطال    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    جريمة في شارع ربيع الجيزي.. شاب بين الحياة والموت ومتهمين هاربين.. ما القصة؟    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. ج 2◄46
نشر في فيتو يوم 01 - 01 - 2017

ومازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا «الكتاب القيم»...
وقال ابنُ أبى شيبة: حدَّثنا ابنُ فضيل، عن يزيد، عن مجاهد ، قال : قال عبدُ اللَّهِ بنُ الزبير: أفرِدُوا الحَجَّ ، ودَعُوا قولَ أعماكُم هَذَا . فقال عبدُ اللَّهِ ابنُ عباس: إن الَّذى أعمى اللَّه قلبَه لأنتَ ، ألا تسألُ أُمَّك عَنْ هذا ؟ فأرسلَ إليها، فقالَتْ: صَدَقَ ابْنُ عَبَّاس، جِئنا مَعَ رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلَّم حُجَّاجاً ، فجعلناها عُمْرَةً ، فحللنا الإحلالَ كُلَّه ، حتَّى سَطَعَتِ المَجَامِرُ بَيْنَ الرِّجَالِ والنِّساء.
وفى ((صحيح البخارى)) عن ابن شِهاب ، قال : دخلتُ على عطاء أستفتِيه ، فقال : حدّثنى جابرُ بنُ عبد اللَّه : أنه حجَّ مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم ساق البُدن معه، وقد أهلُّوا بالحجِّ مفرداً، فقال لهم: (( أَحِلُّوا مِنْ إحْرامِكُم بِطَوَافٍ بالبَيْتِ ، وبَيْنَ الصَّفَا والْمروَة ، وقَصِّرُوا ، ثُمَّ أقِيمُوا حَلالاً، حَتَّى إذَا كَانَ يَومُ التَّرْوِيَةِ ، فأهِلُّوا بالحَجِّ واجْعَلُوا التى قَدِمْتُم بها مُتْعَةٌ )) . فقالُوا : كَيْفَ نَجْعَلُها مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ ؟ فقال : (( افْعَلُوا مَا آمُرُكُم به، فَلَوْلا أنى سُقْتُ الهَدْى، لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذى أَمَرْتُكُم بِهِ ، وَلَكِنْ لا يحِلُّ مِنِّى حَرَامٌ ، حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْىُ مَحِلَّه))، ففعلُوا .

وفى ((صحيحه)) أيضاً عنه: أهلَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحَجِّ ... وذكر الحديث . وفيه : فأمر النبىُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عُمرةً ، ويطوفوا ، ثم يقصِّروا إلا مَن ساق الهَدْى : فقالوا : أننطلق إلى مِنَى وذَكَرُ أحَدنا يقطُر ؟ فبلَغ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال((لو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرى مَا اسْتَدْبَرْتُ ما أَهْدَيْتُ ولوْلا أنَّ معى الهَدْى ، لأَحْلَلْتُ)).

وفى (( صحيح مسلم)) عنه فى حَجة الوداع : حتى إذا قَدِمنا مكَّة ، طُفنا بالكعبة وبالصَّفا والمروة ، فأمرنَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، أن يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لم يكُن معه هَدْى، قال: فقُلنا : حِلُّ ماذا ؟ قال : (( الحِلُّ كُلُّه )) ، فواقعنا النِّسَاءَ ، وتَطيَّبنَا بالطِّيب ، ولَبِسْنَا ثيابَنا ، ولَيْس بيننا وبَيْنَ عَرفة إلا أربعُ ليال، ثم أهللنا يَوْمَ التروية.

وفى لفظ آخَر لمسلم: (( فمَنْ كَانَ منْكُم لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ ، فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْها عُمْرَةً ، فحلَّ الناسُ كُلُّهُم وقصَّروا إلا النبىَّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ كَان مَعَهُ هَدْى ، فلما كان يَوْمُ التروية ،توجَّهُوا إلى مِنَى، فَأَهَلُّوا بِالحَجِّ
وفى (( مسند البزار )) بإسناد صحيح : عن أنس رضىَ اللَّه عنه ، أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم ، أهلَّ هُوَ وأصحابُه بالحَجِّ والعُمْرة ، فلما قدموا مكة ، طافوا بالبيت والصفا والمروة ، وأمرهم رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يَحِلُّوا، فهابوا ذلك ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: ((أَحِلُّوا فَلَوْلاَ أَنَّ مَعى الهَدْىَ، لأَحْلَلْتُ))، فأحلُّوا حَتَّى حَلُّوا إلى النِّسَاءِ.
وفى ((صحيح البخارى)): عن أنس، قال : (( صلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ونحنُ معه بالمدينة الظهرَ أربعاً ، والعصر بذى الحُليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ، ثم ركب حتى استوت به راحلتُه على البيداءِ ، حَمِدَ اللَّه ، وسبَّح ، ثم أهلَّ بحَجٍّ وعُمرة ، وأهلَّ الناسُ بهما ، فلما قَدِمْنَا أمر الناس فحلُّوا ، حتى إذا كان يومُ التَّروية ، أهلُّوا بالحَجِّ )) .... وذكر باقى الحديث .

وفى (( صحيحه )) أيضاً : عن أبى موسى الأشعرى ، قال : بعثنى رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى قومى باليمن ، فجئت وهو بالبطحاء ، فَقَالَ : (( بِمَ أَهْلَلْتَ )) ؟ فَقُلْتُ : أَهْلَلْتُ بإِهَلالِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ : (( هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْى )) ؟ قلتُ : لا ، فأَمَرَنى ، فطُفْتُ بالبَيْتِ وَبِالصَّفَا والمَرْوَةِ ، ثمَّ أَمرَنى فَأَحْلَلْتُ.
وفى ((صحيح مسلم)) : أن رجلاً من بنى الهُجَيْمِ قال لابن عبَّاس : ما هَذِه الفُتيا التى قَدْ تشغَّبَت بالنَّاس ، أنَّ مَنْ طَافَ بالبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ ؟ فَقَالَ : سُّنَّة نَبِيِّكُم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسَلَّم وإنْ رَغِمْتُم.
وصدق ابنُ عباس، كُلُّ مَن طاف بالبيت ممن لا هَدْى معه مِن مفرِد، أو قارِن، أو متمتِّع، فقد حلَّ إما وجوباً، وإما حكماً، هذه هى السُّنَّة التى لا رادَّ لها ولا مدفع ، وهذا كقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (( إذَا أدْبَرَ النَّهارُ مِنْ هاهنا ، وأقْبَلَ الليل مِنْ هاهنا ، فقد أفْطَرَ الصَّائِم )) ، إما أن يكون المعنى : أفطر حكماً ، أو دخل وقت إفطاره ، وصار الوقتُ فى حقه وقتَ إفطار. فهكذا هذا الذى قد طاف بالبيت ، إما أن يكون قد حلَّ حُكماً ، وإما أن يكون ذلك الوقت فى حقه ليس وقتَ إحرام ، بل هو وقتُ حِلٍّ ليس إلا ، ما لم يكن معه هَدْى، وهذا صريحُ السُّنَّة.
وفى ((صحيح مسلم)) أيضاً عن عطاء قال: كان ابنُ عباس يقولُ: لا يطوف بالبيتِ حَاج ولا غيرُ حاجٍّ إلا حَلَّ. وكانَ يقولُ: هُوَ بَعْدَ المُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ، وكان يأخذُ ذلك مِن أمر النبىَّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم، حين أمرهم أن يَحِلَّوا فى حَجَّةِ الوَدَاع.
وفى ((صحيح مسلم)): عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((هذه عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بها، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الهَدْىُ ، فَلْيَحِلَّ الحِلَّ كُلَّهُ فَقَدْ دَخَلَتِ العُمْرَةُ فى الحَجِّ إلى يَوْمِ القِيَامَةَ)).
وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن قتادة ، عن أبى الشَّعثاء ، عنِ ابن عباس قال : مَنْ جَاءَ مُهِلاً بالحَجِّ ، فإنَّ الطَّوافَ باليَيْتِ يُصَيِّرُه إلى عُمْرَةٍ شَاءَ أوْ أَبَى، قُلْتُ: إن النَّاسَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَيْكَ، قَالَ: هِيَ سُّنَّة نَبِّيهِمْ وإنْ رَغِمُوا.
وقد روى هذا عنِ النبى صلى الله عليه وسلم مَنْ سمَّيْنا وغيرهم ، وروى ذلك عنهم طوائفُ مِن كبار التابعين ، حتى صار منقولاً نقلاً يرفع الشكَّ ، ويُوجب اليقينَ ، ولا يُمكن أحداً أن ينكره ، أو يقول: لم يقع ، وهو مذهبُ أهل بيت رسولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، ومذهبُ حَبْر الأُمة وبحرها ابنِ عباس وأصحابهِ ، ومذهبُ أبى موسى الأشعرى ، ومذهبُ إمام أهل السُّنَّة والحديث أحمد بن حنبل وأتباعه ، وأهل الحديث معه ، ومذهب عبد اللَّه بن الحسن العنبرى قاضى البصرة ، ومذهب أهل الظاهر.

والذين خالفوا هذه الأحاديث، لهم أعذار .

العذر الأول: أنها منسوخة .
العذر الثانى: أنها مخصوصة بالصحابة ، لا يجوزُ لِغيرهم مشاركُتهم فى حكمها .
العذر الثالث: معارضُتها بما يَدُلُّ على خلاف حُكمها ، وهذا مجموعُ ما اعتذروا به عنها .
ونحن نذكر هذه الأعذار عُذْراً عُذْراً ، ونبيِّنُ ما فيها بمعونة اللَّه وتوفيقه:

أما العذر الأول، وهو النسخ ، فيحتاج إلى أربعة أُمور ، لم يأتوا منها بشئ يحتاج إلى نصوص أُخر ، تكون تِلك النصوصُ معارضة لهذه ، ثم تكونُ مع هذه المعارضة مقاومة لها ، ثم يُثبت تأخرُّها عنها . قال المدَّعون للنسخ : قال عمر بن الخطاب السِّجستانى : حدثنا الفريابى ، حدثنا أبان بن أبى حازم ، قال: حدثنى أبو بكر بن حفص ، عن ابن عُمر ، عن عُمَرَ بنِ الخطاب رضى اللَّه عنه أنه قال لما ولى : (( يا أيُّها الناس ؛ إن رسولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، أحلَّ لنا المتُعة ثم حرَّمها علينا )) رواه البزار فى (( مسنده )) عنه
قال المبيحون للفسخ : عجباً لكم فى مُقاومة الجبال الرَّواسى التى لا تُزعزِعُها الرِّياحُ بِكَثِيبٍ مَهيلِ ، تسفيه الرَّياحُ يميناً وشمالاً ، فهذا الحديثُ ، لا سند ولا متن ، أما سندُه ، فإنه لا تقومُ به حُجة علينا عند أهلِ الحديث ، وأما متنُه ، فإن المراد بالمتعة فيه مُتعة النساء التى أحلَّها رسولُ الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، ثم حرَّمها ، لا يجوز فيها غيرُ ذلك البتة ، لوجوه .
أحدها: إجماعُ الأُمة على أنَّ مُتعة الحَجِّ غيرُ محرَّمة ، بل إما واجبة ، أو أفضلُ الأنساك على الإطلاق ، أو مستحبة ، أو جائزة ، ولا نعلم للأُمة قولاً خامساً فيها بالتحريم .
الثانى: أن عُمَرَ بنَ الخطاب رضى اللَّه عنه ، صحَّ عنه مِن غير وجه ، أنه قال: لو حججتُ لتمتعتُ ، ثم لو حججتُ لتمتعتُ . ذكره الأثرم فى ((سننه )) وغيره
وذكر عبد الرزاق فى ((مصنفه)): عن سالم بن عبد اللَّه ، أنه سئل : أنهى عمر عن مُتعة الحَجّ ؟ قال : لا ، أَبَعْدَ كِتابِ اللَّه تعالى ؟ وذكر عن نافع ، أن رجلاً قال له : أنهى عمر عن مُتعة الحج ؟ قال : لا . وذكر أيضاً عن ابن عباس ، أنه قال : هذا الذى يزعمون أنه نهى عن المُتعة يعنى عمَر سمعتُه يقول : لو اعتمرتُ ، ثم حججتُ ، لتمتَّعتُ .

قال أبو محمد بن حزم : صحَّ عن عمر الرجوعُ إلى القول بالتمتع بعد النهى عنه ، وهذا محال أن يرجعَ إلى القول بما صح عنده أنه منسوخ .

الثالث : أنه من المحال أن ينهى عنها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله : هل هى لِعامِهم ذلك أم للأبد ؟ فقال : (( بل للأبد )) ، وهذا قطع لتوهم ورود النسخ عليها ، وهذا أحدُ الأحكام التى يستحيل ورود النسخ عليها ، وهو الحكمُ الذى أخبر الصادق المصدوق باستمراره ودوامه ، فإنه لا خلف لِخبره .

◄ فى دعوى اختصاص ذلك بالصحابة
العذر الثانى: دعوى اختصاصِ ذلك بالصحابة ، واحتجوا بوجوه :
أحدها : ما رواه عبدُ اللَّهِ بنُ الزبير الحُميدى ، حدثنا سُفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن المُرَقِّعِ ، عن أبى ذر أنه قال : كان فسخُ الحجِّ مِن رسولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لنَا خاصة .
وقال وكيع: حدثنا موسى بن عُبيدة ، حدثنا يعقوب بنُ زيد ، عن أبى ذر قال : لم يَكُنْ لأَحَدٍ بَعْدَنَا أَنْ يَجْعَلَ حَجَّتَهُ عُمْرَةً ، إنَّها كَانَتْ رُخْصَةً لَنَا أَصْحَابَ مَحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم .
وقال البزار: حدّثنا يوسف بن موسى ، حدثنا سلمةُ بنُ الفضل ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن الأسدى ، عن يزيد بن شريك ، قُلنا لأبى ذر : كيف تمتَّع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنتُم معه ؟ فقال : ما أَنْتُمْ وَذَاكَ ، إنَّما ذَاكَ شَئٌ رُخِّصَ لَنَا فيه ، يعنى المتعة .
وقال البزار: حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا عُبيد اللَّه بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن أبى بكر التيمى ، عن أبيه والحارث بن سويد قالا : قال أبو ذر فى الحجِّ والمتعةِ : رخصةٌ أعطاناها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم .
وقال أبو داود: حدثنا هنّاد بن السِّرِى ، عن ابن أبى زائدة ، أخبرنا محمد ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن سليمان أو سليم بن الأسود أن أبا ذر كان يقولُ فيمن حَجَّ ثُمَّ فَسَخَها إلى عُمْرَةٍ ، لم يَكُنْ ذَلِكَ إلاَّ لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
وفى ((صحيح مسلم )): عن أبى ذر . قال : كانَتِ المُتْعَةُ فى الحَجِّ لأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم خَاصَّةً . وفى لفظ : (( كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً )) ، يَعْنى المُتْعَةَ فى الحَجِّ ، وفى لفظ آخر : (( لا تَصِحُّ المُتْعَتَانِ إلاَّ لَنَا خَاصةً )) ، يَعنِى مُتْعَةَ النِّسَاءِ ومُتْعَةَ الحَجِّ . وفى لفظ آخر : (( إنَّمَا كَانَتْ لَنَا خَاصّةً دُونَكُم )) ، يَعْنِى مُتْعَةَ الحَجِّ .

وفى (( سنن النسائى )) بإسناد صحيح : عن إبراهيم التيمى ، عن أبيه ، عن أبى ذر ، فى مُتعِة الحجِّ : لَيْسَتْ لَكُمْ ، ولَسْتُم مِنْهَا فى شَئٍ ، إنَّمَا كَانَتْ رُخْصَةً لَنَا أصحابَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم .

وفى (( سنن أبى داود والنسائى )) ، من حديث بلال بن الحارث قال : قلت : يا رسول اللَّه ؛ أرأيتَ فسخَ الحجِّ إلى العُمرة لنا خاصَّة ، أم للناس عامة ؟ فقال رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم : (( بَلْ لَنَا خًَاصَّة )) ، ورواه الإمام أحمد .

وفى مسند أبى عوانة بإسناد صحيح : عن إبراهيم التيمى ، عن أبيه ، قال: سُئِلَ عُثْمَانُ عن مُتْعَةِ الحَجِّ فَقَال : كَانَتْ لَنَا ، لَيْسَتْ لَكُمْ .

هذا مجموعُ ما استدلوا به على التخصيص بالصحابة .

قال المجوِّزون للفسخ ، والموجِبُون له : لا حُجة لكم فى شئ من ذلك ، فإنَّ هذه الآثار بين باطل لا يَصِحُّ عمن نُسِب إليه البتة ، وبين صحيح عن قائل غيرِ معصوم لا تُعارَض به نصوصُ المعصوم .

أما الأول: فإن المُرَقِّع ليس ممن تقوم بروايته حُجة ، فضلاً عن أن يُقدَّم على النصوص الصحيحة غيرِ المدفوعة . وقد قال أحمد بن حنبل وقد عُورِضَ بحديثه: ومَن المُرقِّع الأسدى ؟ وقد روى أبو ذر عن النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، الأمر بفسخ الحَجّ إلى العُمْرة . وغاية ما نقل عنه إنْ صح : أنّ ذلك مختصٌّ بالصحابة ، فهو رأيه . وقد قال ابن عباس ، وأبو موسى الأشعرى : إنَّ ذلك عام للأُمة ، فرأى أبى ذر معارَض برأيهما، وسلمت النصوصُ الصحيحةُ الصريحة ، ثم من المعلوم أن دعوى الاختصاص باطلةٌ بنص النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن تلك العُمْرة التى وقع السؤال عنها وكانت عُمْرة فسخ لأبد الأبد ، لا تَختصُّ بقَرن دونَ قرن ، وهذا أصح سنداً من المروى عن أبى ذر ، وأولى أن يُؤخذ به منه لو صحَّ عنه .

وأيضاً.. فإذا رأينا أصحابَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قد اختلفوا فى أمر قد صحَّ عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه فعله وأمر به، فقال بعضُهم : إنه منسوخ أو خاص، وقال بعضهم: هو باقٍ إلى الأبد، فقولُ مَن ادَّعى نسخَه أو اختصاصَه مخالف للأصل، فلا يُقبَلُ إلا ببرهان، وإنَّ أقلَّ ما فى الباب معارضتُه مَن ادَّعى بقاءه وعمومه، والحجةُ تفصِل بين المتنازعين ، والواجبُ الردُّ عند التنازع إلى اللَّه ورسوله . فإذا قال أبو ذر وعثمان: إن الفسخ منسوخ أو خاص، وقال أبو موسى وعبد اللَّه بن عباس: إنه باقٍ وحكمُه عام، فعلى مَن ادَّعى النسخ والاختصاص الدليل.

وأما حديثه المرفوع حديث بلال بن الحارث فحديث لا يُكْتَبُ ، ولا يُعارَض بمثله تلك الأساطين الثابتة .
قال عبد اللَّه بن أحمد: كان أبى يرى للمُهِلِّ بالحج أن يفسخَ حجَّه إن طاف بالبيت وبين الصفا والمروة . وقال فى المتعة : هى آخِرُ الأمرين من رسول الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم . وقال صلى اللَّه عليه وآله وسلم: ((اجْعَلُوا حَجَّكُم عُمْرَةً)). قال عبد اللَّه : فقلت لأبى : فحديث بلال بن الحارث فى فسخ الحج، يعنى قوله: ((لنا خاصة ))؟ قال: لا أقول به، لا يُعرف هذا الرجل ، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف ، ليس حديثُ بلال بن الحارث عندى يثبتُ. هذا لفظه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.