استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة خلال اقتحامها بلدة جنوب جنين    محمد بركات: مباراة الأهلي والترجي فقيرة فنيا    أول ما عرف بطلاقي، صابرين تروي قصة مكالمة جددت حبها والمنتج عامر الصباح بعد 30 عاما    بيني جانتس يهدد بالاستقالة من حكومة نتنياهو لهذه الأسباب    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    ظهر بعكازين، الخطيب يطمئن على سلامة معلول بعد إصابته ( فيديو)    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    بعثة الأهلي تغادر تونس في رحلة العودة للقاهرة بعد التعادل مع الترجي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    نصائح لمواجهة الرهبة والخوف من الامتحانات في نهاية العام الدراسي    هل تسقط احتجاجات التضامن مع غزة بايدن عن كرسي الرئاسة؟    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    بعد اكتشاف أحفاد "أوميكرون "، تحذير من موجة كورونا صيفية ولقاح جديد قريبا    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الاحد 19 مايو 2024    «إزاي تختار بطيخة حلوة؟».. نقيب الفلاحين يكشف طريقة اختيار البطيخ الجيد (فيديو)    إيطاليا تصادر سيارات فيات مغربية الصنع، والسبب ملصق    بعد الانخفاض الكبير في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد بالمصانع والأسواق    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    الأرصاد الجوية تحذر من أعلى درجات حرارة تتعرض لها مصر (فيديو)    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    مصطفى قمر يشعل حفل زفاف ابنة سامح يسري (صور)    حظك اليوم برج العذراء الأحد 19-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    صاحب متحف مقتنيات الزعيم: بعت سيارتي لجمع أرشيف عادل إمام    حماية المنافسة: تحديد التجار لأسعار ثابتة يرفع السلعة بنسبة تصل 50%    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    رامي ربيعة: البطولة لم تحسم بعد.. ولدينا طموح مختلف للتتويج بدوري الأبطال    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    جريمة في شارع ربيع الجيزي.. شاب بين الحياة والموت ومتهمين هاربين.. ما القصة؟    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. ج2◄41
نشر في فيتو يوم 22 - 12 - 2016

ومازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا «الكتاب القيم»...
والثانى: إن القارن ليس عليه إلا سعىٌ واحد ، فإن أتى به أولاً ، وإلا سعى عقيبَ طواف الإفاضة ، والمتمتعُ عليه سعى ثانٍ عند الجمهور . وعن أحمد رواية أخرى : أنه يكفيه سعى واحد كالقارن ، والنبى صلى الله عليه وسلم لم يسعَ سعياً ثانياً عقيبَ طوافِ الإفاضة ، فكيف يكونُ متمتعاً على هذا القولِ.

فإن قيل: فعلى الرواية الأخرى ، يكون متمتعاً ، ولا يتوجه الإلزام ، ولها وجه قوى من الحديث الصحيح ، وهو ما رواه مسلم فى (( صحيحه )) ، عن جابر قال : لم يطفِ النبى صلى الله عليه وسلم ، ولا أصحابهُ بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً . طوافَه الأول هذا ، مع أنَّ أكثرَهم كانُوا متمتِّعين . وقد روى سفيانُ الثورىُّ ، عن سلمةَ بن كُهيل قال : حلف طاووس : ما طاف أحدٌ من أصحاب رسولِ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم لِحَجِّه وعُمرته إلا طوافاً واحداً.

قيل: الذين نظروا أنه كان متمتعاً تمتعاً خاصاً ، لا يقولُون بهذا القول ، بل يُوجِبون عليه سَعيين ، والمعلومُ مِن سُّنَّته صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ، أنه لم يسعَ إلا سعياً واحداً ، كما ثبت فى الصحيح ، عن ابن عمر، أنه قرن ، وقدم مكة ، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ولم يزد على ذلك ، ولم يحلِقْ ولا قصَّر ، ولا حَلَّ مِن شئ حرم منه ، حتى كان يومُ النحر، فنحَرَ وحلَق رأسه، ورأى أنه قد قضى طوافَ الحجِّ والعُمْرة بطوافِه الأول ، وقال : هكذا فعل رسولُ الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم . ومراده بطوافه الأول الذى قضى به حَجَّه وعُمْرته : الطوافُ بين الصفا والمروة بلا ريب.

وذكر الدارقطنى، عن عطاء ونافع ، عن ابن عمر ، وجابر : أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم ، إنما طاف لحَجِّه وعُمرته طوافاً واحداً ، وسعى سعياً واحداً ، ثم قَدِمَ مكة ، فلم يسعَ بينهما بعد الصَّدَرِ فهذا يدل على أحدِ أمرين ، ولا بُد إما أن يكون قارناً ، وهو الذى لا يُمكن مَن أوجبَ على المتمتع سعيينِ أن يقولَ غيرَه ، وإما أن المتمتع يكفيه سعىٌ واحد ، ولكن الأحاديث التى تقدَّمت فى بيان أنه كان قارناً صريحةٌ فى ذلك ، فلا يُعدَل عنها .

فإن قيل فقد روى شعبةُ، عن حُميد بن هلال ، عن مُطرِّف ، عن عِمران بن حُصين ، أن النبىَّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، طاف طوافين ، وسعى سعيين . رواه الدارقطنى عن ابن صاعد : حدثنا محمد بن يحيى الأزدى ، حدثنا عبد اللَّه بن داود ، عن شعبة . قيل : هذا خبر معلول وهو غلط . قال الدارقطنى : يقال : إن محمد بن يحيى حدَّث بهذا من حفظه ، ]فوهم فى متنه والصواب بهذا الإسناد : أن النبىَّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم قرن بين الحَجِّ والعُمرة واللَّه أعلم . وسيأتى إن شاء اللَّه تعالى ما يدل على أن هذا الحديث غلط .

وأظن أن الشيخ أبا محمد بن قدامة ، إنما ذهب إلى أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم كان متمتعاً ، لأنه رأى الإمام أحمد قد نصَّ على أن التمتعَ أفضلُ مِن القِران ، ورأى أن اللَّه سُبحانه لم يكن لِيختارَ لِرسوله إلا الأفضلَ ، ورأى الأحاديثَ قد جاءت بأنه تمتع ، ورأى أنها صريحةٌ فى أنه لم يَحِلَّ ، فأخذ من هذه المقدمات الأربع أنه تمتع تمتعاً خاصاً لم يَحِلَّ منه ، ولكن أحمد لم يُرجح التمتع ، لكون النبىَّ صلى الله عليه وسلم حجَّ متمتعاً، كيف وهو القائل : لا أشكُّ أن رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم كان قارناً ، وإنما اختار التمتع لِكونه آخِرَ الأمرين مِن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم، وهو الَّذى أمر به الصحابة أن يَفسخُوا حَجَّهم إليه ، وتأسَّف على فوته .

ولكن نقل عنه المَرْوَزِى، أنه إذا ساق الهَدْىَ ، فالقِران أفضل ، فمِن أصحابه مَنْ جَعل هذا رواية ثانية ، ومِنهم مَن جعل المسألة روايةً واحدةً ، وأنه إن ساق الهَدْىَ، فالقِران أفضلُ، وإن لم يَسُقْ فالتمتُّع أفضلُ ، وهذه طريقة شيخنا ، وهى التى تليق بأصولِ أحمد ، والنبىُّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم لم يتمنَّ أنه كان جعلها عُمْرةٌ مع سوقه الهَدْىَ ، بل ودَّ أنه كان جعلها عُمْرة ولم يَسُقِ الهدىَ .

بقى أن يُقال : فأىُّ الأمرين أفضلُ ، أن يسوقَ ويَقْرِنَ ، أو يترك السَّوْق ويتمتَّعَ كما ودَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم أنه فعله .

قيل : قد تعارض فى هذه المسألة أمرانِ .
أحدُهما: أنه صلى الله عليه وسلم قرن وساق الهَدْى ، ولم يكن اللَّه سبحانه لِيختار له إلا أفضلَ الأمور ، ولا سيما وقد جاءه الوحى به من ربه تعالى ، وخيرُ الهَدْى هَدْيه صلى الله عليه وسلم .
والثانى قوله: (( لو اسْتَقْبَلْتُ من أَمْرى ما اسْتَدْبَرْتُ لمَا سُقْتُ الهَدْىَ ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً )) . فهذا يقتضى ، أنه لو كان هذا الوقتُ الذى تكلم فيه هو وقت إحرامه ، لكان أحرم بعُمْرة ولم يَسُق الهَدْى ، لأن الذى استدبره هو الذى فعله ، ومضى فصار خلفه ، والذى استقبله هو الذى لم يفعله بعدُ ، بل هو أمامَهُ ، فبيَّن أنه لو كان مستقبلاً لما استدبره ، وهو الإحرام بالعُمْرة دون هَدْى ، ومعلوم أنه لا يختارُ أن ينتقِلَ عن الأفضل إلى المفضولِ ، بل إنما يختارُ الأفضلَ ، وهذا يَدلُّ على أن آخِر الأمرينِ منه ترجيحُ التمتع .

ولمن رجَّح القِرانَ مع السَّوقِ أن يقولَ : هو صلى اللَّه عليه وسلم لم يَقُلْ هذا ، لأجل أن الذى فعله مفضولٌ مرجُوح ، بل لأن الصحابة شقَّ عليهم أن يَحِلُّوا من إحرامهم مع بقائه هو مُحِرماً ، وكان يختار موافقتهم لِيفعلوا ما أُمِرُوا به مع انشراحٍ وقبول ومحبة ، وقد ينتقِل عن الأفضل إلى المفضول ، لما فيه من الموافقة وتأليف القلوب ، كما قال لعائشة : (( لَوْلاَ أنَّ قَومَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بَجَاهِلَّيةٍ لَنَقَضْتُ الكَّعْبَةَ وجَعَلْتُ لهَا بَابَيْنِ )) فهذا تركُ ما هو الأولى لأجل الموافقة والتأليف ، فصار هذا هو الأَوْلى فى هذه الحال ، فكذلك اختيارُه للمُتعة بلا هَدْى . وفى هذا جمع بين ما فعله وبين ما ودَّه وتمنَّاه ، ويكون اللَّه سبحانه قد جمع له بين الأمرين ، أحدُهما بفعله له ، والثانى : بتمنِّيه وودِّه له ، فأعطاه أجرَ ما فعله ، وأجرَ ما نواه من الموافقة وتمنَّاه ، وكيف يكون نُسُكٌ يتخلَّلُه التَّحللُ ولم يَسُقْ فيه الهَدْىَ أفضلَ مِن نُسُكٍ لم يتخلَّله تحلُّل ، وقد ساق فيه مائةَ بَدَنةٍ ، وكيف يكون نُسُكٌ أفضل فى حقه من نُّسُك اختاره اللَّه له ، وأتاه به الوحىُ من ربه

فإن قيل : التمتع وإن تخلله تحلل ، لكن قد تكرَّرَ فيه الإحرامُ ، وإنشاؤه عبادة محبوبة للرب ، والقِران لا يتكرر فيه الإحرام ؟
قيل : فى تعظيم شعائر اللَّه بسوق الهَدْى ، والتقرب إليه بذلك من الفضل ما ليس فى مجرد تكرر الإحرام ، ثم إن استدامته قائمةٌ مقام تكرُّره ، وسوقُ الهَدْى لا مقابل له يقومُ مقامه .

فإن قيل : فأيُّما أفضلُ ، إفراد يأتى عقيبَه بالعُمْرة أو تمتع يَحِلُّ منه ، ثم يُحِرمُ بالحج عقيبَه ؟

قيل : معاذ اللَّه أن نظن أن نُسُكاً قطُّ أفضلُ من النُّسُكِ الذى اختاره اللَّه لأفضل الخلق ، وسادات الأُمَّة ، وأن نقول فى نُسُك لم يفعله رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من الصحابة الذين حَجُّوا معه ، بل ولا غيرُهم من أصحابه : إنه أفضلُ مما فعلوه بأمره ، فكيف يكون حَج على وجه الأرض أفضلَ مِن الحَجِّ الذى حجَّه النبى صلواتُ اللَّه عليه ، وأُمِرَ به أفْضَلُ الخلق ، واختاره لهم ، وأمرهم بفسخ ما عداه من الأنساك إليه ، وودَّ أنه كان فعله ، لا حَجَّ قطُّ أكملُ من هذا . وهذا وإن صح عنه الأمر لمن ساق الهَدْىَ بالقِران ، ولمن لم يسقْ بالتمتع ، ففى جوازِ خِلافه نظر ، ولا يُوحشْك قِلَّةُ القائلين بوجوب ذلك ، فإن فيهم البحرَ الذى لا يَنْزِفُ عبدَ اللَّه بن عباس وجماعةً من أهل الظاهر ، والسُّنَّة هى الحَكَمُ بين الناس .. واللَّه المستعان .

فى عذر مَن قال إنه صلى الله عليه وسلم حج قارناً قِراناً طاف له طوافين ، وسعى له سعيين

وأما مَن قال : إنه حَجَّ قارِناً قِراناً طاف له طوافين ، وسعى له سعيين ، كما قاله كثير من فقهاء الكوفة ، فعُذْرُه ما رواه الدارقطنى من حديث مجاهد ، عن ابن عمر : أنه جمع بين حَجٍّ وعُمْرة معاً ، وقال : سبيلهما واحد ، قال : وطاف لهما طوافين ، وسعى لهما سعيين . وقال : هكذا رأيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت .

وعن علىِّ بن أبى طالب ، أنه جمع بينهما ، وطافَ لهما طوافين ، وسَعَى لهما سعيين ، وقال : هكذا رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صنعَ كما صنعتُ .

وعن علىِّ رضى اللَّه عنه أيضاً أن النبى صلى الله عليه وسلم كان قارناً ، فطاف طوافَيْنِ ، وسعى سعيين .

وعن علقمة، عن عبد اللَّه بن مسعود قال : طافَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لحَجَّته وعُمرته طوافين ، وسعى سعيين ، وأبو بكر ، وعمر ، وعلىّ ، وابن مسعود .

وعن عِمران بن حُصين : أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم طاف طوافَيْنِ ، وسعى سعيين

وما أحسن هذا العذرَ ، لو كانت هذه الأحاديثُ صحيحةً ، بل لا يَصِحُّ منها حرف واحد .

أما حديث ابن عمر ، ففيه الحسن بن عُمارة ، وقال الدارقطنى : لم يروه عن الحكم غيرُ الحسن بن عُمارة ، وهو متروك الحديث .

وأما حديثُ علىّ رضى اللَّه عنه الأول ، فيرويه حفص بن أبى داود . وقال أحمد ومسلم : حفص متروك الحديث ، وقال ابن خراش : هو كذَّاب يضع الحديث ، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى ، ضعيف .

وأما حديثه الثانى : فيرويه عيسى بن عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن على ، حدثنى أبى عن أبيه عن جده قال الدارقطنى : عيسى بن عبد اللَّه يقال له : مبارك ، وهو متروك الحديث .

وأما حديث علقمة عن عبد اللَّه ، فيرويه أبو بردة عمرو بن يزيد ، عن حماد عن إبراهيم ، عن علقمة . قال الدارقطنى : وأبو بردة ضعيف ، ومَنْ دونه فى الإسناد ضعفاء .. انتهى . وفيه عبد العزيز بن أبان ، قال يحيى : هو كذَّاب خبيث . وقال الرازى والنسائى : متروك الحديث .

وأما حديث عِمران بن حصين ، فهو مما غَلِطَ فيه محمد بن يحيى الأزدى ، وحدَّث به من حفظه ، فوهم فيه ، وقد حدَّث به على الصواب مِراراً ، ويقال : إنه رجع عن ذكر الطواف والسعى .

وقد روى الإمام أحمد ، والترمذى ، وابن حبان فى (( صحيحه )) من حديث الدراوردى ، عن عُبيد اللَّه بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ قَرَنَ بين حَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ ، أَجْزَأَهُ لَهُمَا طَوافٌ واحِدٌ )) . ولفظ الترمذى : (( مَنْ أَحْرَمَ بالحَجِّ والعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوافٌ وَسَعْىٌ وَاحِدٌ عنهما ، حَتَّى يَحِلَّ مِنهما جَميعاً )) .

وفى (( الصحيحين ))، عن عائشةَ رضى اللَّه عنها قالت : خرجنا مَعَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى حَجَّةِ الوداع ، فأهللنا بعُمرة ، ثم قال : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيُهلَّ بالحَجِّ والعُمْرَةِ ، ثُمَّ لا يَحِلّ حتَّى يَحلَّ مِنْهُمَا جَمِيعاً ، فطاف الَّذِينَ أَهَلُّوا بالعُمْرةِ ، ثُمَّ حَلُّوا ، ثم طَافُوا طَوَافاً آخَرَ بَعْدَ أنْ رَجَعُوا مِنْ مِنَى ، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ ، فإنَّمَا طَافُوا طَوَافَاً واحِداً)).

وصحَّ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لِعائِشة : (( إنَّ طوافَكِ بالبَيْتِ وبِالصَّفَا والمَرْوَةِ ، يَكْفِيكِ لحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ )) .

وروى عبد الملك بن أبى سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، طاف طوافاً واحِداً لحَجِّه وعُمرته . وعبد الملك : أحد الثقات المشهورين ، احتج به مسلم ، وأصحاب السنن . وكان يقال له : الميزان ، ولم يُتكلم فيه بضعف ولا جرح ، وإنما أُنكر عليه حديثُ الشفعة، وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عنه عَارُهَا

وقد روى الترمذى عن جابر رضى اللَّه عنه ، أن النبى صلى الله عليه وسلم قَرنَ بين الحجِّ والعُمرة ، وطاف لهما طوافاً واحداً وهذا ، وإن كان فيه الحجاج بن أرطاة ، فقد روى عنه سفيان ، وشعبة ، وابن نمير ، وعبد الرزاق ، والخلق عنه . قال الثورى : وما بقىَ أحد أعرفُ بما يخرُجُ من رأسه منه ، وعيب عليه التدليسُ ، وقلَّ من سَلِمَ منه . وقال أحمد : كان من الحفاظِ ، وقال ابن معين : ليس بالقوى ، وهو صدوق يدلس . وقال أبو حاتم : إذا قال : حدَّثنا ، فهو صادق لا نرتابُ فى صدقه وحفظه . وقد روى الدارقطنى ، من حديث ليث بن أبى سليم قال : حدثنى عطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، عن جابرٍ ، وعن ابن عمر ، وعن ابن عباس : أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَطُفْ هو وأصحابه بين الصَّفا والمروة إلا طوافاً واحِداً لعُمْرتهم وحَجهم . وليث بن أبى سليم ، احتج به أهلُ السنن الأربعة ، واستشهد به مسلم ، وقال ابنُ معين : لا بأس به ، وقال الدارقُطنى : كان صاحبَ سُنَّة ، وإنما أنكروا عليه الجمعَ بين عطاء وطاووس ومجاهد فحسب. وقال عبد الوارث : كان من أوعية العلم ، وقال أحمد : مضطرِب الحديث ، ولكن حدَّث عنه الناس ، وضعَّفه النسائى ، ويحيى فى رواية عنه ، ومثل هذا حديثه حسن . وإن لم يبلغ رتبة الصحة .

وفى (( الصحيحين )) عن جابر قال : دخل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم على عائشة ، ثم وجدَها تبكى فَقَالَ : (( ما يُبْكِيكِ )) ؟ فقالت : قد حِضْتُ وقد حَلَّ الناس ولم أَحِلَّ ولم أطُفْ بالبَيْتِ ، فقال : (( اغْتَسِلى ثُمَّ أهلِّى )) ففعلت ، ثم وقفت المواقِفَ حتى إذا طهُرت ، طافت بالكعبة وبالصفا والمَرْوَةِ ، ثم قال : (( قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعاً )) .

وهذا يدل على ثلاثة أُمور...
أحدها: أنها كانت قارنة، والثانى : أن القارن يكفيه طوافٌ واحدٌ وسعىٌ واحد . والثالث : أنه لا يجب عليها قضاءُ تِلك العُمْرةِ التى حاضت فيها ، ثم أدخلت عليها الحجَّ، وأنها تَرْفُض إحرام العُمْرة بحيضها ، وإنما رفضت أعمالها والاقتصارَ عليها ، وعائشة لَم تَطُفْ أولاً طوافَ القُدوم، بل لم تَطُفْ إلا بعْدَ التَّعريفِ، وسعت مع ذلك، فإذا كان طوافُ الإفاضة والسعىُ بعدُ يكفى القارِنَ ، فلأن يكفيه طوافُ القدوم مع طواف الإفاضة، وسعى واحد مع أحدهما بطريق الأَوْلى، لكن عائشة تعذَّر عليها الطواف الأول، فصارت قصَّتها حُجَّةً ، فإن المرأة التى يتعذَّر عليها الطوافُ الأول ، تفعلُ كما فعلت عائشة ، تُدخِلُ الحَجَّ على العُمْرة ، وتصيرُ قارنةً ، ويكفيها لهما طوافُ الإفاضة والسعىُ عقيبه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.