أنكر مؤامرة «كعب الأحبار».. ودافع عن أشهر رواة الحديث هاجم الحكومة واستنفر البرلمان لمواجهة حملات تشويه الإسلام اعتبر الدكتور مصطفى رجب، أستاذ التربية العميد السابق لكلية التربية جامعة سوهاج وواحد من المتهمين والدارسين لفكر عميد الأدب العربي، أن الدكتور طه حسين فوق مستوى الشبهات، مؤكدًا أنه كان من أكثر المدافعين عن الإسلام، كما استنكر الهجمات التي وصلت إلى حد تكفيره، رغم كونه أحد رموز الأدب العربي، مثمنًا شهادة الدكتور أحمد الطيب بحقه مؤخرًا. وفي حواره ل«فيتو» تناول «رجب» الجانب المجهول في شخصية «طه حسين»، ومعاركه التي خاضها دفاعًا عن الإسلام وانتقد خلالها الغرب بشراسة... وإلى نص الحوار: كيف ترى الهجوم الذي تعرض له طه حسين بسبب كتاب «في الشعر الجاهلي»؟ بعض المتعصبين وقصار النظر يتهمون طه حسين في دينه ويرمونه بأفظع تهم التكفير، استنادًا إلى قضية الشعر الجاهلي التي تراجع فيما بعد عن أكثر ما أحاط بها من شبهات، ولا يعلم المتعصبون وقصار النظر أن طه حسين لم يقبل يومًا أن يهان الإسلام في بلد الأزهر الشريف وشن حملات عنيفة ضد أولئك المبشرين الذين أرادوا بالإسلام وبمصر كل سوء. في رأيك.. هل تأثر طه حسين بسنوات الغربة أم ظل متمسكا بتعاليم الإسلام؟ على المستوى الشخصي، يروي المقربون منه كيف كان طه حسين يقضي معظم يومه في السنوات العشر الأخيرة من عمره مستمعًا لإذاعة القرآن الكريم بعد إنشائها أوائل الستينيات، كما حج البيت واعتمر أكثر من مرة، وكانت هناك عشرات الأرامل ممن يكفلن أسرًا فقيرة يحضرن إليه في كل شهر فيدفع إليهن مبالغ ثابتة، وكانت تلك المواقف هي الأوقات الوحيدة التي يطلب فيها من سكرتيره مغادرة مجلسه رعاية لسرية الصدقة.. إن أدب الإسلام يحتم على كل مسلم -لا سيما من يحترفون الدعوة - إحسان الظن بالناس والتثبت قبل إلقاء التهم جزافًا وبخاصة إذا كان من يتهمونه قد تبرأ مما يرمونه به. البعض يرى تناقضًا في موقف طه حسين من الأزهر «يهاجم المشيخة تارة ويدافع عنها تارة أخرى».. كيف ذلك؟ نعم فقد اتفق طه حسين مع آراء الشيخ محمد مصطفى المراغي الذي تولى مشيخة الأزهر بعض الوقت ثم أقصى عنها، قبل أن يتولاها مرة ثانية، وكان الشيخ المراغي حين نشبت فكرة التنصير خارج السلطة ولأنه كان عالمًا بارزًا من أعلام الأزهر، أسس جماعة سماها «جماعة الدفاع عن الإسلام» تبنت قضية التنصير وأبلت فيها بلاءً حسنًا ثم تقدم الشيخ المراغي إلى نائب رئيس الوزراء بمذكرة باسم تلك الجماعة يطالب الحكومة فيها أن ترد عن المصريين عدوان تلك الهيئات الأجنبية التي تنهض بأعمال التبشير، وكتب طه حسين يناصر هذا الموقف في مقال بعنوان «واجبات»: الأستاذ (يقصد المراغي) ومن ورائه جماعة «الدفاع عن الإسلام» لا يذود عن الإسلام وحده، ولكن يذود عن المسيحية أيضًا، بل هو يذود عن الحرية المصرية كلها، وما كان لعلماء الإسلام غير هذا الطريق أو يتحدثوا بغير هذه اللهجة، فدينهم يلزمهم الذود عن حرية الرأي، ودينهم يلزمهم أن يتوخوا الحق في كل ما يقولون وما يعملون، والحق أن الإسلام دين الدولة، ودين كثرة المصريين، فيجب أن يحميه المصريون جميعًا، وأن تكون الحكومة أول من يحميه، والحق أن المسيحية دين جماعة من المصريين وأن الكنيسة القبطية مظهر من مظاهر المجد المصري المؤثر، فيجب أن يحميها المصريون جميعًا، وأن تكون الحكومة أول من ينهض بحمايتها، والحق أنه لا إكراه في الدين فيجب على المصريين جميعًا أن يحموا كل دين قائم في مصر من الإكراه مهما يكن. يجب أن تحمى الديانات من أن يخرج الناس منها مكرهين.. ويجب أن يستبين للناس جميعًا أن الإكراه في نفسه إثم يمقته الدين ويمقته القانون». كما قال طه حسين في مقالته نفسها: «ولو أن عدوان هؤلاء المبشرين وقع من المسلمين على الأقباط أو من الأقباط على المسلمين لما ترددت الحكومة في تنفيذ القانون، وترفع أمر الآثمين إلى القضاء؛ لأن هؤلاء الآثمين سيكونون يومئذ من المصريين الذين لا تحميهم الامتيازات ولا تتحرج الحكومة من أخذهم بالشدة حتى يقضي العدل بذلك». إذن طه حسين خاض معارك غيرة على الإسلام وهو ما يتنافي مع ما يردد ووصل الأمر إلى تكفيره؟ بالفعل خاض عميد الأدب العربي معارك عنيفة دفاعًا عن الإسلام، وعندما يئس من تحرك الحكومة لجأ إلى استنفار البرلمان بمجلسيه (الشيوخ والنواب)، فيستثير حفيظتهما ليذودا عن دينهم المضطهد في عقر داره في مقال ساخن عنوانه «فتنة» فقال: «وقصرت الحكومة أو عجزت عن النهوض بواجبها فلم تحم دين المصريين ولا كرامتهم ولا عزتهم القومية حتى انتهى الشر إلى غايته وبلغ عدوان هؤلاء الناس أقصاه فإذا بالصبيان ينصرون جهرة، ويصرفون عن دينهم في وضح النهار». اتهم البعض طه حسين بأنه كان أداة أوروبية استعمارية غرضها تشويه الإسلام.. ما رأيك؟ هذا ينافي الواقع تماما، وكلها اتهامات كاذبة، فعندما اشتدت حملة طه حسين ضد التبشير حين دافعت جريدة "التايمز" البريطانية عن التنصير كتب طه حسين تحت عنوان «تجن»، فقال: «إذا طغى الأجانب على المصريين في منافعهم ومرافقهم وازدروا حريتهم وكرامتهم وعرضوا فريقًا منهم للجوع والحرمان، وأظهر المصريون شيئًا من استنكار ذلك أو السخط عليه، غضب الأجانب وأسرفوا في الغضب، وشكا الأجانب وألحوا في الشكوى، وقال الأجانب إن في مصر بغضًا لهم، وائتمارًا عليهم واستعان الأجانب على المصريين بالإنجليز، وشكا الأجانب من المصريين إلى الوزارة المصرية وإذا اعتدى المبشرون من الأجانب على صبيان المصريين من أبنائهم وبناتهم وفتنوهم في دينهم لا يفرقون في ذلك بين المسلم والمسيحي واليهودي، وسلكوا إلى ذلك طريق الإكراه والتعذيب حينًا، وطريق الإغواء والإغراء حينًا آخر، وطرق العبث والخداع وإفساد الإرادة بالتنويم المغناطيسى مرة ثالثة». وماذا عن موقفه من «السنة»؟ دافع طه حسين عن السنة كثيرًا، ويكشف ذلك الدكتور محمد رجب البيومي، أستاذ تاريخ الأدب والعميد الأسبق لكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، حيث ركز على صفحة أخرى مجهولة من تاريخ طه حسين دافع فيها عن السنة النبوية المطهرة، لكنَّ ظروفًا تاريخية حالت دون شيوع هذا الدفاع، وظلت صحيفة الرجل الدينية ملوثة عند خصومه المغرضين، يقول الدكتور البيومي: «حين صدرت الطبعة الأولى من كتاب (أضواء على السنة المحمدية) تقدم به المؤلف إلى الدكتور طه حسين ليكتب كلمة عنه في جريدة الجمهورية، وأنكر (حسين) ما زعمه المؤلف من مؤامرة (كعب الأحبار) على عمر بن الخطاب لأسباب شرحها، كما واجه المؤلف بخطئه فيما نسبه إلى أبي هريرة من أفعال لم يقترفها، وكان فيما قال: زعم أن أبا هريرة لم يصاحب النبي صلى الله عليه وسلم محبة له ولكن ليملأ بطنه، وهذا خطأ لأن أبا هريرة لم يأت من اليمن ليملأ بطنه بل ليؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ! كما زعم المؤلف أن أبا هريرة كان يأكل مع معاوية ويصلي مع على، ولا أريد أن أعرف كيف كان يجتمع لأبي هريرة أن يصلي مع على في العراق ويأكل مع معاوية في الشام إلا أن يكون ذلك في حرب صفين، ولو فعل ذلك لاتهمه أحد الفريقين بالنفاق فكشف أمره، ولكن هذه تهمة باطلة، كما أن المؤلف اندفع إلى تسفيه آراء مخالفيه ووصفهم بالجمود وبالخشونة، ولو صبر حتى يخرج كتابه ويقرأه الناس كلهم ويسمع رأيهم فيه لكان هذا الصبر خيرًا له».