سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الجمعة 17 مايو 2024    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة من غزة    شقيقة زعيم كوريا الشمالية: نظرية صفقة الأسلحة مع روسيا هي الأكثر سخافة    كندا تفرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين بسبب انتهاكات    الاستخبارات العسكرية الروسية: الناتو قدم لأوكرانيا 800 دبابة وأكثر من 30 ألف مسيرة    فاروق جعفر: مباراة الزمالك أمام نهضة بركان لن تكون سهلة    عاجل - "احترسوا من الجو".. حالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة في محافظة جنوب سيناء    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    لبلبة: عادل إمام أحلى إنسان في حياتي (فيديو)    كيفية معالجة الشجار بين الاطفال بحكمة    أضرار السكريات،على الأطفال    نجم الأهلي السابق يتوقع طريقة لعب كولر أمام الترجي    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    هل يشارك لاعب الزمالك في نهائي الكونفدرالية بعد وفاة والده؟    بعد قفزة مفاجئة.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة    36 ثانية مُرعبة على الطريق".. ضبط ميكانيكي يستعرض بدراجة نارية بدون إطار أمامي بالدقهلية-(فيديو)    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم (فيديو)    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    «مش هيقدر يعمل أكتر من كدة».. كيف علّقت إلهام شاهين على اعتزال عادل إمام ؟    يوسف زيدان يفجر مفاجأة بشأن "تكوين": هناك خلافات بين الأعضاء    من أجل بطاقة السوبر.. ماذا يحتاج برشلونة لضمان وصافة الدوري الإسباني؟    فاروق جعفر: واثق في قدرة لاعبي الزمالك على التتويج بالكونفدرالية.. والمباراة لن تكون سهلة    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    الوادى الجديد: استمرار رفع درجة الاستعداد جراء عواصف ترابية شديدة    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. 10
نشر في فيتو يوم 15 - 11 - 2016

مازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية».. احتفاء واحتفالا بقرب قدوم ذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
◄هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة

كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: ((اللَّهُ أَكْبَرُ)) ولم يقل شيئاً قبلها ولا تلفَّظ بالنية البتة، ولا قال: أصلي للَّهِ صلاة كذا مُستقبِلَ القبلة أربعَ ركعات إماماً أو مأموماً، ولا قال: أداءً ولا قضاءً، ولا فرض الوقت، وهذه عشرُ بدع لم يَنْقُلْ عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظةً واحدةً منها البتة، بل ولا عن أحد من أصحابه، ولا استحسنه أحدٌ من التابعين، ولا الأئمةُ الأربعة، وإنما غَرَّ بعضَ المتأخرين قولُ الشافعي رضي اللّه عنه في الصلاة: إنها ليست كالصيام، ولا يدخل فيها أحد إلا بذكر، فظن أن الذكر تلفُّظُ المصلي بالنية، وإنما أراد الشافعي رحمه اللّه بالذكر: تكبيرةَ الإِحرام ليس إلا، وكيف يستحِبُّ الشافعيُّ أمراً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة واحدة، ولا أحدٌ مِن خلفائه وأصحابِه، وهذا هديُهم وسيرتُهم، فإن أَوْجَدَنَا أحدٌ حرفاً واحداً عنهم في ذلك، قبلناه، وقابلناه بالتسليم والقبول، ولا هديَ أكملُ من هديهم، ولا سنةَ إلا ما تلقَّوه عن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم.

وكان دأبُه في إحرامه لفظةَ: ((اللَّهُ أَكْبَرُ)) لا غيرَها، ولم ينقل أحدٌ عنه سواها.

وكان يرفع يديه معها ممدودةَ الأصابع، مستقبلاً بها القبلةَ إلى فروع أُذنيه، ورُوي إلى منكبيه، فأبو حميد السَّاعديُّ وَمَنْ معه قالوا: حتى يُحاذيَ بهما المَنكِبيْنِ، وكذلك قال ابن عمر. وقال وائل بن حُجر: إلى حِيال أُذنيه. وقال البراء: قريباً من أُذنيه. وقيل: هو من العمل المخيَّر فيه، وقيل: كان أعلاها إلى فروع أُذنيه، وكفَّاه إلى منكبيه، فلا يكون اختلافاً، ولم يختلف عنه في محل هذا الرفع، ثم يضعُ اليُمنى على ظهرِ اليُسرى.

وكان يستفتح تارة ب ((اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْج وَالبَرَدِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ)).

وتارة يقول: ((وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً مُسلِماً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَماتِي للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ، لاَ إلهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاغتَرَفتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِر لِي ذُنُوبِي جَمِيعَهَا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهدِنِي لأَحْسَنِ الأَخلاَق لاَ يَهْدِي لأِحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّىءَ الأَخْلاَقِ، لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلٌ بِيَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ))، ولكن المحفوظ أن هذا الاستفتاح إنما كان يقوله في قيام الليل.

وتارة يقول: ((اللَّهُمَّ رَبَّ جبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السماوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِني لِمَا اخْتُلِفَ فِيه مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صرَاطٍ مُسْتَقِيم)).

وتارة يقول: ((اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَنْ فِيهِنَّ ...)) الحديث. وسيأتي في بعض طرقه الصحيحة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه كبر، ثم قال ذلك.

وتارة يقول: ((اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ)).

وتارة يقول: ((اللَّهُ أَكْبَرُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يُسَبِّحُ عَشْرَ مرَاتٍ، ثُمَّ يَحْمَدُ عَشْراً، ثُمَّ يُهَلِّلُ عَشْرَاً، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ عَشْراً، ثُمَّ يَقول: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِني وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي عَشْرَاً))، ثُمَّ يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ المُقَامِ يَوْمَ القِيَامَةِ عَشْرَاً))

فكل هذه الأنواع صحت عنه صلى الله عليه وسلم.

وروي عنه أنه كان يستفتح ب ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلهِ غَيْرُكَ)) ذكر ذلك أهلُ السنن من حديث علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل النَّاجي، عن أبي سعيد على أنه ربما أرسل، وقد رُوي مثله من حديث عائشة رضي اللّه عنها، والأحاديث التي قبله أثبتُ منه، ولكن صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يستفتح به في مقام النبي صلى الله عليه وسلم ويجهر به، ويعلِّمه الناس وقال الإِمام أحمد: أمّا أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر، ولو أن رجلاً استفتح ببعض ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح كان حسناً.

وإنما اختار الإمام أحمد هذا لعشرة أوجه قد ذكرتُها في مواضع أخرى. منها جهرُ عمر به يعلًّمه الصحابة.

ومنها اشتمالُه على أفضل الكلام بعد القرآَن، فإن أفضل الكلام بعد القرآَن سبحان اللَّهِ، والحمد للّه، ولا إِله إِلا اللّه واللّه أكبر، وقد تضمنها هذا الاستفتاحُ مع تكبيرة الإِحرام.

ومنها أنه استفتاح أخلصُ للثناء على اللّه، وغيره متضمن للدعاء، ولهذا كانت سورة الإِخلاص تَعدِلُ ثلث القرآن، لأنها أخلصت لوصف الرحمن تبارك وتعالى، والثناء عليه ، ولهذا كان ((سبحان اللّه، والحمد للَّه ، ولا إِله إِلا اللّه ، واللّه أكبر)) أفضل الكلام بعد القرآن ، فيلزم أن ما تضمنها من الاستفتاحات أفضل من غيره من الاستفتاحات.

ومنها أن غيرَه من الاستفتاحات عامتُها إنما هي في قيام الليل في النافلة، وهذا كان عمرُ يفعله ، ويعلِّمه الناس في الفرض.

ومنها أن هذا الاستفتاح إنشاء للثناء على الرّب تعالى، متضمن للإِخبار عن صفات كماله ، ونعوت جلاله ، والاستفتاح ب ((وجهت وجهي)) إخبار عن عبودية العبد، وبينهما من الفرق ما بينهما.

ومنها أن من اختار الاستفتاح ب ((وجهت وجهي)) لا يكمله ، وإنما يأخذ بقطعة من الحديث ، ويذَرُ باقيه ، بخلاف الاستفتاح ب ((سبحانك اللهم وبحمدك)) فإن من ذهب إليه يقوله كله إلى آخره.

وكان يقول بعد ذلك: ((أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم)) ثم يقرأ الفاتحة، يجهر ب ((بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم)) تارة، ويخفيها أكثر مما يجهر بها.

ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم وليلة خمس مرات أبداً، حضراً وسفراً، ويخفي ذلك على خلفائه الرَّاشدين ، وعلى جُمهور أصحابه ، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا مِن أمحل المحال حتى يحتاج إلى التشبُّث فيه بألفاظ مجملة، وأحاديث واهية، فصحيح تلك الأحاديث غيرُ صريح ، وصريحُها غير صحيح ، وهذا موضع يستدعي مجلَّداً ضخما.

وكانت قراءته مداً، يقِف عند كل آية، ويمدُّ بها صوته.

فإذا فرغ من قراءة الفاتحة، قال: ((آمين))، فإن كان يجهر بالقراءة رفع بها صوته وقالها من خلفه.

وكان له سكتتانِ، سكتة بين التكبير والقراءة، وعنها سأله أبو هريرة، واختلف في الثانية، فروي أنها بعد الفاتحة. وقيل: إنها بعد القراءة وقبل الركوع. وقيل: هي سكتتان غير الأولى، فتكون ثلاثاً، والظاهر إنما هي اثنتان فقط، وأمّا الثالثة، فلطيفة جداً لأجل ترادِّ النَّفَس، ولم يكن يَصِل القراءة بالركوع، بخلاف السكتة الأولى، فإنه كان يجعلها بقدر الاستفتاح، والثانية قد قيل: إنها لأجل قراءة المأموم، فعلى هذا: ينبغي تطويلها بقدر قراءة الفاتحة، وأمّا الثالثة، فللراحة والنفس فقط، وهي سكتة لطيفة، فمن لم يذكرها، فلقصرها، ومن اعتبرها، جَعَلها سكتةً ثالثة، فلا اختلاف بين الروايتين، وهذا أظهر ما يقال في هذا الحديث وقد صح حديث السكتتين، من رواية سمرة، وأبي بن كعب، وعمران بن حصين، ذكر ذلك أبو حاتم في ((صحيحه)) وسمرة هو ابن جندب، وقد تبين بذلك أن أحد من روى حديث السكتتين سمرة بن جندب وقد قال: حفظتُ من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتةً إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: 7]. وفي بعض طرق الحديث: فإذا فرغ من القراءة، سكت وهذا كالمجمل، واللفظ الأول مفسِّر مبين، ولهذا قال أبو سَلمة بن عبد الرحمَن: للإمام سكتتان، فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكِتاب إذا افتتح الصلاة، وإذا قال: {ولا الضالين} [الفاتحة: 7] على أن تعيين محل السكتتين، إنما هو من تفسير قتادة، فإنه روى الحديث عن الحسن، عن سمرة قال: سكتتان حفظتهما عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في، فأنكر ذلك عمران، فقال: حفظناها سكتة، فكتبنا إلى أبيِّ بن كعب بالمدينة، فكتب أُبي أن قد حفظ سمرة، قال سعيد؟ فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان قال: إذا دخل في الصلاة، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعد ذلك: وإذا قال: ولا الضالين قال: وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يترادَّ إليه نَفَسُه ومن يحتج بالحسن عن سمرة يحتج بهذا.

فإذا فرغ من الفاتحة، أخذ في سورة غيرِها، وَيُخَفِّفُهَا لعارض مِن سفر أو غيره، ويتوسط فيها غالباً.
◄قراءته صلى الله عليه وسلم في الصلاة

وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية، وصلاها بسورة (ق)، وصلاها ب (الروم) وصلاها ب (إذَا الشَّمسُ كُوِّرَت) وصلاها ب (إِذَا زُلْزِلَتْ) في الركعتين كليهما، وصلاها ب (المعوِّذَتَيْنِ) وكان في السفر وصلاها، فافتتح ب (سورة المؤْمِنِين) حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى، أخذته سَعْلَةٌ فركع.

وكان يُصليها يومَ الجمعة ب (ألم تنزيلا السَّجدة) وسورة (هل أتى على الإِنسان ) كاملتين، ولم يفعل ما يفعلُه كثيرٌ منِ النَّاس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه في الركعتين، وقراءة السجدة وحدَها في الركعتين، وهو خلاف السنة. وأما ما يظنه كثيرٌ مِن الجهال أن صبحَ يوم الجمعة فُضِّلَ بسجدة، فجهل عظيم، ولهذا كره بعضُ الأئمة قراءةَ سورة السجدة لأجل هذا الظن، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين لما اشتملتا عليه من ذكر المبدإِ والمعاد، وخلقِ آدم، ودخولِ الجنَّة والنَّار، وذلك ممّا كان ويكونُ في يومِ الجمعة، فكان يقرأ في فجرها ما كان ويكون في ذلك اليوم، تذكيراً للأمة بحوادث هذا اليوم، كما كان يقرأ في المجامع العظام كالأعياد والجمعة بسورة (ق) و (واقتربت) و (سبِّح) و (الغاشية).


وأما الظهر، فكان يُطيل قراءتَها أحياناً، حتى قال أبو سعيد: ((كانت صلاةُ الظهر تُقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله، فيتوضأ، ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى ممّا يطيلُها)) رواه مسلم. وكان يقرأ فيها تارة بقدر (ألم تنزيل) وتارة ب (سبح اسم ربك الأعلى) و (الليل إذا يغشى) وتارة ب (السماء ذات البروج) و (السماء والطارق).

وأما العصر، فعلى النصف مِن قراءة صلاة الظهر إذا طالت، وبقدرها إذا قصُرت.

وأما المغرب، فكان هديُه فيها خلافَ عمل الناس اليوم، فإنه صلاها مرة ب(الأعراف) فرَّقها في الركعتين، ومرة ب (الطور) ومرة ب (المرسلات).

قال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب ب (المص) وأنه قرأ فيها ب (الصافات) وأنه قرأ فيها ب (حم الدخان) وأنه قرأ فيها ب(سبح اسم ربك الأعلى) وأنه قرأ فيها ب (التين والزيتون) وأنه قرأ فيها ب (المعوِّذتين) وأنه قرأ فيها ب (المرسلات) وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل قال: وهي كلها آثار صحاح مشهورة. انتهى.

وأما المداومة فيها على قراءة قِصار المفصل دائماً، فهو فعلُ مروان بن الحكم، ولهذا أنكر عليه زيدُ بن ثابت، وقال: مَالَكَ تقرأ في المغرب بقصار المفصَّل؟! وقد رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى الطُوليين. قال: قلت: وما طُولى الطوليين؟ قال: (الأعراف) وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن.

وذكر النَّسائي عن عائشة رضي اللّه عنها أن النبي قرأ في المغرب بسورة (الأعراف) فرقها في الركعتين.

فالمحافظة فيها على الآية القصيرة، والسورةِ من قِصار المفُصَّل خلافُ السنة، وهو فعل مروان بن الحكم.

وأما العشاء الآخرة، فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم ب (التين والزيتون) ووقَّت لمعاذ فيها ب (الشمس وضحاها) و (سبِّح اسم ربك الأعلى) و (الليل إذا يغشى) ونحوها، وأنكر عليه قراءتَه فيها ب (البقرة) بعدما صلَّى معه، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف، فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء اللّه، وقرأ بهم ب (البقرة) ولهذا قال له: ((أفتان أنت يا معاذ)) فتعلق النَّقَّارون بهذه الكلمة، ولم يلتفِتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها.

وأما الجمعةُ، فكان يقرأ فيها بسورتي (الجمعة) و (المنافقين ) كَامِلَتَينِ و (سورة سبِّح) و (الغاشية).

وأما الاقتصار على قراءة أواخر السورتين من (يا أيها الذين آمنوا) إلى آخرها، فلم يفعله قطُّ، وهو مخالف لهديه الذي كان يُحافظ عليه.

وأما قراءته في الأعياد، فتارة كان يقرأ سورتي (ق) و (اقتربت) كاملتين، وتارة سورتي (سبِّح) و (الغاشية) وهذا هو الهدي الذي استمر صلى الله عليه وسلم إلى أن لقي اللَّهَ عز وجل، لم ينسخه شيء.

ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده، فقرأ أبو بكر رضي الله عنه في الفجر بسورة (البقرة) حتى سلَّم منها قريباً من طلوع الشمس، فقالوا: يا خليفَة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ كادت الشمسُ تطلعُ، فقال: لو طلَعت لم تجدنا غافلين.

وكان عمر رضي اللّه عنه يقرأ فيها ب (يوسف) و (النحل) و ب (هود) و (بني إسرائيل) ونحوها من السور، ولو كان تطويلُه صلى الله عليه وسلم منسوخاً لم يخفَ على خلفائه الراشدين، وَيَطَّلعْ عليه النَّقَّارون.

وأما الحديث الذي رواه مسلم في ((صحيحه)) عن جابر بن سَمُرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر {ق والقرآنِ المجيد} [ق: 1] وكانت صلاته بعد تخفيفاً فالمراد بقوله ((بعدُ)) أي: بعد الفجر، أي: إنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها، وصلاته بعدها تخفيفاً. ويدل على ذلك قولُ أم الفضل وقد سمعت ابن عباس يقرأ و (المرسلات عرفاً) فقالت: يا بني لقد ذَكَّرْتَنِي بقراءة هذه السورة، إنها لآخِرُ ما سمعتُ من رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب فهذا في آخر الأمر.

وأيضاً فإن قوله: وكانت صلاته((بعدُ)) غايةٌ قد حذف ما هي مضافة إليه، فلا يجوز إضمارُ ما لا يدل عليه السياقُ، وترك إضمار ما يقتضيه السياقُ، والسياقُ إنما يقتضي أن صلاته بعد الفجر كانت تخفيفاً، ولا يقتضي أن صلاتَه كلَّها بعد ذلك اليوم كانت تخفيفاً، هذا ما لا يدل عليه اللفظ، ولو كان هو المرادَ، لم يخف على خلفائه الراشدين، فيتمسكون بالمنسوخ، ويدعون الناسخ.

وأمّا قولُه صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّكُم أَمَّ النَّاسَ، فَلْيُخَفِّفْ)) وقول أنس رضي اللّه عنه: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أخَفَّ النَّاسِ صَلاَةً في تَمامٍ فالتخفيف أمر نسبي يَرْجِحُ إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر، ثم يُخالفه، وقد عَلمَ أن من ورائه الكبيرَ والضعيفَ وذَا الحاجة، فالذي فعله هو التخفيفُ الذي أمرَ به، فإَنه كان يُمكن أن تكون صلاتُه أطولَ منِ ذلك بأضعاف مضاعفة، فهي خفيفةٌ بالنسبة إلى أطول منها، وهديُه الذي كان واظب عليه هو الحاكمُ على كل ما تنازع فيه المتنازعون، ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: كان رسولُ اللّه يأمرنا بالتخفيف ويؤمُّنا ب (الصافات) فالقراءة ب (الصافات) من التخفيف الذي كان يأمر به، واللّه أعلم.


وكان صلى الله عليه وسلم لا يعين سورة في الصلاة بعينها لا يقرأ إلا بها إلا في الجمعة والعيدين، وأمّا في سائر الصلوات، فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أنه قال: مَا منَ المفصَّلِ سورةٌ صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا وقد سمِعتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يَؤمُّ الناسَ بها في اَلصَّلاةِ المَكْتُوبةِ.

وكان من هديه قراءةَ السورة كاملة، وربما قرأها في الركعتين، وربما قرأ أول السورة. وأما قراءة أواخر السور وأوساطِها، فلم يُحفظ عنه. وأما قراءةُ السورتين في ركعة، فكان يفعله في النافلة، وأما في الفرض، فلم يُحفظ عنه. وأما حديثُ ابن مسعود رضي اللّه عنه: إني لأعرف النظائِرَ التي كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يقرُن بينهن السورتين في الركعة (الرحمن) و (النجم) في ركعة و (اقتربت) و (الحاقة) في ركعة و (الطور) و (الذاريات) في ركعة و (إذا وقعت) و (ن) في ركعة الحديث فهذا حكاية فعل لم يُعين محلَّه هل كان في الفرض أو في النفل؟ وهو محتمِل. وأما قراءةُ سورة واحدة في ركعتين معاً، فقلما كان يفعله. وقد ذكر أبو داود عن رجل من جُهينة أنه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح (إذا زلزلت) في الركعتين كلتيهما، قال: فلا أدري أنسيَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم، أم قرأ ذلك عمداً.


وكان صلى الله عليه وسلم يُطيلُ الركعة الأولى على الثانية مِن صلاة الصُّبح ومِن كل صلاة، وربما كان يُطيلها حتى لا يسمَعَ وقْعَ قدمٍ، وكان يُطيل صلاة الصبح أكثرَ مِن سائر الصلوات، وهذا لأن قرآن الفجر مشهود، يشهده اللَّهُ تعالى وملائكتُه، وقيل: يشهدُه ملائكةُ الليلِ والنهارِ، والقولان مبنيان على أن النزولَ الإِلهي هل يدومُ إلى انقضاء صلاة الصبح، أو إلى طلوع الفجر؟ وقد ورد فيه هذا وهذا.

وأيضاً فإنها لما نقص عددُ ركعاتها، جُعِلَ تطويلُها عوضاً عما نقصته من العدد.
وأيضاً فإنها تكون عقيبَ النوم، والناس مستريحون.
وأيضاً فإنهم لم يأخذوا بَعْدُ في استقبال المعاش، وأسباب الدنيا.

وأيضاً فإنها تكون في وقت تواطأ فيه السمعُ واللِّسان والقلبُ لفراغه وعدمِ تمكن الاشتغال فيه، فَيفهمُ القُرآنَ ويتدبره.

وأيضاً فإنها أساس العمل وأولُه، فأُعطيت فضلاً من الاهتمام بها وتطويلها، وهذه أسرار إنما يعرفها من له التفات إلى أسرار الشريعة ومقاصدها وَحِكَمِهَا، واللّه المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.