حلم وعلم

عبر سنوات وقرون وضع الأوائل تصورًا عن الله سبحانه، فجعلوه وكأنه في السماء قائدا لجيشهم فيأمرونه بالقضاء على أعدائهم! لا تتعجب فقد كان هذا هو تصورهم، ولذلك تجد خطباء الجمعة في زمننا وهم على المنابر يدعون الله أن ينصر الإسلام وأن يذل المشركين، لم نسمعهم وهم يطلبون هداية المشركين، ولكنهم يطلبون منه بصيغة الأمر أن يُذِل المشركين! أليس قائدا لجيشهم؟! ثم يطلبون منه أن يجعل كيد الأعداء في نحورهم وأن يبدد رميهم وأن يفعل بهم كذا وكذا، لم يكن الله عندهم الرحمن الرحيم، الهادي المنير، ولكنه فقط القائد العسكري الذي ليس له إلا ينفذ أوامرهم، حتى عندما يطلبون من الله الصحة والشفاء من المرض ونجاح الأبناء والستر والغنى والعفاف فإنهم يطلبونها لفئة من البشر دون غيرها، فيقولون: اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين! أما لماذا لا يطلبون الشفاء لمرضى العالمين، فلأنهم يعتقدون أن الله هو ربهم وحدهم دون غيرهم، وينبغي أن يسبغ عليهم الصحة والحماية وحدهم دون غيرهم، مع أن نِسب الشفاء المرتفعة في العالم إنما هي لمرضى أهل الغرب من غير المسلمين!
ثم يطلبون من الله أن يُنجِّح أبناء المسلمين، مع أن أبناء غير المسلمين في مصر وفي غيرها من دول العالم هم الأكثر نجاحًا لأنهم يأخذون بالأسباب، ولذلك أقول إن جمهرة علماء المسلمين إلا من رحم ربي لا يعرفون كيف يحبون الله، ولم يحدث أن تعلموا الحب في يوم من الأيام، والدليل على ذلك أن ثقافتهم قامت على الكراهية، لم يعرف هؤلاء أننا يجب أن نعبد الله لأننا نحبه، فهذه هي أرقى عبادة، فالله سبحانه يقول في القرآن الكريم (والذين آمنوا أشد حبا لله) ومحبة العبد لله يجب ألا تكون لسبب أو لعلة، فأنت تحبه وكفى، فإذا أحببته وكفى أحبك، وهو يحبك بغير علة أو سبب، فأنت لن تنفعه ولن تزيد من ملكه، كما أنك لا تستطيع أن تضره.
اعلم أيها المغرور الذي يظن أنه احتكر الحقيقة (إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا)، اترك غرورك يا رجل واذهب إلى الله من باب الحب، ولا تذهب إليه من باب الخوف، أو من باب الطمع، صحيح أن الله فتح لك كل الأبواب كي تذهب إليه، فمن رحمته أن جعل لك الحق أن تعبده خوفا أو خشية أو رهبة أو رغبة، لأنه يحبك ويحب أن يُدخلك الجنة، ولكن هناك من يعتقد أنك لكي تعبد الله فلا طريق لك إلا من خلال تلك الأبواب، أما باب الحب فهو أبعد الأبواب عن قلوبهم!