يعد فضيلة القارئ الشيخ الراحل أبو العينين شعيشع،واحدا من ألمع نجوم كفر الشيخ، حيث كان صاحب مدرسة متفردة فى التلاوة،وقضى نحو 80 عاما من إجمالى 89 عاماعاشها، فى خدمة كتاب الله، وتلاوته فى أنحاء العالم، حتى قضى نحبه قبل أقل من عامين. ولد الشيخ أبو العينين شعيشع بمدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ في شمال مصر، في 12 أغسطس 1922، وهو الابن الثاني عشر لأبيه. التحق الطفل الصغير بالكُتَّاب ب«بيلا»، وهو في السادسة، وحفظ القرآن قبل سن العاشرة، وألحقته أمّه بالمدرسة الابتدائية؛ فشجعه ذلك وساعده على القراءة بالمدرسة أمام المدرسين والتلاميذ كل صباح, وخاصة في المناسبات الدينية والرسمية، فنال إعجاب واحترام الجميع، فأشار ناظر المدرسة إلى والدته أن تذهب به إلى أحد علماء القراءات والتجويد.. التحق «أبو العينين» بالإذاعة سنة 1939، وكان وقتئذ متأثراً بالشيخ محمد رفعت وكان على علاقة وطيدة به، وقد استعانت به الإذاعة لإصلاح الأجزاء التالفة من تسجيلات الشيخ رفعت. اتخذ الشيخ أبو العينين لنفسه أسلوباً خاصاً في التلاوة بدءاً من منتصف الأربعينيات، وكان أول قارئ مصري يقرأ بالمسجد الأقصى، وزار سوريا والعراق في الخمسينيات. أصيب بمرض في صوته مطلع الستينيات من القرن الماضي، ثم عاد للتلاوة وعين قارئاً لمسجد عمر مكرم سنة 1969، ثم لمسجد السيدة زينب منذ 1992.. ناضل الشيخ في السبعينيات لإنشاء نقابة القراء مع كبار القراء وقتئذ امثال الشيخ محمود على البنا، والشيخ عبد الباسط، وانتخب نقيباً لها سنة 1988 خلفاً للشيخ عبد الباسط.. عين الشيخ أبو العينين عضوًا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية, وعميدًا للمعهد الدولي لتحفيظ القرآن الكريم، وعضوًا للجنة اختبار القراء بالإذاعة والتليفزيون، وعضوًا باللجنة العليا للقرآن الكريم بوزارة الأوقاف وعضوًا بلجنة عمارة المسجد بالقاهرة. يقول الشيخ: «في عام 1936 ذهبت إلى المنصورة، وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها في حياتي؛ فقد وجدت أكثر من 4 آلاف نفس في مكان الاحتفال، فقلت: معقول أأقرأ أمام هذا الجمع! كانت سني وقتها 14سنة وخفت وزاد من هيبتي للموقف ،أنني رأيت التلاميذ في مثل سني يتغامزون ويتلامزون، لأنني في نظرهم ما زلت طفلاً، وقرأت الافتتاح والختام، وفوجئت بعد الختام بالطلبة يلتفون حولي، يحملونني على الأعناق يقدمون لي عبارات الثناء؛ فلم أستطع السيطرة على دموعي». وعندما توفي الشيخ الخضري شيخ الجامع الأزهر آنذاك، أشار أحد علماء بيلا إلى الشيخ «ابو العينين» أن يذهب معه إلى القاهرة ليقرأ في هذا العزاء، وجاء دوره وقرأ وكان موفقاً فازدحم السرادق بالمارة في الشوارع المؤدية إلى الميدان، وتساءل الجميع من صاحب هذا الصوت الجميل؟! وبعد أكثر من ساعة ختم الشيخ أبوالعينين تلاوته ليجد نفسه وسط جبل بشري تكوّم أمامه لرؤيته ومصافحته إعجاباً بتلاوته، وبعد هدوء عاصفة الحب جاءه الشيخ عبد الله عفيفي –إمام القصر الملكي- وقبّله، وقال له: لابد أن تتقدم للإذاعة، لأنك لا تقل عن قرائها بل سيكون لك مستقبل عظيم بإذن الله. يقول الشيخ: «والتحقت بالإذاعة عام 1939، ثم تدفقت على الدعوات من الدول العربية الإسلامية, لإحياء ليالي شهر رمضان بها، ووجهت لي دعوة من فلسطين, لأكون قارئاً بإذاعة الشرق الأدنى, والتي كان مقرها «يافا»؛ وذلك لمدة 6 أشهر، والاتفاق كان عن طريق المدير الإنجليزي للإذاعة المصرية, وسافرت عام 1940، وبدأت القراءة كل يوم افتتح إذاعة الشرق الأدنى واختتم إرسالها بتلاوة القرآن، وانتقل كل يوم جمعة من يافا إلى القدس لأتلو قرآن الجمعة بالمسجد الأقصى؛ ولأنني كنت صغيراً فقد كنت مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بأسرتي, ولذلك لم احتمل الغربة أكثر من شهر. سافر الشيخ أبوالعينين إلى معظم دول العالم، وقرأ بأكبر وأشهر المساجد في العالم، أشهرها المسجد الحرام بمكة، والمسجد الأقصى بفلسطين، والأموي بسوريا، ومسجد المركز الإسلامي بلندن، وأسلم عدد غير قليل تأثراً بتلاوته، ولم يترك دولة عربية ولا إسلامية إلا وقرأ بها عشرات المرات على مدى مشوار يزيد على ستين عاما قارئاً بالإذاعة،حتى توفاه الله فى 23 يونيو 2011 عن 89 عاما.. وقد نعى عدد كبير من القراء الشيخ شعيشع، واصفين حياته بأنها كانت حافلة بالعطاء، مؤكدين أهمية اقتفاءأثره. وقال القارئ الشيخ محمد محمود الطبلاوي: إن «شعيشع من الأعلام الذين لا ينسى فضلهم في الفكر الإسلامي، امتاز بالوسطية والبساطة»، موضحا أنه كان عف اللسان طوال حياته،لافتا إلى أننا افتقدنا شيخا جليلا خدم القرآن أكثر من 80عاما. وعرف الشيخ شعيشع بروح الشجن في قراءته للقرآن، ما أدى إلى أن يصفه متخصصو القراءات بلقب «ملك الصبا»، وهو المقام الموسيقي الذي يحوي الشجن في مقامات النغم، ويقول الراحل «إن ذلك يعود إلى حادث وفاة والده الذي أثر على نفسه كثيرا فاكتسى صوته بالحزن والشجن».