يزول الطغاة المستبدون وتبقى الشعوب .. هذه إحدى حقائق التاريخ التي لايزال البعض يتناسها مع سبق الإصرار والترصد غير مدرك دروس التاريخ وسنة الله سبحانه وتعالى في خلقه الذي جعل الأيام دولا ، فكم من طاغية ملك الأرض وما عليها وانتهى به المطاف قتيلا أو سجينا أو منفيا، لا أحد يهتم به أو يسبح بحمده كما كان في عز سلطانه وصولجانه وجاهه ونفوذه، لكن «الديكتاتور» عبر التاريخ أبدا لا يتعلم ولا يفهم ولا يدرك فهو لا يري إلا نفسه . والديكتاتور - لمن لا يعرف - كلمة لاتينية الأصل، تعني الحاكم الذي يحصر في نفسه السلطات كلها وهي لقب الحاكم في روما القديمة الذي كان يعين من قبل مجلس الشيوخ في أوقات الاضطرابات والطوارئ . فى روما كان يتم تعيين الديكاتوبعد إقرار وتصديق «مجمع المواطنين» المختص بمراجعة المسائل التشريعية والقضائية والانتخابية. ويشير مؤرخو روما إلى أن تيطوس فلافوس كان أول ديكتاتور تولى حكم روما في عام 501 ق.م. وكان الديكتاتور يتولى الحكم لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد. وكان خلال تلك المدة يتولى مهام رئاسة الدولة مع سلطة محدودة وكانت السلطة القضائية بيد الحاكم العادي المعاون له ، في حين أن السلطة العسكرية كانت بيد الديكتاتور ولكنها محدودة بمناطق جغرافية معينة. ويشير الفيلسوف ماركوس سيشرون، إلى أن منصب الديكتاتور جاء للتغلب على المشاكل والاضطرابات المدنية الطارئة وكان يوليوس قيصر آخر ديكتاتور عرفته روما، هو الذي أعلن نفسه ديكتاتورا مدى الحياة في عام 45 ق.م. ولكن وفاته بعد عام واحد أدت إلى إلغاء هذا المنصب في عام 44 ق.م. وقد عرف العالم الكثير من الديكتاتوريين أبرزهم في العصر الحديث : ستالين (روسيا) وفرانكو (اسبانيا) وسالازار (البرتغال) وهتلر (ألمانيا) وموسوليني (ايطاليا) وبيلسودسكي (بولونيا) وأتاتورك (تركيا) وبيرون (الأرجنتين) وكاسترو (كوبا) ودياز (المكسيك) وتروجيلو (الدومينكان). كما عرف العالم العربي العديد من هؤلاء الحكام (رؤساء جمهوريات وملوك وأمراء) الذين تحولوا إلى الديكتاتورية بعد سلسلة الانقلابات العسكرية التي بدأت في سورية عام 1949، ثم تتابعت في مصر والعراق واليمن والسودان والصومال والجزائر وليبيا وتونس وغيرها. ووفقا لمصادر تاريخية فإن هناك فرضية تشير إلى وجود فرق بين الديكتاتور والطاغية المستبد، وهي «ليس كل مستبد أو طاغية ديكتاتورا، ولكن كل ديكتاتور لابد أن يكون مستبدا وطاغيا»، وهذا يعني وجود أوضاع استبدادية وطاغية ولكنها بلا ديكتاتور. وهناك كثير من الحكام ظالمون ومستبدون وطغاة كبار، ولكنهم مع ذلك لا يرتفعون إلى مرتبة الديكتاتور، فالديكتاتورية شجرة لا تنمو إلا في الجحيم، في الحرب وفي الخوف من الحرب وفي التهديد بالحرب، وهي تعني المغامرة والاشتباك والتصادم بكل شيء، وتعني البحث عن الخطأ والألم والإثارة والعداوة والخوف والجنون والمبارزة الدائمة والمصارعة مع كل واحد في كل وقت. ولا وجود ولا بقاء للديكتاتور من غير عداوة وغير اشتباك ، أما الثمن فهو باهظ جدا ،والشعوب وحدها هي التي تدفعه. الديكتاتور إنسان غير طبيعي يستخف بشعبه ويستبد به ويقسو عليه، معتقدا أنه يفعل ما في صالح الشعب ، وأنه وحده يرعى مصالح الوطن العليا ومن أجلها يصدر قراراته الطاغوتية الديكتاتورية. وبالطبع فإن امتلاك القوة يُغري بممارسة الظلم وإحجام الناس عن مواجهة الحكام يُغريهم بالاستمرار في الظلم والتمادي فيه ويشجعهم في ذلك المنافقون الذين يصورون لهم الظلم حسنا فيصلون بالحكام الطغاة إلي حد الإيمان بأن ما يقومون به من ظلم له مبرراته ودواعيه الطيبة ونواياه الحسنة. والمؤكد أن تغيير الحاكم الظالم بحاكم عادل لا يتم بتبديل فرد مكان فرد بل بتغيير مؤسسي يضمن التزام الحاكم بالقانون والدستور وعدم انقلابه علي الشعب. ويسجل التاريخ أن الطغاة المستبدين من الحكام الديكتاتوريين فى العالم قد انتهى بهم المطاف نهاية مؤلمة وبشعة ، فقد مات الزعيم النازي أدولف هتلر منتحرا في ملجأه المحصن في 30 أبريل 1945 إثر دخول الجيش السوفييتي إلى برلين. أما جوزف ستالين الملقب ب «سيد الكرملين» لأكثر من ثلاثين عاما والمسئول السوفييتي الأول، فقد مات في 5 مارس 1953 إثر نزيف في المخ. ولقى انطونيو دي اوليفيرا سالازار حتفه في 27 يوليو 1970 متأثرا باصابته بجلطة دماغية بعد أن حكم البرتغال طيلة 36 عاما ومات فرنسيسكو فرانكو ديكتاتور إسبانيا في 20 نوفمبر 1975 عن 83 عاما من العمر بعد معاناة استمرت 35 يوما إثر مشكلات في القلب ، وهو نفس المصير الذي لاقاه أنور خوجا الديكتاتور الألباني بعدما حكم 40 عاما ، حيث توفي في 11 ابريل 1985 إثر نوبة قلبية. كما مات ماكيم ايل سونغ «الرئيس الأبدي» لكوريا الشمالية في يوليو 1994 بعد إصابته بجلطة دماغية. فيما توفى في المنفى العديد من الديكتاتوريين وأبرزهم : عيدي أمين دادا الديكتاتور الأوغندي السابق (1971-1979) الذي توفي في 16 أغسطس 2003 في السعودية حيث كان يقيم في المنفى لأكثر من عشرين سنة دون أن يحاكم على الفظائع التي ارتكبت في عهده. وتوفى موبوتو سيسي سيكو الرئيس الزائيري السابق بمرض السرطان في 7 سبتمبر 1997 في مستشفى في الرباط بعد بضعة أشهر من منفاه ، والمصير نفسه لاقاه الفريدو ستروسنر ديكتاتور باراجواي السابق الذي تم إقصاؤه عن الحكم في 1989 وتوفي في 16 أغسطس 2006 عن 93 عاما في برازيليا حيث لجأ إليها هربا من القضاء في بلاده. وانتهى الحال ب «بول بوت» زعيم نظام الخمير الحمر الدموي (1975-1979) منفيا في الأدغال الكمبودية ، حيث مات بسبب الشيخوخة في 16 ابريل 1998. وهناك ديكتاتوريون لاقوا مصيرا أسوأ ، حيث انتهت حياتهم بالإعدام ، ومنهم بنيتو موسوليني الذي حكم ايطاليا من 1922 إلى 1943 ، حيث فر إلى سويسرا بعد الهزيمة الألمانية ، وهناك قتل رميا بالرصاص في 28 ابريل 1945. أما نيكولا تشاوشيسكو الذي حكم رومانيا طيلة 24 عاما ، فقد أعدم مع زوجته أيلينا بعد بضعة أيام من الإطاحة به في ديسمبر 1989 إثر محاكمة سريعة. فيما كان السجن مصير الكثيرين وأبرزهم اوغوستو بينوشيه الديكتاتور العسكري التشيلي السابق ، الذي توفي عن 91 عاما ، بعدما ترك الحكم في 1990 وألقي القبض عليه في لندن في 1998 بطلب من قاض إسباني ، ثم أفرج عنه لأسباب صحية في مارس 2000 ، وأوقف مجددا وفرضت عليه الإقامة الجبرية في تشيلي مرات عدة اعتبارا من 2004 لكنه مات قبل أن يحاكم. وتوفى سلوبودان ميلويفيتش الرئيس اليوغوسلافي السابق بسجنه في لاهاى فى 11 مارس 2006 ، بعد القبض عليه ومثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية متهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة. كما اتهم تشارلز تايلور الرئيس السابق لليبيريا خلال فترة رئاسته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بسبب تورطه في الحرب الأهلية في سيراليون. وقد أدانته المحكمة الخاصة بسيراليون في 26 أبريل 2012 بعد محاكمة استمرت خمس سنوات ليصبح أول رئيس أفريقي يمثل أمام محكمة دولية وأول رئيس دولة يدان منذ محكمة نورنبيرج. أما جان بيدل بوكاسا إمبراطور إفريقيا الوسطى ، فقد أطيح به في 1979 وبعد أربع سنوات أمضاها في المنفى في ساحل العاج ثم ثلاث سنوات في فرنسا عاد إلى بانغي في 1986 وحكم عليه بالإعدام ثم شمله عفو وأفرج عنه في سبتمبر 1993. وتوفي في 1996. ومثل خورخي رافاييل فيديلا الديكتاتور الأرجنتيني السابق أمام القضاء بعدما رفعت عنه الحصانة ، ما فتح الطريق مجددا أمام ملاحقته قضائيا وحكم عليه بالسجن المؤبد في 1985 لارتكاب جرائم وعمليات خطف وتعذيب ثم أعفي عنه في عام 1990. والجميع يرى ما حدث للرئيس المخلوع حسنى مبارك نزيل سجن طرة، ومعمر القذافي الذي قتله ثوار ليبيا ومثلوا بجثته ، فيما هرب زين العابدين بن على إلى السعودية ليعيش هناك منفيا، فهل يتعظ حكام مصر والعرب الجدد ؟ أم أنهم لن يروا إلا أنفسهم أيضا ولن يتعلموا دروس التاريخ وعبره؟ «فيتو» تتناول في هذا الملحق أبرز الديكتاتوريين في التاريخ، وتحلل شخصية الطاغية المستبد ورؤيته لنفسه وشعبه ، وتذكر بمسيرات الطغاة ومصائرهم ، لعل الذكرى تنفع الحاكمين !