الموضوع: موجات الثورة "العدد 62" موجات الثورة بقلم: د. محمد حبيب الثورة فعل تغييرى لنظام قائم، وإحلال آخر محله مختلفا عنه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ولا تتوقف الثورة حتى تحقق أهدافها، وتأخذ الثورة شكل موجات تشتد حينا وتهدأ حينا آخر إلى أن تبلغ مراميها، من الإنصاف أن نقول إن الذين خططوا لتظاهرة 25 يناير كانوا شبابا لم يكن فى حسبانهم أو خيالهم أن الأمر سوف يئول إلى ثورة، كانت جل أمانيهم وقف العمل بقانون الطوارئ، أو على أقصى تقدير إقالة وزير الداخلية، وقد تصورت السلطة أنها سوف تكون تظاهرة عادية وتنفض، استخدمت قوات أمنها، ووسائلها وأدواتها المعتادة فى المواجهة، لكنها فوجئت بحالة غريبة لم تشهدها من قبل، ثبات وإصرار وصلابة وتحدٍّ ومقاومة، وانضم الشعب بكل أطيافه إلى الشباب، وكانت الموجة الأولى للثورة التى استمرت ثمانية عشر يوما، سقط خلالها مئات الشهداء وأصيب آلاف الجرحى، وتمت تنحية رأس النظام، لكن بقى النظام كله على حاله. للأسف، وقع الثوار فى خطأ استراتيجى عندما تركوا القيادة للمجلس العسكرى الذى تحالف مع القوى المحافظة، لاحتواء الثورة، والإبقاء على النظام مع تغيير شكلى، لا جوهرى، فالمجلس العسكرى بطبيعة تركيبته وثقافته يتناقض مع الثورة، والقوى المحافظة -من ناحيتها- ليس من فكرها ولا منهجها الثورة، وإنما الإصلاح السلمى من داخل النظام، وبشكل مرحلى ومتدرج؛ لهذا كان الصدام والعداء، كانت الفترة بين الموجة الأولى والثانية للثورة قصيرة، حيث لم تتوقف التظاهرات، وكانت القوى المحافظة منحازة انحيازا كاملا للمجلس العسكرى، اشتدت الموجة الثانية للثورة فى الفترة من أكتوبر 2011 إلى فبراير 2012، بعد أن ثبت للثوار أن المجلس العسكرى يتحايل عليهم ويسعى لكسر إرادتهم، شهدت هذه الموجة ارتكاب مجموعة من المذابح فى حق الثوار؛ مذبحة ماسبيرو، ومحمد محمود (1)، ومجلس الوزراء، واستاد بورسعيد، ومحمد محمود (2)، والعباسية، حيث سقط المئات من الشهداء وأصيب الآلاف من الجرحى، ناهينا عما حدث من اعتقالات ومحاكمات عسكرية للآلاف، فضلا عن التعذيب والقمع والتعرية والسحل، عمق من فقدان الثقة بين الثوار والقوى المحافظة، صمت الأخيرة إزاء تلك الجرائم، وتحت ضغط ما حدث فى محمد محمود (1)، اضطر المجلس العسكرى للإعلان عن تسليم السلطة فى 30 يونية 2012. الموجة الثالثة للثورة بدأت مع الاحتفال بالذكرى الثانية لها، بالتأكيد على شرعية الميدان، وليس شرعية البرلمان فقط، مرورا بما وقع من عنف فى يوم كشف الحساب فى 12 أكتوبر 2012، وإصدار الدكتور مرسى للإعلان الدستورى المعيب فى 21 نوفمبر 2012 الذى كان بداية للانقسام الحاد فى المجتمع، والاحتراب الأهلى والدخول فى دائرة العنف والعنف والمضاد حتى 22 مارس 2013، من أهم سمات هذه الفترة: الاضطراب فى القرارات والمواقف، والاعتداء على السلطة القضائية، وإهدار سيادة القانون، وعدم الاستقرار السياسى، وتفاقم الأزمة الاقتصادية الحادة، فضلا عن سقوط أكثر من 70 شهيدا، وإصابة الآلاف من الجرحى، علاوة على الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان، من قمع وسحل وتعذيب حتى الموت واغتصاب لعشرات من الفتيات فى معسكرات الأمن. لا زلنا فى إطار الموجة الثالثة للثورة، وربما تكون هناك موجات أخرى، طالما ظل من بيدهم السلطة غير قادرين على استيعاب استحقاقات الحالة الثورية.