الثورة فعل تغييرى، يستهدف الإطاحة بالنظام القائم، وإحلال نظام آخر محله مختلف عنه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.. عادة لا تهدأ الثورة حتى تحقق أهدافها، وتكون على شكل موجات.. تشتد حينا وتهدأ حينا آخر.. يقال: ماج البحر، أى ارتفع ماؤه واضطرب.. والموج: ما علا من سطح الماء وتتابع.. والموجة: واحدة الموج، وموجة الشباب: عنفوانه، وموجة الحر أو البرد: شدته.. من الإنصاف أن نقول إن الذين خططوا ودعوا لتظاهرة 25 يناير 2011 كانوا شبابا.. لم يكن فى حسبانهم أن الأمر سوف يتحول إلى ثورة.. من جانبها، تصورت السلطة أنها تظاهرة عادية وتنفض.. استخدمت قوات الأمن، وسائلها وأدواتها المعتادة فى المواجهة، لكنها فوجئت بشباب لا ينثنى ولا ينكسر.. وانضم الشعب بكل أطيافه إلى الشباب.. وكانت الموجة الأولى للثورة التى استمرت 18 يوما، سقط خلالها مئات الشهداء وأصيب آلاف الجرحى، وتمت تنحية رأس النظام.. لكن بقى النظام كله على حاله. للأسف، وقع الثوار فى خطأ استراتيجى عندما تركوا القيادة للمجلس العسكرى الذى تحالف مع القوى المحافظة، ممثلة فى التيار الإسلامى بصورة أساسية، لاحتواء الثورة والإبقاء على النظام.. فكلاهما ليس ثوريا.. لهذا، كان الصدام والعداء.. كانت الفترة بين الموجتين الأولى والثانية للثورة قصيرة، حيث لم تتوقف التظاهرات.. اشتدت الموجة الثانية للثورة، فى الفترة من أكتوبر 2011 إلى فبراير 2012، وفاقت فى آثارها وتداعياتها الموجة الأولى، بعد أن ثبت للثوار أن المجلس العسكرى يتحايل عليهم ويتلاعب بهم، ويسعى لكسر إرادتهم وتخضيد شوكتهم.. شهدت هذه الموجة ارتكاب مجموعة من المذابح فى حق الثوار، بدءا من مذبحة ماسبيرو، وانتهاء بمذبحة العباسية، حيث سقط المئات من الشهداء وأصيب الآلاف من الجرحى.. ناهينا عما حدث من اعتقالات ومحاكمات عسكرية للآلاف، فضلا عن انتهاكات حقوق الإنسان من تعذيب وقمع وتعرية وسحل.. وقد عمّق من الفجوة وفقدان الثقة بين الثوار والقوى المحافظة هذا الصمت المريب الذى أبدته الأخيرة إزاء تلك الجرائم.. وتحت ضغط ما حدث فى محمد محمود (1)، اضطر المجلس العسكرى للإعلان بوضوح عن تسليم السلطة فى 30 يونية 2012. الموجة الثالثة بدأت مع الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة، بالتأكيد على شرعية الميدان، وليس شرعية البرلمان فقط، ثم ما وقع من أعمال عنف فى يوم كشف الحساب.. كان إصدار الدكتور مرسى للإعلان الدستورى المعيب فى 21 نوفمبر 2012 بداية للانقسام الحاد فى المجتمع، والدخول فى دائرة العنف والعنف المضاد، كانت آخرها أحداث المقطم فى 22 مارس 2013.. من أهم سمات هذه الفترة: الاضطراب فى القرارات والمواقف، الاعتداء على السلطة القضائية، إهدار سيادة القانون، عدم الاستقرار السياسى، تفاقم الأزمة الاقتصادية الحادة، فضلا عن سقوط أكثر من 70 شهيدا، وإصابة الآلاف من الجرحى، علاوة على الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان، من قمع وسحل وتعذيب حتى الموت واغتصاب لعشرات من الشباب فى معسكرات الأمن. ربما نشهد موجات أخرى، ما دام هناك عجز عن استيعاب استحقاقات الحالة الثورية.