البداية من هنا.. من هذه النخلة «الشامخة» وثمارها الطيبة المتدلية كأقراط لؤلؤ تسُر الناظرين، والتي ينتظر موسم حصادها الرجال الأشداء فيتسلقون أعالى النخيل لجني تلك الثمرات وجمعها، ومن بعدها تبدأ مهمتهن.. مهمة النساء في وضع البلح في أوان استعدادًا لاستكمال دور أزواجهن أو أفراد عائلتهن من الرجال، وعرض ما تم جنيه في «سوق المنصورية» للبلح. في الموسم ذاته وفى نفس الميعاد، وبعد أن تشرق شمس الصباح، تتجه بوصلتهن صوب سوق المنصورية، تتهادى النساء سيرًا على الأقدام والبلح رابضًا فوق رءوسهن في الأوانى أو في سيارات صغيرة للنقل، كلهن في الطريق إلى ذلك المكان الذي يحفظنه عن ظهر قلب، داعيات الله برزق كثير، وإقبال كثيف ينتج عنه مال يكفى احتياجات الأسرة. لا تعطل هذه المهمة المرأة عن كونها أما في المقام الأول، لذا فإن كثيرات من النساء يحرصن على إحضار الأبناء ليكونوا شاهدين على هذا الحدث الهام للأسرة بأكملها، ليقدموا لها يد العون في عملية البيع والشراء، كما أن هذه الرحلة الشاقة تكون في كثير من الأحيان مصدرًا للتسلية والترفيه للصغار. مع دخولهن المكان المعتاد للسوق، تتراص النساء في صفوف على جانبي الطريق، ينتظرن منذ السادسة صباحًا توافد عشاق البلح من التجار وغيرهم لشراء ما تحويه الأوانى من ثمرات مختلفة الأنواع والألوان. يمر الصباح بين انتظار وأمل في رزق منتظر، و«اللمة» تخفف من وطأة الحر، وهى خير رفيق لهن في ساعات النهار الطويلة، أما عن الطعام فلا بديل لهن عن البلح الذي يحيط بهن من كل جانب. ومع اقتراب الساعة العاشرة صباحا، تستعد النساء للرحيل، فتجمع كل منهن ما يتبقي من البلح، وتحسب إحداهما ما حصدته من مال، وتمتلئ الطرقات بالنساء في رحلة قصيرة إلى منازلهن لنيل قسط من الراحة استعدادًا لبدء مهامهن المتبقية من اليوم في تحضير الطعام أو الذهاب لسوق الخضار لاستكمال بيع بلحها لعشاقه.