ظهرت جمعية «مصر الفتاة» التي أسسها أحمد حسين، عام 1933، واتخذت من مجلة الصرخة التى سبق أن صدرت عام 1930 لسان حالها، لتعبر عن أفكارها وتعمل على بعث مجد مصر القديم، واتخذت شعار (الله. الوطن.الملك). وكان برنامج جمعية مصر الفتاة الذى وضعه أحمد حسين دليلا واضحا على توجهات جيل جديد، فقد زاوج بين الانتماء الدينى والانتماء الوطنى بالنهوض بجميع القطاعات الاقتصادية والزراعة والصناعة والتجارة والائتمان، وبتمصير كل القطاعات، ورفع مستوى الخدمات الاجتماعية فى جميع القطاعات. وارتكز التقسيم التنظيمى لمصر الفتاة على قسمين: إدارى وعسكري، عرف ب «القمصان الخضراء» وحدد التقسيم، أقسام البناء منها الأنصار، وهو الأعضاء الذين يملأون بطاقات العضوية، ويدفعون الاشتراك الشهرى وقيمته خمسة قروش، أما المجاهدون، فهم نواة الفرق العسكرية، ويندرجون فى الفرق النظامية للجمعية، وعليهم أن يتحملوا انجاز المهام التى يكلفون بها ويخضعون لنظام شبه عسكري. وكان يرأس التشكيلات مجلس أعلى هو مجلس أركان الجهاد، يتكون من كل رؤساء الألوية والفيالق، ومجلس الجهاد يتكون من خمسين عضوا من المؤسسين لجمعية مصر الفتاة، أو شعبها بالأقاليم والأحياء، ومجلس الجهاد هو الهيئة التشريعية للجمعية. كما انبثقت عن الجمعية لجان فى الأقاليم. ثورة الطلبة 1935 كان لشباب القمصان الخضراء دور فاعل فى ثورة 1935، ففى صباح الخميس 14 نوفمبر عام 1935، بدأت مسيرة الطلبة من الجامعة حتى وصلت كوبرى عباس، وفوجئوا بقوة من الانجليز تتربص بهم، ولم يستطع الانجليز وقف المظاهرة، رغم إطلاقهم الرصاص على المتظاهرين وسقوط الجرحى والشهداء، فأمر قائدهم بفتح الكوبرى ليسقط المتظاهرون فى النهر، وأسرع كل أصحاب المراكب الشراعية لإنقاذ الطلاب، لكن الرصاص أصاب اثنين من الطلبة إصابات قاتلة. وظهر جليا دور شعارات أحمد حسين التى رفعها وتأثيرها على الطلبة، حيث كانت هتافات الطلبة فى تلك الثورة هى نفس شعارات مصر الفتاة، مثل «مصر فوق الجميع»، وكان معظم الطلبة المصابين من أعضاء مصر الفتاة وهم جمال عبد الناصر، إبراهيم شكري، نور الدين طراف، محيى الدين عبد الحليم، وحمادة الناحل، وغيرهم. وفى 31 ديسمبر عام 1936، دعا أحمد حسين لعقد جلسة للجمعية، وأعلن على أعضاء المجلس اقتراحه بتحويل الجمعية إلى حزب سياسى ينزل إلى الشارع السياسى ليقوم بدوره، حيث إن الجمعية لا تستطيع القيام بذلك، وفى تلك الجلسة تم إقرار نظام الحزب وتمت الموافقة على تحويل الجمعية إلى حزب سياسي، وفى ذلك الوقت كان الصراع بين الوفد ومصر الفتاة على أشده، وكان الوفد يحارب مصر الفتاة بكل قوة. وكانت متابعة نشاط الجمعية من اهم اولويات القلم السياسى (أمن الدولة) سواء من خلال المكتب الرئيسى فى القاهرة أو فروعها فى المحافظات، ومن هذه المتابعات ما حدث فى الاسكندرية عندما استأجرت الجمعية قطعة ارض فضاء ناحية بحرى لإقامة معسكر لهم للتدريبات الرياضية وكان صاحبها من الموالين للجمعية والمعجبين بجهادها وبعد اقامة المعسكر هجم رجال القلم السياسى بالاسكندرية بقيادة الصاغ جمال زهران على المعسكر وضبطوا كل ما كان فيه وتم القبض على صاحب الارض و على احمد حسين و منعوا اقامة المعسكر. وفى 28 نوفمبر 1937 أطلق عز الدين عبد القادر أحد أعضاء مجلس جهاد مصر الفتاة النار على النحاس باشا ولكنه لم يصب، وكان الحادث ذريعة للأمن للانقضاض على مصر الفتاة وإلقاء القبض على جميع أعضاء الحركة واعتقالهم وإغلاق دور الحزب فى القاهرة والأقاليم، وألقي القبض على أحمد حسين، وكان واضحا من ذلك أن الأمر ليس فقط مجرد تحقيق ولكنه انتقام من الحزب بأكمله. ولم يدم الأمر كثيرا، وأقيلت وزارة الوفد وأتت وزارة محمد محمود الذى أفرج عن أعضاء مصر الفتاة، ولكن الارتياح بين وزارة محمد محمود وحزب مصر الفتاة لم يدم، حيث أصدر محمد محمود قرارا يحظر قيام الفرق شبه العسكرية فى الأحزاب، ومنها بالطبع القمصان الخضراء فى مصر الفتاة. وفى أواخر عام 1938 بدأ الاتجاه الإسلامى يظهر واضحا فى نشاطات الحزب، وكان ذلك بتأثير من مصطفى الوكيل الذى كان يميل إلى هذا الاتجاه، وزاد الاتجاه الإسلامى فى حزب مصر الفتاة مما جعلها تقوم بحملات صاخبة لإغلاق حانات الشرب وتحريم الاختلاط العام ومنع البغاء، وظلت مصر الفتاة تواصل نشاطها الدينى حتى أعلنت عن تحولها إلى الحزب الوطنى الإسلامي.