على الرغم من ثروة المملكة العربية السعودية والإعانات السخية التى تقدمها لسكان البلاد، لا يزال ثمة تباين اقتصادى هائل بين أبناء الشعب. ومنذ اندلاع الاحتجاجات فى أنحاء كثيرة من العالم العربى فى عام 2011، قامت الحكومة بزيادة إعانات الدعم والرواتب الحكومية لتخفيف حدة السخط الداخلي، ولكن لا يزال هناك الكثير من الاستياء. كما أنه فى أحد أطراف المملكة، توجد أجزاء من مجتمعات الأغلبية السنية التى يشتبه فى تعاطفها مع تنظيم «القاعدة»، فى حين توجد على الطرف الآخر ثورة مستعرة من جانب الأقلية الشيعة، الذين يُنظر إليهم تقليدياً من قبل السنة المتشددين كمواطنين من الدرجة الثانية وربما حتى على أنهم غير لائقين بالإسلام. وفى وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت السلطات عن اعتقال ستة عشر شيعياً، واتهمتهم بجمع معلومات عن المنشآت الهامة فى المملكة "لصالح بلد آخر"، وهى عبارة يُفترض أنها تعنى إيران. فى 15 مارس، قام الشيخ سلمان العودة، صاحب التأثير الكبير، بإرسال خطاب مفتوح على صفحاته فى "الفيسبوك" و"تويتر"، حيث يقال إن لديه أتباع يصل عددهم إلى 2.4 مليون شخص، حذر فيه العائلة المالكة من الظلم والفساد التى تتبعه. وكان الدافع على ما يبدو وراء الرسالة هو حادث وقع فى الأسبوع السابق، عندما تم الحكم على اثنين من النشطاء السياسيين الجريئين فى انتقاداتهم، بالسجن بعد محاكمة استمرت سبعة أشهر، لنشرهما انتقادات "كاذبة" للحكومة السعودية من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية. وعلى الرغم من التعتيم الذى فُرض على القصة من قبل وسائل الإعلام الوطنية، قام النشطاء أنفسهم بإرسال تغريدات عن طريق موقع "تويتر" حول تفاصيل القضية. وفى الوقت نفسه، استؤنفت محاكمة ناشط آخر فى الأسبوع الماضي، وهذه المرة بتهمة إهانة القضاء والتحدث إلى وسائل الإعلام الأجنبية والاتصال بمنظمات حقوق الإنسان الدولية التى تعمل كمؤسسات رقابة. وعلى مدى عقود، كان ثمة عدد من أفراد بيت آل سعود محلاً للشكوى بشأن حصولهم على فوائد مالية استناداً إلى وضعهم الملكى ولتعاملهم بنمط سلوكى متعالي. وتنطوى أحدث حلقة فى هذا الصدد على إقامة دعوى فى بريطانيا خلال الشهر الحالي، حيث رفضت إحدى محاكم لندن دعوى لتوفير الحصانة الملَكية لشخصيتين سعوديتين بارزتين هما، الأمير مشعل بن عبد العزيز (الأخ غير الشقيق للملك عبد الله ورئيس "هيئة البيعة" فى المملكة، وهو المجلس الذى بإمكانه أن يساعد على تحديد الملك القادم) ونجله عبد العزيز. وفى خضم التشاحن القانوني، ظهر نزاع تجارى بين الأمراء وشريك سابق فى الأعمال، وهو أردنى يزعم أن عبد العزيز حرض السلطات السعودية لوضع اسمه على "النشرة الحمراء" للمطلوبين من جانب الإنتربول، وهو طلب دولى للاعتقال والتسليم. ولا يزال الكثير من تفاصيل هذه القضية محجوبًا عن النشر بانتظار نتيجة استئناف الحكم، ووفقاً لقرار حكم يضم أربعين صفحة صدر الأسبوع الماضي، ادّعت هيئة الدفاع بأن عبد العزيز وأحد مساعديه يخاطران ب "الموت والانتقام" إذا تم الإعلان عن تفاصيل وأمور خاصة. وحتى مع ذلك، كان القاضى البريطانى شديد الانتقاد للعائلة المالكة فى السعودية. إذ تضمن قرار المحكمة أن العديد من أمراء المملكة الذين يبلغ عددهم "5000 أمير" يحصلون على جوازات سفر دبلوماسية، ويُسمح لهم بتجنب جميع الأمور المتعلقة بإجراءات الهجرة العادية لدى وصولهم إلى بريطانيا، حيث تحصل السفارة السعودية على جوازات سفرهم وتتعامل مع السلطات البريطانية، وتعيد الوثائق فى وقت لاحق إلى أفراد العائلة المالكة الزائرين سواء كانوا فى منازلهم أو فى الفنادق التى يمضون فيها وقتهم. كذلك، فنّد القاضى جزءاً من بيان الشاهد الذى ألقاه السفير السعودى فى لندن الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، ابن شقيق الملك عبد الله. فرداً على مطالبة محمد بأن الأمير مشعل كان الثانى فى أحقية تولى العرش بموجب حق الميلاد، ذكر القاضى "الآن ظهر عدم صحة هذا الأمر". وعلى الرغم من أن مشعل هو أكبر سناً من الخلف الذى رشحه الملك عبد الله -- ولى العهد الأمير سلمان (الذى يبلغ من العمر 77 عاماً) -- إلا أنه لا يعتبر ملك محتمل لأن والدته كانت جارية أرمنية لمؤسس المملكة ابن سعود بدلاً من زوجة عربية. ومنذ اجتياح الانتفاضات بعض مناطق الشرق الأوسط فى العامين الماضيين، أعلنت الحكومة السعودية عن إنفاق ما يقدر ب 110 مليارات دولار على البرامج الاجتماعية والإعانات، على الرغم من أنه ليس من الواضح كم من المال تم إنفاقه فعلياً. وحتى فى البلدات والمدن الكبرى، غالباً ما تكون الخدمات غير كافية. إنه لشىء معهود أن يتم نشر تقرير فى 27 مارس من قبل صحيفة "عرب نيوز"، التى تصدر باللغة الإنجليزية فى جدة، العاصمة التجارية للمملكة. ففى أحد التقارير بعنوان "مشكلة المياه تضرب جدة من جديد"، أشارت القصة إلى أن العديد من المواقع كانت تعانى من نقص فى الخزانات التى تقوم بتوصيل المياه إلى المنازل (هناك أحياء كثيرة لا تحصل على المياه عن طريق أنبوب رئيسي). أما الشحنات التى كان يتم تسليمها سابقاً خلال ساعة واحدة فهى تأخذ الآن ثلاثة أيام. وفى الواقع، يعرف عن جدة بأن لها تاريخ من البنايات التحتية غير المؤهلة: ففى أوائل عام 2011، كانت الأمطار الغزيرة تطغى على منظومة صرفها الصحى فى فصل الشتاء، مما تسبب فى حدوث عدد من الوفيات وأثارت مخاوف بشأن تدفق مخزون مياه المجارى من التلال القريبة وتدميرها أجزاء من المدينة. * نقلاً عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى