جاء تعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز نائباً ثانيا لمجلس الوزراء ، ليثير الجدل والخلاف حول بعض الفقرات التي استغلت من قبل خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبعض أفراد الاسرة لتمرير قرار تنصيب الأمير مقرن نائباً ثانياً لمجلس الوزراء . وتحدث مراقبون عن أن أشقاء الملك الكبار طالبوه بالعدول عن قرار التعيين والعودة للعرف المتبع بين أفراد العائلة المالكة، لتحقيق التراتبية في السن، الأمر الذي يكشف عن استعداد بعض الأمراء وبينهم الأمير طلال لخوض صراع عنيف من أجل تولي الحكم .
وهذا المنصب يعني أن الأمير مقرن سيتولي إدارة الشئون اليومية للحكومة في حالة مرض أو سفر الملك عبد الله الذي يتولى كذلك منصب رئيس الوزراء وولي العهد الأمير سلمان النائب الأول لرئيس الوزراء.
ومن تولى هذا المنصب من قبل أصبح وليا للعهد بالمملكة أكبر مصدر للنفط في العالم وحيث تسيطر الأسرة الحاكمة على أغلب المناصب الرفيعة في الحكومة وتتمتع بسلطة شبه مطلقة.
الرجوع للأعراف
وردا على هذا القرار ، لمح الأمير طلال بن عبدالعزيز الأخ الأكبر سناً إلى رفضه لهذا التعيين. وشكك ضمنيا في عدالة السلطات السعودية، وطالب بالعودة إلى نظام التراتبية العمرية في اختيار الأمراء للمناصب السيادية في المملكة. وكان الامير طلال بن عبد العزيز اعرب عن اعتراضه على تعيين العاهل السعودي للامير الراحل نايف بن عبد العزيز نائبا ثانيا في عام 2009، وطالب بتفعيل قانون هيئة البيعة.
واصدر الامير طلال انذاك بياناً بمناسبة صدور امر ملكي بتعيين الامير الراحل نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء طالب فيه الملك عبدالله بتوضيح موقفه من هذا التعيين في ظل وجود هيئة البيعة التي انشأها العاهل السعودي لتنظم امور ولاية العهد والحكم في السعودية، ملمحا الى اعتراضه على هذا التعيين.
وقال الأمير طلال،الذي كان قد اعلن استقالته من هيئة البيعة التي استحدثها الملك عبدالله بن عبد العزيز لتنظيم اختيار الملك القادم وولي عهده، عبر "تغريدة" مطولة نشرها على حسابه الشخصي في موقع "تويتر"،"إن الحكومات التي يصدر عنها قوانين وأنظمة تدعي أنها عادلة وتعكس بها نظامها القائم على العدل تُعرف بالحكومات الرشيدة".
وأضاف الأمير طلال في تغريدته "إذا لم تجدِ (الأنظمة المستحدثة) مع الدول التي تدعي العدالة في تحقيقها فالأولى الرجوع إلى الأعراف القديمة"، في إشارة الى العرف القاضي بتولية المناصب العليا في الدولة بحسب تراتبية السن بين أبناء الملك المؤسس عبد العزيز ال سعود.
وأضاف الأمير طلال "إذا ما وجد في هذه الأنظمة مواداً معينة يشوبها الغموض فلعل إعادة النظر فيها لتعديلها حتى تتفق مع الهدف الذي أريد من تطبيقها وهو تحقيق العدالة والإنصاف هو الأجدى"، وهو ما يرى فيه مراقبون للشأن السعودي تنديدا ضمنيا بمجلس هيئة البيعة، مطالبا ب"أن تترك هذه الأنظمة جانباً وترجع إلى العرف الذي كان سائداً قبل التفكير في تنفيذها"، وهي دعوة صريحة للتخلي عن هيئة البيعة.
وقال الأمير السعودي "إن العرف كما هو معروف أقدم وأقوى من أي أنظمة مستحدثة، أما أن نتمسح في ثنايا بعض المواد التي يُدعى أنها لم تُخالَف وهي خالفت فعلاً بالمضمون والمنطق" وأضاف "إنني أكرر أن العودة للعرف هو ما يحقق العدالة والإنصاف للجميع، والله على ما أقول شهيد".
واشتهر الأمير طلال بآرائه الإصلاحية قياسا على أعضاء الأسرة المالكة. وسبق له أن دعا في العديد من اللقاءات الإعلامية إلى اصلاحات ليبرالية أعمق في المملكة.
والمحللون المتابعون للشأن السعودي أشاروا بأن الملك عبد الله ومستشاره خالد التويجري استغلوا الغموض وعدم الوضوح في بنود نظام البيعة للتجاوز على التراتبية في أحقية الأمراء الأكبر سناً في تولي الحكم, بهدف التمهيد لتصعيد متعب ابن الملك عبد الله الى ولاية العهد أو حتى الى منصب الملك، الأمر الذي تنبه له الأمير طلال ودفعه ليطالب الأسرة المالكة ب"أن تترك هذه الأنظمة جانباً وترجع إلى العرف الذي كان سائداً قبل التفكير في تنفيذها" وهي دعوة صريحة للتخلي عن هيئة البيعة.
هيئة البيعة
هي هيئة سعودية تعنى باختيار الملك وولي العهد السعودي. تتكون من أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز آل سعود. أسست الهيئة في 28 رمضان 1427 ه الموافق 20 أكتوبر 2006 ، ويرأس الهيئة الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود، وأمينها العام خالد بن عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري.
وأسست الهيئة بأمر من الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ونص أمر تأسيسها بأنها تتكون من أبناء الملك عبد العزيز وأو أحفاده في بعض الحالات التي يحددها النظام، بالإضافه إلى إثنين يعينهما الملك، أحدهما من أبنائه والآخر من أبناء ولي العهد ، وتقوم عند وفاة الملك بالدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكًا على البلاد.
وحسب ما نص عليه نظام الهيئة يقوم الملك بعد مبايعته وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة باختيار من يراه مناسبًا لولاية العهد على أن يعرض بعد ذلك اختيار الملك على الهيئة لترشح واحدًا منهم ، وفي حالة عدم ترشيحها لأي منهم فعلى الهيئة ترشيح من تراه مناسبًا لولاية للعهد ، وفي حالة عدم موافقة الملك على ترشيح الهيئة، تقوم الهيئة بعملية تصويت بين من رشحته والآخر يختاره الملك، وتتم بعد ذلك تسمية الحاصل على أكثر الأصوات وليًا للعهد وحدد نظام الهيئة بأن يتم اختيار ولي العهد في مدة لا تزيد على ثلاثين يومًا من تاريخ مبايعة الملك .
وكانت هيئة البيعة أعلنت في 16 نوفمبر 2011 أن الأمير طلال "76 عاما" الأخ غير الشقيق للملك عبد الله ووالد الملياردير الوليد بن طلال استقال من الهيئة المسئولة عن الإشراف على تعاقب الحكم في السعودية .
جاء ذلك بعد اعتراض الأمير طلال في هذا الوقت على إعلان الديوان الملكي ترقية الأمير نايف إلى نائب ثان لرئيس مجلس الوزراء، وقال حينها إنه كان ينبغي استشارة هيئة البيعة قبل اتخاذ هذا القرار.
من المتشددين
ورغم ان الامير مقرن يحظى بشعبية في اوساط الدبلوماسيين الغربيين، فان تعيينه سيصيب الكثير من المراقبين الاجانب بخيبة امل، اذ كانوا يأملون في تغيير جذري اعمق لمعالجة المشاكل المتعاظمة في الداخل وتعزيز حقوق المرأة.
واعتبرت صحيفة "التايمز" البريطانية أن تعيين العاهل السعودي لرئيس الاستخبارات السابق مقرن بن عبد العزيز كنائب ثان لرئيس مجلس الوزراء، وهو المنصب الأهم في السعودية بعد ولاية العهد، حطم آمال الإصلاح السياسي من خلال اختيار الأشخاص المتشددين من الجيل القديم في الأسرة الحاكمة.
وقالت الصحيفة البريطانية إن الأمير مقرن يمثل امتدادا للخط المتشدد في السعودية، مضيفة أن قرار تعيينه أثار حالة من الإحباط حول إمكانية حدوث تغيرات جذرية في سياسة المملكة إذا امسك تيار إصلاحي من الجيل الجديد بزمام الأمور.
وذكرت الصحيف في مقال لها "اصبح رئيس المخابرات السعودية السابق المعروف بتشدده أمس نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء السعودي، في خطوة ستصيب الكثيرين من الذين كانوا يتوقعون انتقال الحكم في اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم الى الجيل الاصغر عمراً في العائلة المالكة ، وقد اربك وقوف الامير مقرن بن عبد العزيز (67) في الموقع الثاني لتولي العرش التكهنات التي قالت لعدة اشهر بان العاهل السعودي سيعمد الى تعيينمن هم في جيل أصغر سنا داخل صفوف العائلة الملكية لمواجهة التحديات، ما كان منها داخل حدود البلاد أوخارجها".
وأضافت :" بدلا من ذلك فان الملك عبد الله (89 عاماً)، بتعيينه اخاه غير الشقيق نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، اعلن ان الامير مقرن سيكون وليا للعهد ويتولى العرش من بعده ، على ان من المحتمل ان يتولى الامير مقرن العرش في وقت اقرب مما توحي به تسميته الثاني في التسلسل العائلي".
الامير مقرن في سطور
ولد الأمير مقرن عام 1943 وهو ضابط سابق بالسلاح الجوي تدرب في بريطانيا قبل أن يصبح أميرا لمنطقتي حائل والمدينة.
وتولى الأمير مقرن منصب رئيس الاستخبارات العامة في عام 2005 لكن حل محله في العام الماضي الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق لدى واشنطن. وكان ينظر للأمير مقرن دائما باعتباره بعيدا عن عملية الخلافة لأن امه من اصل يمني.
وبعد تركه رئاسة الاستخبارات عمل الأمير مقرن مستشارا للملك ويقول دبلوماسيون إنه لعب دورا في اجتماعات مهمة بين الملك وزعماء أجانب زائرين.
وقد اشتهر الامير مقرن بانه متشدد فيما يتعلق بالامور الامنية، وخاصة تجاه الاقلية الشيعية التي تعيش في المنطقة الشرقية الثرية بالنفط في السعودية، وهو ما يسقط اي توقعات غربية لادخال تحسينات في مجال حقوق الانسان في البلاد.
وكان مقرن قد أقصي عن رئاسة المخابرات العام الماضي، ليمهد الطريق امام تعيين الامير بندر بن سلطان لكي يتولى ادارة السياسة السعودية تجاه الصراع في سوريا.