تعتبر كسوة الكعبة من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام، ويرتبط تاريخ المسلمين بكسوة الكعبة، وصناعتها التي برع في صناعتها أكبر فناني العالم الإسلامي، والإبداع فيها، وتسابقوا لهذا الشرف العظيم. وكسوة الكعبة هي قطعة من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن تكسى بها الكعبة ويتم تغييرها مرة في السنة وذلك خلال موسم الحج، صبيحة يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة، وكانت مصر تقوم بإرسال كسوة الكعبة من عهد عمر بن الخطاب إلى أن جاء عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. تشريف مصر بالكسوة ففي عهد الخليفة عمر بن الخطاب أصبحت الكعبة تكسي بالقماش المصري المعروف بالقباطي وهي أثواب بيضاء رقيقة كانت تصنع في مصر بمدينة الفيوم، وفي سنة 159ه أصبحت تصنع بالكامل في مصر، بعد حكم العثمانيين الذين أخذوا على أنفسهم كسوة الحجرة النبوية وكسوة الكعبة من الداخل والطيب والعطور والشموع وزيت القناديل. وبالرغم من الأزمة الطاحنة التي عاصرتها الدولة المملوكية لم تتقاعس في أمر الكسوة الشريفة مع أنها كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، واستطاعت بذل شتى الطرق لإخراج الكسوة من مصر حتى تصل إلى مكةالمكرمة في موعدها المعتاد. نزاعات على كسوة الكعبة ولم تنته المحاولات لنزع شرف صناعة كسوة الكعبة من مصر، من قبل الفرس والعراق ولكن سلاطين المماليك لم يسمحوا لأى أحد أن ينازعهم في هذا، وعمل "المجاهد" ملك اليمن جاهدا لنيل هذا الشرف حيث أرسل محمل حج لكسوة يمنية للكعبة فأخبر أمير مكة الذي يتم تعيينه من القاهرة السلطة التابع لها في مصر، فتم القبض على "المجاهد" وأوتي به مغلولا إلى القاهرة لاجترائه على هذه الفعلة التي هددت سلطة مصر، وتكررت المحاولات بعدها بعشرات السنين، لكن أمير مكة كان يمنع دخول المحمل على اعتبار أن هذا الشرف خاص بالمصريين فقط. تكاليف الكسوة وقدرت قيمة الكسوة المرسلة سنويًا من مصر بثلاثمائة دينار آنذاك، ويعد هذا المبلغ كبيرا على السلطة الحاكمة في ذلك الوقت ومثل عبئا على خزينة الدولة فما كان أمام الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر بن قلاوون الاستمرار على إرسال كسوة الكعبة كل سنة، وعلي كسوة الحجرة النبوية والمنبر النبوي في كل خمس سنين مرة، لأن يطبق ما سمي بالوقف وهو عبارة عن وقف خراج 7 قرى كان منها "بيسوس، وسندبيس، وأبي الغيط"، وتخصيص هذه الأموال للكسوة، إلى أن آل الحكم في مصر للوالي محمد على باشا الذي أمر بأن تخرج نفقة تصنيع كسوة الكعبة من خزينة الدولة التي آلت إليها كل الأوقاف وتأسست لهذا الشأن دار الخرنفش بحي باب الشعرية بالقاهرة لتصنيع الكسوة. مكونات كسوة الكعبة وتحتوى مكونات كسوة الكعبة على مواد وتفاصيل كثيرة وراء الشكل الجمالى التي تظهر عليه، فيبلغ ارتفاعها 14 مترا ويحليها في الثلث الأعلى منها حزام يعرف بحزام الكعبة المطرز بالأسلاك المصنوعة من الفضة المحلاة بالذهب وينقش عليها، "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، "الله جل جلاله"، "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، "يا حنان يا منان" وتحتها مباشرة سورة الإخلاص داخل مربعات مطرزة بالطريقة نفسها. كما أنها تصنع من 658 كيلوجراما من الحرير الطبيعي وتتراوح تكلفة إنتاجها الآن ما بين 17 إلى 20 مليون ريال سعودي وتخرج من تحت أيدي أكثر من 240 عاملا يعملون على إنتاجها سنويًا. المحمل وكانت الكسوة تنقل إلى مكة في محفل مهيب، يسمي "المحمل" وبداية الظهور الفعلي للمحمل المصري في العصر المملوكي، واستمر طوال العصر العثماني إلى أن توقف عام 1962م، فقد كان المحمل يطوف الشوارع قبل الخروج إلى الحجاز وكان يصاحب طوفانه العديد من الاحتفاليات كتزيين المحال التجارية والرقص بالخيول وكان الوالي أو نائب عنه يحضر خروج المحمل بنفسه الذي يحمل كسوة الكعبة التي تعتبر أقدس الأماكن عند المسلمين. وكان المحمل بمثابة بعثة رسمية من الدولة صاحبة الهيمنة على أرض الحرمين الشريفين، وكان يحمل إضافة إلى الكسوة رواتب موظفي الحرمين الشريف وزعماء القبائل الذين كانوا يستميلونهم بتلك العطايا تفاديا لغاراتهم على قوافل الحج، وفرمانات عزل الإشراف وتوليتهم، والمعونات لسكان الحرمين الشريفين. توقف إرسال الكسوة ووقع خلاف بين الحكومة المصرية وبين ملك الحجاز الشريف الحسين بن على سنة 1341ه، وذلك في آخر ذي القعدة، ولم يبق لموعد الكسوة الجديدة التي تكسى بها الكعبة إلا تسعة أيام، فأصاب القلق والهم الملك حسين، وشارك معه في القلق أهل مكة والشيبيون أيضًا، وفي عام 1343ه نشبت الحرب بين الشريف حسين وبين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. واستولى الملك عبد العزيز على مكةالمكرمة فامتنعت الحكومة المصرية عن إرسال كسوة الكعبة العائدة لعام 1343ه، وذلك لعدم اعترافها بالحكومة السعودية بعدُ، فحدثت حادثة المحمل فزاد الطين بلة، وتوترت العلاقات بينهما توترًا شديدًا بحيث امتنعت مصر عن إرسال الكسوة سنة 1345ه، وعاودت مصر إرسالها مرة أخرى إلا أنها توقفت نهائيا في عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1962م مع توقف دار الخرنفش المخصصة لصناعة الكسوة.