صفحة لاذعة جدا بطعم الحياة التى يحياها حرافيش وفقراء هذا الوطن من خلالها نستقبل رسائل المهمشين كى نعرضها على ولاة الأمر يحررها حسن شاهين المواطن الفقير من فئة الحرافيش التى أنتمى إليها كاد أن يضل طريقه، أو قد يكون ضل بالفعل، فالممارسات اليومية للسياسيين، سواء كانوا فى الحكم أو من المعارضين جعلته مشتتًا، دائم النظر إلى السماء، هو ليس فى حالة دعاء، فقط هو فى حالة ذهول، يشعر أن الأمل قد ظلمه ودهس واقعه المرفوض، كان يرضى بواقعه فى عصر كانت فيه الكلمة ممنوعة والحلم ممنوعًا والأمل ممنوعًا، فجاءت ثورة لا ناقة له فيها ولا جمل لتأخذه للأمل، شارك فيها، وحلم بمستقبل أفضل له ولأبنائه، لكنه أفاق على كابوس أكثر مرارة من كل الكبت الذى كان يحياه قبلها، فصار كل شىء مباحًا بفعل الثورة، عدا الأمل! كتبت هذه المقدمة بعد أن قرأت تلك الرسالة التى وصلتنى من أحد حرافيش هذا الوطن المنكوب فى ثورته، وكانت الرسالة: سيدى الحرفوش الكبير.. أنا متابع جيد لكل ما يُنشر فى صفحة "الحرافيش" باعتبارى أنتمى لهذه الفئة الحائرة.. لن أطيل عليك، ولن أكرر ما قد جاء فى رسائل سابقة قمت أنت بنشرها والتعليق عليها.. فقط أريد أن أقول لك: إننى أشعر بالقهر.. ليس من أحد، ولكن من تلك الثورة المزعومة التى رأيت بأم رأسى كيف تباهى بها المصريون والتفوا حولها وأنا مثلهم.. ورأيت بأم رأسى كيف شهد العالم لتلك الثورة السلمية رغم الدماء التى سالت فيها.. رأيت كل ما أراد الآخر أن أراه.. حلمت بكل ما أراد الآخر أن أحلم به.. رفعت شعارًا ردّده الآخر ليشدنى معه أنا وأمثالى من حرافيش هذا الوطن.. هتفت كما أراد الآخر أن أهتف: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية".. أصواتنا التى انضمت للثائرين أجبرت نظاما بأكمله على التنحى.. عدت إلى منزلى.. جلست بين أفراد أسرتى أحكى لهم ملحمة ثورية كانوا لا يستوعبونها ولا يحلمون بها يومًا.. أنهى حكاياتى بابتسامة أمل تهز قلوبهم وتأخذ ألبابهم للمستقبل.. فيحلم كل منهم بنصيبه من إحدى كلمات الشعار الذى عدت به إليهم مخطوطًا على قطعة قماش كان أحدهم يوزعها فى الميدان.. تركتهم وسط الأحلام وخرجت.. توضأت.. أسبغت الوضوء.. وجلست أتلو القرآن كثيرًا كثيرًا.. حتى اتكأت.. فراحت عيناى فى نوم عميق.. ورأيت.. ماذا رأيت.. كل المستقبل.. وكل ما فى الشعار من معانى للحرية والعدالة الاجتماعية.. حتى علا صوت صغيرتى الرضيعة التى بلغت سن الفطام ولم تُفطم بعد لأنها لم تشبع بعد.. فصحوت لأجدنى وقد مر على ثورتى عامان هم عمر طفلتى النحيلة بسبب جفاف صدر أمها.. صحوت بعد عامين لأجد شعارًا مكتوبًا يحمله شاب ما زال فى الميدان "عيش حرية عدالة اجتماعية".. لم أصدق نفسى.. وظننت أننى صحوت من الواقع للحلم، وليس من الحلم للواقع.. راهنت على ذلك كل من حولى.. أنا أحلم ولم أستيقظ بعد.. قالت لى زوجتى: أنت كنت تحلم ولكنك استيقظت بعد عامين.. صدقتها؛ فزوجتى لا تكذب أبدًا.. فتحت التلفاز.. بيان من وزارة الداخلية: "سوف نتصدى لكل الشغب الذى يتوسط المتظاهرين.. سألت زوجتى: أهذا بيان من حبيب العادلى؟!.. ضحكت ولم ترد.. فأمسكت بالجريدة اليومية.. لأجد مانشيت: "الرئيس: أنا أتيت بالصندوق ولن أرحل إلا بالصندوق".. نظرت إلى زوجتى متسائلا: هل هذا هو مبارك؟!.. طأطأت رأسها ولم تجب.. تساءلت: أين أنا؟ فى أى زمن أعيش؟ هل أنا قبل الثورة أم بعدها؟.. هل بالفعل كانت هناك ثورة أم أنها الأحلام التى لم نكن نعتاد عليها قد جاءتنا بغتة؟!.. لم ترد.. صرخت: أجيبينى ولا تخدعينى..فأنت أول من أصدق.. أدركينى.. أين أنا مما يعنينى؟!.. دمعة تنزل على خد زوجتى وتقول: أنت فى الواقع.. فى اليقظة.. وكل ما حولك حقيقة..لكنك لا تريد أن تصدقها.. أنت تأبى أن تصدق أننا عدنا للخلف ودون إشارة تحذير.. عدنا نرفض نظامًا حاكمًا.. عدنا نتسول قوت يومنا.. عدنا نتظاهر.. عدنا نعتصم.. عدنا نصرخ "عيش، حرية، عدالة اجتماعية".. عدنا لكن ليس للخلف.. بل عدنا لنصطدم بالفشل.. فشل الرئيس وحكومته.. فشل المعارضة وأتباعها.. فشل فى كل الاتجاهات يحيط بنا.. وكلمة السر هى "مرسى".. انهض زوجى العزيز فموعد العمل قد اقترب.. خذ هذه الشهادة وأعدها لملف أوراقك المنسية.. وصدق أنك ما زلت تعمل فرّانا بالنهار وحارس عقار بالليل.. ولا تصدق أى أحد يذكرك بأنك حاصل على بكالوريوس زراعة كان ينتظر أن يعمل مهندسًا زراعيًّا.. عش كما كنت تعيش ولا تصدق يومًا أن شعبًا قد ثار ليحكم نفسه بنفسه.. فدائمًا سيحكمنا خدام الأمريكان!!